د. حسين أبو سعود ... مسؤول العلاقات الثقافية في ممثلية الإتحاد الإسلامي لتركمان العراق ـ بريطانيا
ان مراجع الشيعة كغيرهم من العظماء لم يسلموا من حقـــد الحاقدين وكيـــــد الكائدين، وقد تم توظيف جهــود كبـيرة وحثيثة للإساءة إليهم بشتى السبل وفـي مختلف الحقب، فلم يحصدوا إلا الهشيم، والغريب ان الفشل المتكرر في النيل من المراجع لم يثن قوى الشر عن عزائمهم فما زالوا يحاولون اصطياد أي شئ قد يسئ الى سمعة المرجعية فيقومون بتهويل الأمر البسيط وتعظيمه في عيون الناس تحقيقا لمآربهم، ولكن أنى لهم التناوش من بعيد.
وقد تعرضت مرجعية السيد السيستاني لأكبر قدر من الانتقادات لمعرفة الحاقدين بأهمية هذه المرجعية وعظمة هذا الرجل بالذات، وظلوا يروجون لأكاذيب وترهات مفادها ان السيد السيستاني يهادن الاحتلال وانه اصدر فتوى بعدم مقاومته، وقد عاد هذا الزور والبهتان الى أصحابه بعد المواقف السياسية الرائعة التي اتخذها السيد السيستاني وأهمها الدعوة الى الانتخابات والتي أثمرت بانبثاق جمعية وطنية منتخبة وحكومة ائتلاف وطني يمثل جميع الأطياف العراقية ولعمري بان الانتخابات هي أول واهم الخطوات لتحرير العراق من الاحتلال وتخليصه من الأجنبي.
ان المتتبع لتاريخ المراجع يجد أمثلة رائعة على مقارعة الظلم ومقاومة الأجنبي، وكانت الحكومات المتعاقبة في العراق تحسب لمراجع الشيعة ألف حساب، ولكنها الحكمة البالغة التي كان يتعامل بها المراجع مع الحكومات ظاهرها المهادنة وباطنها الصبر على البلوى من اجل الحفاظ على بيضة الإسلام وحاضرة الشيعة اعني بها النجف الاشرف التي تضم الحوزة الدينية، ولنا في موقف الإمام الراحل السيد الخوئي خير مثال بإصراره على البقاء في النجف الاشرف بالرغم من كل أنواع الظلم التي كان يراها بأم عينيه من قبل نظام صدام البائد، وعلى نهجه سار الإمام السيستاني حيث تحمل بصبر يندر وجوده ما يجري أمامه من ظلم على أمل ان يتم التغيير النهائي بصورة سلمية وبدون إراقة دماء، والحق اني ما وجدت احرص على دماء الناس من علماء الشيعة فهم يدعون دائما الى ضبط النفس وعدم النزوع الى الانتقام في حالات الاعتداء التي يتعرض لها الشيعة في مختلف أنحاء العالم، لقد صبر الشيعة على مدار التاريخ على المذابح التي تعرضوا لها وهاهم يصبرون في باكستان وأفغانستان والعراق والصبر بحد ذاته سلاح لا يحسن استعماله إلا الأقوياء، والعراق لن يحرره الانتحاريون بأعمال قرصنة وعصابات و الذين يفجرون السيارات المفخخة بالأبرياء من أبناء الشعب العراقي، وان تحرير العراق لن يتحقق بعمليات الاختطاف وقتل الشرطة وأفراد الحرس الوطني وذبح المدنيين الأبرياء وهذه العمليات لن تستنزف العدو أصلا لان الأمريكان تعلموا كيف يحصنون أنفسهم ويجعلون الحرس الوطني في المقدمة، فالعراق ستحرره الانتخابات والدستور وانضواء الشعب بأكمله تحت مظلة المرجعية، و العراق سيحرره السيد السيستاني بنداء سلمي سيأتي في وقته وستحسب أمريكا لذلك النداء ألف حساب، خاصة وان أمريكا لم تهزم الجيش العراقي والعراقيين بل هزمت الجيش الصدامي الذي انهزم من تلقاء نفسه لأنه جيش غير مؤمن بما يقوم به وقد أنهكته الحروب العبثية وأتعبته السياسة وهو بتشكيلاته المنظمة لم يصمد أمام العدو فكيف تستطيع فلوله المتناثرة على تحرير العراق الآن، فالتحرير عملية صعبة معقدة له طريقان احدهما سياسي والآخر عسكري، ولا يخفى عقلا استحالة إلحاق الهزيمة بالآلة العسكرية الأمريكية في مثل هذه الظروف، وأما من الناحية السياسية أقول : نعم انه من الممكن الطلب من أمريكا الانسحاب من العراق ( ولكن في الوقت المناسب ) اعني بعد كتابة الدستور وإقراره وتشكيل حكومة تحكم لمدة أربع او خمس سنوات وتشكيل جيش عراقي وشرطة وطنية متكاملة العدد والعدة، ولن تبق لأمريكا حجة بعد ذلك، لان أمريكا تعي بان الانسحاب سيكون ضرورة لها قبل غيرها.
لقد ثبت ان المقاومة السلمية هي الأخرى مقاومة، وقد تكون أقوى وأنجع من المقاومة العسكرية وكلنا نعرف كيف استطاع المهاتما غاندي هذا الرجل النحيف ذو الرأس الحليق والذي يرتدي وزرة بيضاء وهو في أرذل العمر ان يحرر بلاده من الاستعمار وكيف انه لم يكن يدعو الى عصبية بل كان يدعو الى الهند الموحد وكان مبدأه التسامح فقاد شعبه الفقير المشتت ذو الأطياف المتعددة نحو الاستقلال، ولم يسجل عنه بأنه رد على الغوغاء الذين تعرضوا له بالاهانة وكان يقول وهو يقاوم إمبراطورية عظمى (أؤمن بان اللاعنف أسمى من العنف ) وبذلك استطاع ان ينال إعجاب البريطانيين أنفسهم واحترامهم له، فيما خلده التاريخ الى الأبد.
وهكذا السيد السيستاني الذي لم يسبق له ان دعا الى إقامة دولة شيعية مع ان الشيعة هم الأكثرية ولم يدع الى تغليب مصلحة الشيعة على الآخرين وقام برعاية العملية السياسية كأب لجميع العراقيين فهو صانع الديمقراطية وصانع السلام وصانع التحرير الأكبر وان السيستاني الذي درأ الحرب الأهلية بكوارثها سيدرأ الحرب مع أمريكا أكثر وأكثر ويوصل الشعب العراقي الى غايته في التحرر بصورة سلمية وإذا لزم الأمر سيكون هو أول المضحين من اجل كرامة الأرض وهو سليل الإمام الحسين عليه السلام الذي علم البشرية كيف يكون الثبات والإباء والتضحية وعلم البشرية كيف ينتصر المظلوم.
ولاشك فان معظم العراقيين من سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وأكراد وتركمان يكنون للسيد السيستاني الاحترام الكامل وعلى استعداد لان يأتمروا بأمره، وأما القلة الباقية فان التفت حوله فهو خير وإلا فذاك شأنها، فالسيستاني طالب خير وسعادة للشعب وليس طالب سلطة او رئاسة، وارى انه يتوجب على الحكومات العربية ان تدعم مساعي السيد السيستاني الخيرة، ليس ذلك فحسب بل يتوجب على المجتمع الدولي أيضا بما فيها أمريكا ان تعرف قدر السيد السيستاني لان وجوده بركة وصلاح للجميع، لان من فجر اكبر وأقدس واشرف ثورة وهي الانتخابات قادر على ان يحرك الأرض من تحت أقدام الغزاة الطامعين إذا استوجب الأمر و في الوقت المناسب، حيث دعا سماحته للانتخابات وحث عليها وأصر على إجرائها وجعل العراقيين يمارسون هذا الحق المقدس بعد أكثر من نصف قرن من الاستغفال، فالسيستاني هذا الرجل الصالح والقديس الحكيم الذي يحرك الأحداث بصدقه وصلاحه وتقواه وزهده وليس بغلظته وشدته وقسوته، هو الأب الحاني للجميع، وقد أثبتت الانتخابات بالرغم من تشتت الصوت الشيعي مدى شعبيته وتأثيره وعلو مكانته في قلوب العراقيين.
وأقول لكل من دعا الى منحه جائزة نوبل : عليكم ان تقرروا أولا ً من يشرف من ؟ الجائزة تشرف السيستاني أم السيستاني يشرفها، فقد شهد القاصي و الداني بتأثير السيد المرجع على مجريات الأحداث فهو رجل العام بل ورجل الأعوام القادمة، وإذا حدث ان حرر العراق فلن تكفيه جائزة واحدة، فادخروا أيها السادة جائزة نوبل وما عندكم من جوائز أخرى لذلك اليوم الذي نراه قريبا وترونه بعيدا، وهو يوم يقوم السيستاني فيه بتحرير العراق من الوجود الأجنبي بدون إراقة دمـــــــــاء.