الســــــــــــــــــــــــــــــلام عليكم ورحــمـــــــــــــــــــــــــة الله وبركااااااااااااااته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
شعور خاص يتملك المرء وهو يدخل مقبرة وادي السلام، فقداسة الأرواح والصمت الرهيب الذي يحيط بالمكان يجعل أي إنسان يخضع لربوبية الله العلي القدير.. ثمة إحساس يمتلكنا ونحن وسط هذه المقابر التي تمتد حيث يمتد نظر الإنسان وهي إن عالم الأحياء في طريقه إلى هنا عالم الأموات، حيث الناس ينتظمون في طابور طويل ليأخذوا مكانهم في هذه القبور إن عاجلا أم آجلا باستثناء أسبقيات القدر الذي يقدره الله على شاكلة الكوارث والزلازل والحروب والحوادث.... أطأطأ راسي صامتا ثم التفت يمينا وإذا بي أقرا على جدران إحدى الغرف التي بنيت بداخلها مقبرة (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، فينتابني خشوع ورهبة اخرج من هذا المكان وابتعد قليلا ثمة أصوات لقارئي القرآن وثمة تجمعات لنسوة وشباب يزورون قبور ذويهم.
هنا لا فرق بين غني أو فقير أو ملك أو مواطن بسيط تتنوع القبور بين صغير وكبير لكن ثرى الأجساد واحد.
نعم إنها مقبرة وادي السلام في مدينة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) النجف الأشرف التي تعتبر اكبر وأقدم مقبرة في العالم. وفي هذه المقبرة بقعة مباركة تضمُّ مرقد النبيين هود وصالح (عليهما السلام)، كما تضمُّ قبور عدد كبير من أولياء الله الصالحين والعلماء الأبرار والمؤمنين الشيعة الذين دفنوا هناك منذ أن عُرف قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) في النجف الأشرف في سنة 170 هجرية.
ومنذ أكثر من ألف سنة والشيعة تجهد في نقل جثث ورفاة موتاهم من شتى بلدان العالم إلى وادي السلام لِما وردت في فضيلته روايات كثيرة تدل على قدسيته وكرامته.
كما أن هناك روايات تؤكد على أن وادي السلام بقعة من بقاع جنة عدن، وأن أرواح المؤمنين تجتمع إلى بعضها في هذا الوادي.
ويقول السيد محمد القزويني وهو أحد العاملين في أحد مكاتب دفن الموتى في النجف الاشرف أنه ليس هناك إحصاء دقيق لعدد الموتى المدفونين في المقبرة، لكن التقديرات تشير إلى وجود مئات الملايين فأنت تعرف بان مقبرة النجف بدأت باستقبال الموتى منذ أكثر من ألف عام ووادي السلام ليس مقبرة النجف وحدها ولا العراق وحده بل لكثير من البلاد كإيران والهند والباكستان وأفغانستان والكويت ولبنان وغيرها.
هذه المقبرة التي يعود تاريخها لأكثر من 1400 عام تقريبا، وتعد من أهم المقابر في العالم، فهي الأكبر من حيث الحجم، إضافة إلى وجودها في بقعة مقدسة عند المسلمين وخلال أكثر من ألف عام توسعت هذه المقبرة بشكل كبير رغم أنها عانت الكثير من تسلط الأنظمة الحاكمة للعراق فقد استغلت الدهاليز فيها والمخابئ السرية في المقبرة في إخفاء الأسلحة والإعداد للثورات في عهد الاستعمار، كما أنها دمرت بشكل كبير في عهد النظام السابق أثناء انتفاضة عام 1991، فقد تعمد النظام هدم الكثير من سراديبها مخافة أن تكون معاقل للثوار. كما تعرضت المقبرة بعد سقوط نظام المجرم صدام للتدمير أيضا عام 2004 وأثناء الأحداث العسكرية التي دارت في مدينة النجف الأشرف.
وإن لهذه المقبرة خصوصية معينة لا يعرفها سوى القائمين عليها، فكما أن لكل مدينة محافظا أو حاكما فمدينة الأموات تدار أيضا من قائم عليها وهو الدفان، فهو الوحيد الذي يعرف طرقها وكم تحوي وعمر كل قبر وصاحبه ومن أي مدينة وغيرها، فكل شيء درج في التفصيل بسجلات خاصة وبعض هذه السجلات قديمة جدا عمرها مئات السنين وتحفظ عند المتعهدين الرئيسيين مثل بيت أبو أصيبع والحاج نمر حبيبان والشيخ محمد ورحيم وغيرهم.
وفي وادي السلام لا يشعر الإنسان أنّه في مقبرة بل يشعر أنّه يقف على أطلال العالم وخرائب الدنيا ويشعر بصمت عميق غَمَر الملوك والرعايا ويرى قبوراً دارسة وقبوراً مائلة للانهدام وقبوراً جديدة.
والقبور بين قبرٍ عليه دكة تختلف صغراً وكبراً وآخر حوله سور يختلف سعة وارتفاعاً وثالث عليه بنية.
والبنيات قد تكون ذات فخامة وإتقان يقيم فيها شخص يقرأ القرآن في أوقات معينة ويتقاضى راتباً من ذوي العلاقة ويوجد في تلك المقابر وغيرها ماء مبذول لمن يحتاج يسمّونه (سبيلاً) ويوجد في بعض المقابر حدائق حسنة.
وكثير من المقابر عليها قِباب تختلف كبراً وصغراً ولوناً وتصميماً وكثير من هذه القبور تاريخي. وعلى كل قبر ـ إلاّ ما شذّ ـ صخرة نُحِت عليها اسم الميت وتاريخ وفاته وبعض المميزات الأخرى.
وكل مدينة أو قبيلة لها جانب تختص به لا يشاركها فيه غيرها، والصخور التي نُقش عليها الاسم بين صخر طبيعي بسيط وبين صخر من الرخام الجيد وبين آجرّ وبين بلاط صناعي يسمونه (كاشي) وقد كتب عليها كتابة بلون لا يزول وكثيراً ما تُكتب على تلك الألواح قطعة من الشعر الجيد باللغة الفصحى أو العامية.
ولو تقصد إنسان جَمعَه لتجمّع لديه الشيء الكثير منه ولكن أدب القبور ليس له حظ من الحياة ولذا لم يُعنَ به عشّاق الأدب.
وفي وادي السلام تتزاحم أجيال وفيه يقول الشيخ علي الشرقي من قصيدة:
عَبَرتُ على الوادي وسَفَّت عجاجةٌ ****** فكم مـن بلاد في الغبـــارِ وكم نادي
ووادي السلام منتزه النجفيين حيث يخرج إليه كثير من الناس في المساء لاسيما ليلة الجمعة لقراءة الفاتحة وتفّقد قبور أحبائهم.
وهي مقبرة عامة تقع في شمال المدينة تنقل إليها أموات الشيعة من مختلف الأنحاء، وفيها مراقد كثير من العلماء وفيها مرقد ينسب للنبي هود، وصالح، قال في مراقد المعارف:
(مرقدهما في الغربي بوادي السلام، خلف سور المدينة في الشمال الشرقي في حرم واحد عليه قبة متوسطة. وكان على هذا المرقد صخرة حمراء قديمة طولها ذراع يد وأصابع، وعرضها شبر، كتب بالخط الكوفي تصرح بأن هذا المرقد هو مرقد النبي هود وصالح)، أول من وضع على قبريهما صندوقاً من الخشب هو العالم الرباني السيد محمد مهدي بحر العلوم ونذرت الملا حفيرة حرم الملا يوسف بن الملا سليمان المتوفى سنة 1270 هـ، نقيب وخازن مرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السَّلام)، إذا رزقهما الله تعالى ولداً تبني على قبريهما قبة، وبنيت عليهما قبة من آجر صغيرة.
وفي سنة 1333 هـ لما حاصر الإنكليز مدينة النجف أربعين يوماً - وهو الحصار الكبير - هدموا مرقدي هود وصالح (عليهما السَّلام) بل وكثير من البقاع المشرفة عبثوا بها، وعندما ارتفع حصار النجف خرجنا إلى قبريهما (عليهما السَّلام)، فوجدناهما ربوة من آجر والصخرة المذكورة مفقودة ولما جاءت سر وكالة الهنود إلى النجف زائرة رممت قبري هود وصالح ومسجد الحنانة وقبر كميل بن زياد النخعي في الثوية.
- الحنانة في رواية أن رأس الإمام الحسين (عليه السَّلام) وضع في المكان المعروف اليوم بالحنانة بعد واقعة الطف، والعودة بأهله إلى الكوفة، وقد أنشئ في المكان مسجد جدد بناؤه حديثاً. وهذا على ما هو المشهور. وقد فصلت في المعجم بأنها جبانة لا حنانة فليراجع.
وجاء في المراقد (كان في الثوية قديماً قبل الإسلام بناء يسمى القائم مروا عليه بنعش بطل الإسلام المسلم الأول علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، فانحنى ومال جزعاً فسمي (القائم المنحني) وورد أيضاً أنه يسمى (القائم المائل) وقد عرفت هذه البقعة بعد (بالحنانة) وفيها مسجد يعرف بمسجد الحنانة ويقرأ فيه الدعاء المأثور، وفي هذا الموضع أنزلوا السبايا حرائر وحي آل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، عيال الإمام الحسين (عليه السَّلام) بعد شهادته في كربلاء 10 محرم الحرام سنة 61 هـ، لكي يأخذ ابن زياد الأثيم، الحيطة لنفسه من الكوفيين ويستعد خوف النهوض عليه عاجلاً حتى يطوفوا بعيال الإمام الحسين (عليه السَّلام) سبايا، وروي أن حملة الرؤوس أبقوا رأس الحسين (عليه السَّلام) ورؤوس أهل بيته وأصحابه البررة في الثوية فحنت الأرض جزعاً بأن سمع عليها صوت وحنين وحنت السبايا أيضاً جزعاً ومأساة، مما صنع بالرؤوس، ومن هنا سميت هذه البقعة بالحنانة، ثم حملت الرؤوس على أطراف الرماح أمام السبايا إلى الكوفة طيف بها سكك الكوفة وشوارعها.
كميل بن زياد النخعي: صاحب أمير المؤمنين (عليه السَّلام) الذي علمه الدعاء المعروف بدعاء كميل قتله الحجاج سنة 82 هـ.
وفي المراقد (2/219): مرقده في الثوية عليه قبة بيضاء صغيرة على تل عالٍ من الأرض في الصحراء على نحو ميل واحد عن سور مدينة النجف الأشرف، واليوم مرقده معروف بين الكوفة والنجف، ويحيط به مسجد كبير جدده السيد محمد كلانتر.
وصف المقبرة:
وادي السَّلام اسمٌ للوادي الكبير الواقع بالجانب الشمالي الشرقي من مدينة النجف الأشرف في العراق، ووادي السَّلام هذا هو مقبرة عظيمة جداً، وربما عُدَّت أكبر مقبرة في العالم، أو من أكبر مقابر العالم نظراً لمساحتها الواسعة.
تربة المقبرة تربة رملية نقية ناعمة، هذا ما يخص القسم الأعلى منها، أما القسم الذي يلي ذلك بحوالي عشرين سنتيمتراً، فعبارة عن منطقة صخرية متكونة من صخور رملية قوية تسمح لحفر اللحود فيها بصورة عمودية، وتسمح لإدخال الإنسان في مكان قد حُفر بصورة أفقية وبطول المتوفى. وقد تبقى الصخور والتربة محافظة على تماسكها، ولكن بعد مدة ينهدم ما يحيط بالتجويف الأفقي الراقد فيها المتوفى فتضيع معالم التجويف.
وتتصف المقبرة بالجفاف التام، لأنها جزء من المنطقة الصحراوية الجافة. فهي لهذا بقعة ذات رمال وصخور رملية نقية لا تظهر فيها أية رائحة مما نسميها بالعفونة أو ما يدل عليها.
والحقيقة أن الكثير من أهالي النجف يتركون المدينة وأزقتها الضيقة وشوارعها المزدحمة الصاخبة بضجيج الناس والسيارات، ليتجولوا خلال شوارع المقبرة الملتوية أو بين القبور، ويشموا هواءها الزكي العذب من فضائها الرحب.
يقول الفرطوسي في قصيدة وادي السلام:
ويا تربةً وادي السلامِ قــــرارهــا ****** ومن حبّها في كل قلبٍ هوىً بادي
سقاكِ الحيا من تربةٍ قد ترعرعت ****** على حُبِّها نفســى بساعـةِ ميلادي