شعار معاوية المعروف: (إن لله جنوداً من عسل) ! قاله عندما نجح في دسَّ السُّمَّ في العسل لمالك الأشتر حاكم مصر . كما في المستطرف ص352 ، وغيره ، ونسبه بعضهم الى صاحبه عمرو بن العاص ، كما في تاريخ بخاري:7/311 .
لكن الشعار الأكثر تعبيراً عن منهجه هو: (لاجدَّ إلا ما أقْعَصَ عنك من تكره) ! ومعناه: لايوجد في الدنيا حظٌّ تفرح به (أو عمل جدي) مثل أن تقتل عدوك وتخمده في مكانه ، فتزيحه من طريقك ! فذلك أجمل ما في الحياة !
ففي جمهرة الأمثال:2/376 ، و385: (لاجدَّ إلا ما أقعص عنك من تكره) ! يقول: الجد ما قتل من تعاديه فاسترحت منه . والمثل لمعاوية رضي الله عنه ! أخبرنا أبو أحمد عن الجوهري ، عن أبي زيد ، عن عبد الله بن محمد بن حكيم ، عن خالد بن سعيد ، عن أبيه قال: لما أراد معاوية أن يعقد ليزيد قال لأهل الشام: إن أمير المؤمنين قد كبر ودنا من أجله فما ترون ، وقد أردتم أن أولِّي رجلاً بعدي؟ فقالوا: عليك عبد الرحمن بن خالد ، فأضمرها ! واشتكى عبد الرحمن فأمر ابن أثال طبيباً كان له من عظماء الروم فسقاه شربة فمات ، فبلغ معاوية فقال: ما الجد إلا ما أقعص عنك من تكره . وبلغ حديثه ابن أخيه خالد بن المهاجر فورد دمشق مع مولى له يقال له نافع ، فقعد لابن أثال ، فلما طلع منصرفاً من عند معاوية شد عليه وضربه خالد ، فطلبهما معاوية فوجدهما ، فقال معاوية: قتلته لعنك الله قال: نعم قتل المأمور وبقي الآمر) ! (وفي طبعة لجمهرة الأمثال:ص627 ، والمجالسة وجواهر العلم:1/316 والأمثال للميداني:1/630، وفي طبعة ص671، وفي طبعة:2/252 ، والمستقصى في أمثال العرب للزمخشري ص334 ، وطبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة:1/154: وفيه: (فاشتكى عبد الرحمن فسقاه الطبيب شربة عسل فيها سم فأخرقته). ثم ذكر سمَّه للأشتر رحمه الله وللإمام الحسن عليه السلام بشئ من التفصيل . والمنمق في أخبار قريش لابن حبيب:1/172، روى قصته بتفصيل وذكر أن المهاجر بن أخ خالد كان شيعياً شهد صفين مع علي عليه السلام . والتذكرة الحمدونية ص1497 ، وذكر قوله: لله جنود من عسل، عندما قتل الأشتر . والمستطرف ص 154، روى عن أبي عبيد القاسم بن سلام: سمَّهُ لعبد الرحمن بن خالد ومالك الأشتر ، والمثلين . ونحوه في تاريخ دمشق:19/189).
وفي مجمع الأمثال:2/215: (يقال ضربه فأقعصه أي قتله مكانه . يقول: جدك الحقيقي مادفع عنك المكروه ، وهو أن تقتل عدوك دونك ! قاله معاوية حين خاف أن يميل الناس إلى عبدالرحمن بن خالد بن الوليد ، فاشتكى عبدالرحمن فسقاه الطبيب شربة عسل فيها سم فأخرقته ، فعند ذلك قال معاوية هذا القول) !
وفي محاضرات الأدباء للراغب:1/531 وفي طبعة 472: (قال معاوية لما أتاه خبر موت أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: لا جدَّ إلا ما أقعص عنك). انتهى .
ثقافة القتل اليهودية والأموية !
بدأ التعقيد في اليهود بحالات شخصية ، ثم وصل الى حالة تعقيد في مجتمعهم ! فصار أول ما يفكر فيه أحدهم في شأن خصمه: أن يقتله ! ومن هنا نشأ تفنن اليهود في القتل وسفك الدماء ، وتنويعهم لأساليب الإغتيال المباشرة وغير المباشرة ! وقد وصفهم الله تعالى بأنهم قتلة الأنبياء^والأخيار: لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاتَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ . (المائدة:70) سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ .(آل عمران:181) قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .(البقرة:91).
وأسوأ أنواع القتل ما كان بسبب الحسد ، وهو الذي دفع ابن آدم الى قتل أخيه ! وهو شائع في بني إسرائيل ، ولذا ذكر الله تعالى في القرآن جريمة قابيل ، ثم قال: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا . (المائدة:32)
كما وبخهم الله تعالى لقتل بعضهم البعض: ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالآثْمِ وَالْعُدْوَانِ . البقرة:85
واشتهرت قصة قتلهم لرجل ورميهم جثته أمام بيوت قبيلة أخرى واتهامهم بقتله: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ . (البقرة:72)
كما ذمهم القرآن لافتخارهم بقصدهم قتل المسيح عليه السلام مع الرومان: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (النساء:157).
ومن نتائج الأفراط في سفك الدماء: الجبن عن القتال ! وهي من أبرز صفات اليهود: قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ . (المائدة:24).
ولو تأملتَ بني أمية في قريش لوجدتهم نسخةً عن اليهود من أبناء يعقوب ! فهم بنفس التفكير المادي والنفعية ، والتلذذ بقتل الخصوم ، خاصة بالسُّم !
لذلك لاعجب إذا وجدت لهم مع اليهود علاقة أخوية ، قبل الإسلام وبعده ! بل توطدت بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله حتى صارت قرب وفاته تحالفاً ! ولا يتسع المجال للتدليل على هذه الحقيقة الخطيرة التي تحتاج الى دراسة لفعالية اليهود وبني أمية في محاولاتهم قتل النبي صلى الله عليه وآله ، ثم في قتل أبي بكر بالسم ، ثم قتل عمر بواسطة غلام المغيرة ! ثم في قتل علي عليه السلام بدفع الخوارج اليه ! (راجع في سم أبي بكر مع شدة حذره: الطبقات:3/198، وتاريخ دمشق:30/ 409 ، والإصابة:4/149، والرياض النضرة:2/243، ومسائل الإمام أحمدص75 ، والصواعق المحرقة:1/253، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص61).
كم بلغ عدد الذين قتلهم معاوية ؟
كان معاوية حاكم الشام لمدة عشرين سنة ، ثم تسلط على الأمة لمدة عشرية سنة! فكم كان عدد الذين قتلهم في هذه الأربعين سنة (من20-60 هجرية) ؟!
وغرضنا هنا أن نعرض شريطاً لتبني معاوية سياسة القتل ، وأنها منهجه المفضل ، وقد أفرط فيه حتى بدون أسباب مقنعة له نفسه أحياناً ! فكان يقول إنه لايعرف لماذا قتل الصحابي القائد في الفتوحات حجر بن عدي رحمه الله وأصحابه الستة بشكل فجيع: (ما قتلت أحداً إلا وأنا أعلم فيمَ قتلته إلا حجر بن عدي)!! (فيض القدير:4/166) .
1- بلغ عددهم في حرب صفين وحدها أكثر من سبعين ألفاً !
منهم نحو خمسين ألفاً من جيشه ، ونحو خمس وعشرين ألفاً من جيش أمير المؤمنين× ، وفيهم أكثر من مئة من الصحابة ، منهم خمس وعشرون بدرياً .
وقد صرح معاوية عن هدفه من قتاله بقوله: (ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، إنكم لتفعلون ذلك ، ولكني قاتلتكم لأتأمَّر عليكم وعلى رقابكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون ! ألا وإني كنت منَّيت الحسن وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشئ منها له) ! قال الأعمش: (هل رأيتم رجلاً أقل حياء منه؟ قتل سبعين ألفاً فيهم عمار ، وخزيمة ، وحجر ، وعمرو بن الحمق ، ومحمد بن أبي بكر ، والأشتر ، وأويس ، وابن صوحان ، وابن التيهان ، وعائشة ، وأبي حسان ، ثم يقول هذا ؟!!) . (الصراط المستقيم:3/47)
2- قَتَلَ نحو ثلاثين ألفاً في غارة بسر بن أرطاة على الحرمين واليمن !
لعل أفظع غارات معاوية على بلاد المسلمين في عهد أمير المؤمنين×، غارة بسر بن أرطاة على المدينة ومكة واليمن ، وقد تقدم أن معاوية قال له: (سر حتى تمر بالمدينة فاطرد أهلها ، وأخِفْ من مررت به ، وانهب مال كل من أصبت له مالاً ممن لم يكن دخل في طاعتنا ، وأوهم أهل المدينة أنك تريد أنفسهم ، وأنه لابراءة لهم عندك ولا عذر ، وسر حتى تدخل مكة ولا تعرض فيها لأحد ، وأرهب الناس فيما بين مكة والمدينة ، واجعلهم شرادات ، ثم امض حتى تأتي صنعاء ، فإن لنا بها شيعة ، وقد جاءني كتابهم ! فخرج بسر ، فجعل لا يمر بحي من أحياء العرب إلا فعل ما أمره معاوية ، حتى قدم المدينة...). ( تاريخ اليعقوبي:2/ 197) .
ومن فظائعه في هذه الغارة على اليمن أنه سبى النساء المسلمات! ففي الإستيعاب:1/161: ( ثم أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فسبى نساء مسلمات ، فأقمن في السوق) !! (والإكمال للخطيب ص28 ،ونهاية الإرب ص4419) .
وفي الغارات للثقفي ص640: أن بسراً قال لمعاوية بعد عودته من مهمته الإجرامية:
(أحمد الله يا أمير المؤمنين أني سرت في هذا الجيش أقتل عدوك ذاهباً جائياً ، لم ينكب رجل منهم نكبة ، فقال معاوية: الله قد فعل ذلك لا أنت !! وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفاً وحرق قوما بالنار ! فقال يزيد ابن مفرغ:
تعلق من أسماء ماقد تعلقا ومثل الذي لاقى من الشوق أرقا
إلى حيث سار المرء بسر بجيشه فقتل بسر ما استطاع وحرقا
ثم ذكر الثقفي أن علياً×دعا على بسر بن أبي أرطاة فقال: ( اللهم إن بسراً باع دينه بدنياه وانتهك محارمك ، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك ! اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله ! اللهم العن معاوية وعمراً وبسراً ، أما يخاف هؤلاء المعاد؟! ....فاختلط بسر بعد ذلك فكان يهذي ويدعو بالسيف فاتخذ له سيف من خشب ، فإذا دعا بالسيف أعطي السيف الخشب فيضرب به حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق طلبه فيدفع إليه فيصنع به مثل ذلك ! حتى مات لا رحمه الله) ! انتهى .
3- قَتَلَ الألوف المؤلفة من أولياء الله ، وزعماء العرب وشخصياتهم !
واستعمل معهم أساليب القتل العلني والسري ، المباشر وغير المباشر ، بالسيف والسم ، ووسائل أخرى ، وشملت أوامره بالقتل والتنكيل الأصناف التالية:
الذين لايبايعونه ، أو يبايعونه ولايشهدون أنه أمير المؤمنين .
الذين يَتَصوَّر أنهم قد يثورون عليه .
الذين لايرضون أن يتبرؤوا من علي عليه السلام ويسبوه علناً ، حتى لو بايعوا معاوية .
الذين ارتبطت أسماؤهم بعلي عليه السلام ارتباطاً جعلهم جزءاً منه .
الذين بارزوا فرساناً في حرب صفين وقتلوهم ، أو كان لهم مواقف مميزة فيها .
الذين كان يشعر تجاههم بحقد خاص ، يدفعه الى قتلهم على أي حال .
الذين يلتفُّون حول أولاد علي عليهم السلام ولايقطعون ارتباطهم بهم .
الذين يعترضون على ولاته ، ويعكرون خضوع الأمة له .
الذين عارضوا أو يمكن أن يعارضوا توليته لابنه يزيد .
الذين يروون عن النبي صلى الله عليه وآله ، أو غيره شيئاً في فضائل علي عليه السلام .
الذين يروون شيئاً في الطعن بأبي سفيان أومعاوية أو عثمان أو أبي بكر أو عمر .
وإذا أردنا أن نُقدِّر عدد من قتلهم من هذه الأصناف ، ونأخذ نموذجاً سمرة بن جندب في البصرة ، وزياد بن أبيه في الكوفة ، فربما وصل العدد الى مليون مسلم ! لأن سمرة قتل في البصرة في ستة أشهر فقط ثمانية آلاف أو أكثر !
قال الطبري في تاريخه:4/176: (حدثني محمد بن سليم قال: سألت أنس بن سيرين: هل كان سمرة قتل أحداً ؟ قال وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب؟! استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة ، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس فقال له: هل تخاف أن تكون قد قتلت أحداً بريئاً ؟ قال: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت ! أو كما قال !... عن أبي سوار العدوي قال: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً ، قد جمع القرآن !) . انتهى .
وكان غياب زياد ستة أشهر ، ففي أنساب الأشراف للبلاذري ص1230: (وكان يقيم بالبصرة ستة أشهر وبالكوفة ستة أشهر ، وكان سمرة يحدث أحداثاً عظيمة من قتل الناس وظلمهم..... كنت واقفاً على رأس سمرة بن جندب فقدم إليه بضعة عشر رجلاً ، فكان يسأل الرجل منهم ما دينك؟ فيقول الإسلام ديني ، ومحمد نبيي ! فيقول: قدماه فاضربا عنقه ، فإن يك صادقاً فهو خير له !!
أقبل سمرة من المربد فخرج رجل من بعض الأزقة فتلقى الخيل ، فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة ، ثم مضت الخيل ، ومر به سمرة وهو يتشحط في دمائه ، فقال: ما هذا ؟ فقيل: رجل أصابته أوائل خيل الأمير ، فقال: إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا). انتهى . (ورواه ابن الأثير في الكامل:3/318 ، والعسكري في الأوائل170، ونهاية الإرب ص4451 ، وابن خلدون:3/10) .
أقول: ويعلم الله كم قتل سمرة قبل أن يعزله معاوية عن ولاية البصرة ، ويصير بعد سنة نائباً لابن زياد ، فقد قال سمرة لما عزله معاوية: ( لعن الله معاوية ، والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية لما عذبني أبداً) !! (تاريخ الطبري:4/217) .
وسمرة هذا هو الذي شهد فيه النبي’بأنه مضارٌّ مؤذٍ ! ففي الفقيه:3/103، عن الإمام الباقر×قال: (كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان ، فكان إذا جاء إلى نخلته نظر إلى شئ من أهل الرجل يكرهه الرجل ، قال فذهب الرجل إلى رسول الله’فشكاه فقال يا رسول الله إن سمرة يدخل عليَّ بغير إذني ، فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه ! فأرسل إليه رسول الله’فدعاه فقال: يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول: يدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك ، يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت ، ثم قال رسول الله’: يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال: لا ، قال: لك ثلاثة ؟ قال: لا ، قال: ما أراك يا سمرة إلا مضاراً ، إذهب يا فلان فاقطعها واضرب بها وجهه).
ورواه في الكافي:5/292 ، وفيه: (إن أردت الدخول فاستأذنْ ، فأبى ! فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن يبيع ! فقال: لك بها عذق يُمَدُّ لك في الجنة ، فأبى أن يقبل ! فقال رسول الله’للأنصاري: إذهب فاقلعها وارم بها إليه ، فإنه لا ضرر ولا ضرار ). انتهى .
وسمرة هذا هو(الصحابي)الذي اشتراه معاوية بأربع مئة ألف درهم ليكذب له على الله ورسوله ، ويطعن في علي عليه السلام: (قال أبو جعفر الإسكافي: وروي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . فلم يقبل ، فبذل له مأتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل ، فبذل أربعمائة فقبل وروى ذلك !
وقال: إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي×، فاختلقوا ما أرضاه ! منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير) . (شرح النهج:4/73 ، والغارات:2/840) .
**
أما عدد قتلى ابن زياد في الكوفة فهم أكثر من قتلى سمرة! ففي الإحتجاج:2/17: (وكتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين: إنهم على دين عليٍّ وعلى رأيه ! فكتب إليه معاوية: أقتل كل من كان على دين علي ورأيه ! فقتلهم ومثَّل بهم ! وكتب كتاباً آخر: أنظروا من قبلكم من شيعة علي واتهموه بحبه فاقتلوه. وإن لم تقم عليه البينة فاقتلوه على التهمة والظنة والشبهة ! فقتلوهم تحت كل حجر ، حتى لو كان الرجل تسقط منه كلمة ضربت عنقه ، حتى لو كان الرجل يُرمى بالزندقة والكفر كان يكرم ويعظم ولا يتعرض له بمكروه ، والرجل من الشيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان ، لا سيما الكوفة والبصرة ، حتى لو أن أحداً منهم أراد أن يلقي سراً إلى من يثق به لأتاه في بيته فيخاف خادمه ومملوكه ، فلا يحدثه إلا بعد أن يأخذ عليهم الأيمان المغلظة ليكتمنَّ عليه ، ثم لا يزداد الأمر إلا شدة ، حتى كثر وظهرت أحاديثهم الكاذبة ، ونشأ عليه الصبيان يتعلمون ذلك).
وقال محمد بن حبيب البغدادي في المحبر ص479: (وصلب زياد بن أبيه مسلم بن زيمر ، وعبد الله بن نجى الحضرميين على أبوابهما أياماً بالكوفة ، وكانا شيعيين وذلك بأمر معاوية ! وقد عدَّهما (أي اعترض بسببهما) الحسين بن علي رضي الله عنهما على معاوية ، في كتابه إليه: ألست صاحب حجر والحضرميين اللذين كتب إليك ابن سمية إنهما على دين عليٍّ ورأيه ، فكتبت إليه: من كان على دين على ورأيه فاقتله ومَثِّل به فقتلهما ومّثََل بأمرك بهما؟ ودينُ عليٍّ وابنُ عم عليٍّ ، الذي كان يضرب عليه أباك ويضربه عليه أبوك ، أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرحلتين اللتين بنا من الله عليك بوضعهما عنكم.... في كتاب طويل يوبخه فيه بادعائه زياداً ، وتوليته إياه العراقين).انتهى.
هدم البيوت والتشريد والإضطهاد.. لاتقل عن القتل !
فقد شن معاوية على أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم حرباً سياسية واجتماعية واقتصادية وقام عماله بمطاردتهم وتشريدهم وهدم بيوتهم ، وحرمانهم من الحقوق المدنية ، لإفقارهم وتجويعهم ! وأصدر المراسيم بذلك ، وشدَّدَ على عماله في تنفيذها !
وقد تقدمت بعض مراسيمه وأوامره .
وفي مختصر البصائر ص14: (وكتب معاوية إلى عماله في جميع البلدان ، أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي عليه السلام وأهل بيته شهادة . ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع الأقطار: أنظروا من قامت عليه البينة ، أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطائه ورزقه . وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم ، فنكلوا به ، وأهدموا داره .
وفي الإحتجاج:2/17: (ونادى منادي معاوية (في الحج): أن قد برئت الذمة ممن يروي حديثاً من مناقب علي وفضل أهل بيته^ ! وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة ، فاستعمل زياد ابن أبيه وضم إليه العراقين الكوفة والبصرة ، فجعل يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ، يقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل ، وصلبهم في جذوع النخل ، وسَمَلَ أعينهم ، وطرَّدهم وشرَّدهم ، حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور ، فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس ، أو طريد أو شريد !
وفي الإحتجاج:2/17: ( وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الأمصار: أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة ، وانظروا قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ومحبي أهل بيته وأهل ولايته ، والذين يروون فضله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم ، واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه وقبيلته .
ففعلوا حتى كثرت الرواية في عثمان ، وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصلات والخلع والقطايع ، من العرب والموالي ، وكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في الأموال والدنيا ، فليس أحد يجئ من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلا كتب إسمه وأجيز). انتهى .
وفي شرح النهج:11/43: (وقد روي أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر( عليه السلام )قال لبعض أصحابه: يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا؟! وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس ؟! إن رسول الله صلى الله عليه وآله قُبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ن ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد ، حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتى قتل ، فبويع الحسن ابنه وعوهد ، ثم غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ، ونهبت عسكره وعولجت خلاليل أمهات أولاده ! فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حق قليل ، ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفاً ثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه ! ثم لم نزل أهل البيت نُستذل ونُستضام ، ونُقصى ونُمتهن ، ونُحرم ونُقتل ونُخاف ! ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا !
ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم ، وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ، ليبغضونا إلى الناس !
وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام فقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ، وكان من يذكر بحبنا والإنقطاع إلينا ، سجن أو نهب ماله أو هدمت داره !
ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام !
ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى إن الرجل ليقال له زنديق أو كافر ، أحب إليه من أن يقال شيعة علي عليه السلام ، وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعاً صدوقاً ، يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها ، ولا كانت ولا وقعت ! وهو يحسب أنها حق ، لكثرة من قد رواها ، ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع). انتهى .
وفي تاريخ دمشق:19/198: (كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب ، فلما قدم زياد الكوفة والياً عليها أخافه وطلبه زياد فأتى الحسن بن علي ، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم ، وأخذ ماله وهدم داره ، فكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن علي إلى زياد ، أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، فهدمت داره وأخذت ماله وعياله فحبستهم ، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه عياله وماله ، فإني قد أجرته فشفعني فيه .
فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة ، أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة وأنا سلطان ، وأنت سوَقة . كتبت إليَّ في فاسق لايؤويه إلا مثله ! وشرٌّ من ذلك تولِّيه أباك وإياك ، وقد علمت أنك قد آويته إقامة منك على سوء الرأي ورضا منك بذلك ، وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك ، وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك ، فإن أحب لحم إليَّ آكله للحم الذي أنت منه ! فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك ، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه ، وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه إياك !! فلما قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسم ، وكتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح وكتابه إلى زياد فيه ، وإجابة زياد إياه ، ولفَّ كتابه في كتابه وبعث به إلى معاوية .
وكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية: الولد للفراش وللعاهر الحجر). انتهى .
النوعية في قتلى معاوية أخطر من الكمية !
مادام أحد قتلى معاوية الإمام الحسن عليه السلام ، سبط النبي صلى الله عليه وآله وحبيبه ، وسيد شباب أهل الجنة ، فكل الدنيا لاتعدله !
وطبيعي أن يعمل معاوية بشكل حثيث لقتل الإمام أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين^من أول ما بايع المهاجرون والأنصار عليا عليه السلام بالخلافة !
فمعاوية خبير بالقتل بالسم ، وحلفاؤه اليهود موجودون في المدينة والكوفة ، لكن الله تعالى لم يأذن بذلك ، ولم يتمكن معاوية من سُمِّ الإمام الحسن عليه السلام إلا في سنة خمسين هجرية ، أي بعد عشر سنوات من الصلح .
كان معاوية يرى أن وجود الإمام الحسن والحسين‘على قيد الحياة يشكل تهديداً لخلافته ، ويشكل عقبة تمنعه من أخذ البيعة بعده لابنه يزيد ، فقد شرط على نفسه في عقد الصلح أن تكون الخلافة بعده للإمام الحسن عليه السلام ! والأمة مهما خضعت لبني أمية بسبب كفاءته ودهائه هو ، لاتعدل بابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسيدي شباب أهل الجنة‘يزيداً أو أي شخص من بني أمية ! فلا يُؤْمَن إذن أن تحدث في الأمة حركة ضد بني أمية كما حدث في زمن عثمان ، ويهتف المسلمون باسم الحسن والحسين ، كما هتفوا باسم أبيهما من قبل !
أما العقبة الأولى برأي معاوية: فهي من بقي من أعضاء الشورى ، الذين عيَّنهم عمر أعضاء في شورى شكلية ، ففتح شهيتهم على الخلافة ، وقد بقي منهم اثنان هما: عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ! ولا يقل عنهم خطراً أبناء الخلفاء السابقين ، الذين يطمحون للخلافة ، وهم: عبد الرحمن بن أبي بكر وتسانده أخته عائشة ، وعبدالله بن عمر وتسانده أخته حفصة ، وسعيد بن عثمان ، ويسانده آل العاص من بني أمية ! وعبدالله بن الزبير وتسانده أيضاً خالته عائشة . وقبل الجميع عبد الرحمن بن خالد صاحب الشعبية القوية في الشام !
إن الواحد من هؤلاء مشكلة فعلية ومستقبلية أمام حفظ الأمبراطورية الأموية !
فلا بد من العمل والعلاج: و(لاجدَّ إلا ما أقعص عنك من تكره)!
قال ابن الأثير في الكامل:3/353 (ثم دخل(معاوية)على عائشة وقد بلغها أنه ذكر الحسين وأصحابه فقال: لأقتلنهم إن لم يبايعوا( أي ليزيد) ، فشكاهم إليها فوعظته) !