الدهرُ أدبني و الصبرُ رباني .. و القوت أقنعني و اليأسُ أغناني
وحنكتني من الأيامُ تجربة .. حتى نهيتُ الذي كان ينهاني
لطالما شكونا الزمان لما رأينا فيه من مكارِه و انقلابٍ بأهله ..
دون علمٍ بأنه لا يأتي علينا زمانٍ إلا بكينا منه ولا يتولى عنا
زمان إلا بكينا عليه فالحزنُ و الحياة لا ينفكان عن بعضهما..
فالدهرُ محاسنه مقرونةٌ و معايبه فإن سرَك في أولِ الأمر فكن
على حذرٍ من أن تذم عواقبه ..
لذلك يقال :
زمام العافية بيد البلاءِ و رأسُ السلامةِ تحت جناح العطبِ..
فنحن في زمانٍ لا يزدادُ الخير فيه إلا إدباراً و الشرُ إلا إقبالاً و
الشيطانُ في هلاكِ الناس إلا طمعاً فأضرب بطرفك حيث شئت
هل تنظر إلا فقيراً أو غنياً بدل نعمة الله كفراً أو بخيلاً اتخذ بحق
الله وفراً أو متمرداً كان بسمعه من سماع المواعظِ وقراً ..
ولكن بربكم ! أنسيتم إن الله يُغَيِر و لا يَتَغَيَر والموتُ غالِبُ كل مخلوق ..
فماذا إن غيرنا أقدارنا و اخترنا جنةُ الآخرة لا جنة الدنيا فنصبر
على المكاره و نثبت دون جزعٍ فيوماً نرى يسراً و يوماً نرى
عسراً .
فقد روي عن ] أمير المؤمنين عليه السلام [ انه قال :
إن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد إذا فارق الرأسُ
الجسد فسد الجسد و إذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور..
فالعبدُ لا يدرك منزلةُ الأخيارِ إلا بالصبرِ على الشدةِ و البلاءِ ..
و ما أعقل من مسه عسرٌ ففوض أمره إلى الملكِ الجبار لييسره !
أما و الذي لا يعلمُ الغيبِ غيرُهُ .. ومن ليس في كل الأمورِ له كفو
لئن كان بدءِ الصبرُ مراً مذاقُه .. لقد يجتنى من بعدهِ الثمر الحلو