ثارت في المدة الاخيرة زوبعة الدفاع عن المرأة ، خاصة المرأة المعَنّفة - فتح حرف العين وتشديد النون المفتوحة - والعنف ضد المرأة لا يتخذ اشكال العنف الاسري او عنف الزوج فحسب ، بل هنالك عنف صامت اسمه «العنف الوظيفي». هنالك فئة من النساء تتعرض لعنف وظيفي شديد ومرير ، تلجأ خلاله النساء الى مضغ صبرهن ربما لحاجتهن الماسّة الى الدخل المادي الذي توّفره الوظيفة لهن - والذي بدوره لا يحقق لهن الرفاهية ولكن يسد بعض المتطلبات الحياتية - وربما لحاجتهن في الناحية الثانية للوصول الي سنوات التقاعد ، فتجدهن يتنازلن عن حقوق كثيرة لهن في سبيل المحاولة المستميتة للوصول الى سن التقاعد الذي يكن قد اقتربن منه كثيراً بعد سنوات مضنية من العمل والتحمل،، هنالك تجارب عديدة مريرة عايشتها ولا زالت تعايشها بعض النساء الموظفات من ضغوط وممارسات لدى بعض المسؤولين تجاههن للضغط عليهن للتنازل عن ترقية ما او مكتسبات ما.. ولم تستطع جميعات حقوق الانسان من الوصول اليهن ، ولم يستطعن هن بدورهن من الوصول لتلك الجمعيات ، اما لخوفهن او حياؤهن ، واما لشعورهن العميق ان تلك الجمعيات قد لا تحقق لهن ولو اقل القليل من حقوقهن المهدورة ، فيرضين اذن بأقل من القليل في وظيفتهن مغلفة بمرارة الصمت ، خاصة اذا كان المسؤول المباشر متنفذاً او «مسنود» او حتى قادراً على قلب الحقائق وتجيير بعض الزملاء لتلك الموظفة «من ضعاف النفوس» من الشهادة ضدها لو تكلمت فتجد نفسها محاربة بكرامتها ووظيفتها ولقمة عيشها. هنالك موظفات صامتات كثيرا جدا ، يعانين بصمت موجع ، حتى لا يجدن أنفسهن في حرب مع مسؤول متجبر ، او زوج لا يريد الوقوع في مشاكل ودوامة وظيفة زوجته او الدفاع عنها.. وحتى لا يخسرن وظيفة شقين بكدهن في الحصول عليها ، ومكتسبات قليلة نلنها نظير جهد مضاعف ، في حين ان زميلها ينال ترقية لمجرد دعوته للمسؤول على بيته لطعام الغداء مثلاً فينال رضى المسؤول في حين ان الموظفات لا يستطعن القيام بهذا الدور الالتفافي لخاصية ظرفهن الانثوي في المجتمع ، وحتى لو حاولت الموظيفة الدفاع عن حقوقها الوظيفية فستجد نفسها فجأة تواجه سياسة «حرق الشخصية المباشر» لها فيتم التنبيش حتى عن اجازاتها المرضية وشؤونها الشخصية لثنيها عن المطالبة بحقوقها.. او حتى الدفاع عن نفسها،، تواجه الموظفة - قطاع كبير منهن - حالة لا بأس بها من العنف الوظيفي ، وهي بحاجة للدفاع عن وجودها كموظفة ، وتخليصها من بعض السلوكيات السلبية التي تواجهها في وظيفتها.. وإفهامها كيفية الدفاع عن حقوقها الوظيفية ، ويا حبذا واقترح ، وضع ضابط أمان في كل وزارة ترجع اليه المرأة المعنّفة - لطرح ما تتعرض له - حماية لها ولوجودها ولكرامتها ، بعض النساء لا يعرفن كيفية الوصول لجمعيات حقوق الانسان.. وربما حتى ما يتولاهن من شعور بطول مدة التقاضي يجعلهن يُغضضن عن المطالبة بحقوقهن او رفع الظلم الواقع عليهن.. هنالك موظفات لا يتم تنسيبهن لدورات او مهارات تطوير وظيفية لهن ، رغم ذكاؤهن وتميزهن الثقافي ، ويتم عمداً تغييبهن عن الاداء المهني الوظيفي الكفؤ. وحتى ترفيعهن يتم تجميده ، ولا يعرفن هن سبباً لهذه الحرب سوى رغبة المسؤول عندهن بعدم إظهارهن كناشطات ربما يفتحن الباب لاخريات او حتى آخرين ، للمطالبة بالحقوق فتكون خسارة للمسؤول - باعتقاده - وخسارة لمنصبه،، الموظفات المعنّفات عندنا ، بحاجة لاشعارهن بالامان او الامن الوظيفي حتى يتمكن بالمقابل من البوح بثقة واطمئنان بما تعانيه شريحة كبيرة صامتة منهن،، وهن بحاجة ان لم يُصغً المسؤول مباشرة لهن ، ان تكون ابواب الوزير مفتوحة لهن بشفافية امامهن حفظا لكرامتهن ودرءاً لمفاسد طاغية يتعرضن لها. هذه قضية اجتماعية حساسة ومتنامية ينبغي عدم التعتيم عليها ، إفتحوا الابواب واسمعوا شكاوى النساء المعنفات ، نساء مظلومات قصصهن مريرة آثرن الصمت كما قلت لاسباب - خوفاً من تعنيف الازواج لهن - يصبح هنا العنف مضاعفا - خوفاً من خسارة وظيفة يرتزقن من ورائها ويُيسّرن من خلالها اقل القليل من امورهن الحياتية. - خوفاً من بطش المسؤول المباشر عنهن - فماذا اكتسبن اذن من رفع اصواتهن بالشكوى. أنادي هنا بتفعيل دور جمعيات حقوق الانسان تجاه النساء الموظفات المعنفات واشعارهن بالاطمئنان في بلدهن ووظيفتهن ، فكما أسلفت ان العنف الذي يقع على المرأة ليس عنفاً اسرياً او عنفاً اجتماعيا او عنفاً زوجياً.. كلا.. هنالك عنف خفي يتم وأده باستماتة حتى لا يكون هنالك صوت هادر ، انه العنف الوظيفي ضد المرأة الموظفة سواء كانت موظفة بالقطاع الخاص او القطاع العام ، واكثر النساء الموظفات المعنفات هن من القطاع الحكومي العام. هذه قضية تحتاج لدراسة يكفي المرأة الموظفة ما تواجهه من ضغط من ناحية القيام باعباء اسرتها (بيتاً وزوجاً واطفالا) او القيام بشؤون وظيفتها (ادارة وتطويرا) او محاولة حتى النجاة من ازمة المواصلات التي تتعرض لها يومياً (جيئة وذهاباً). انها انسانة فأحسنوا ايها المسؤولون المباشرون التعامل معها ولا تظلموها ولا تحاولون سلب ما هو حق لها من ناحية.. - حقها في الاجازة - حيث تعطلونها لها ما امكنكم. - حقها في الترقية - اذ تضعون حاجزاً دون ذلك بكل ما استطعتم. - حقها في الحصول على مكافآت وامتيازات تستحقها بجدارة لتطوير ادائها اسوة بزملائها. - حقها في الحصول على دورات تثقيفية وتطويرية لموقعها الوظيفي. - حقها في تطوير فكرها ايضاً وثقافتها بتنسيبها بالحضور - كما زملاؤها - لندوات تُعقد في إطار وظيفتها ومحاضرات تُقام. افعلوا ذلك ايها المسؤولون وانظروا كم سيكون عطاء الموظفة عندكم جميلاً رافداً لكم في مسيرتكم نحو البناء والعطاء. عن صحيفة الدستور الاردنية