وُلد سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئی
عام 1939م في مدينة مشهد المقدسة في كنف أسرة اشتهرت بالعلم والاجتهاد. والده المرحوم آية الله الحاج السيد جواد الخامنئي (قدّس سره) أحد العلماء الزاهدين في تلك المدينة، وقد نهل خلال دراسته الحوزوية من علوم أساتذة وعلماء عظام من أمثال السيد أبو الحسن الاصفهاني والميرزا النائيني والحاج آقا حسين قمّي والمرحوم آقا زاهد خراساني.
كانت حياة السيد القائد تجسيداً حياً للقيم الحوزوية، وقد جبلت أسرته منذ البداية على المعاني الحقيقية للزهد والقناعة فأضحت جزءاً منها، وهكذا نشأ قائد الثورة وسط أسرة تعيش الحياة البسيطة لكنها أسرة دينية ومنجبة لعلماء الدين. في سن الرابعة من عمره تعلّم في الكتّاب مع شقيقه الأكبر، ثم أتمّ دراسته الإبتدائية في مدرسة «دار التعليم الديني».
بعد إتمامه الدراسة الإبتدائية دخل مدرسة «سليمان خان» ثم مدرسة «نواب» لتلقي دروس آداب اللغة العربية والمنطق والفقه والأصول والفلسفة وذلك على يد أشهر المدرسين والعلماء في مدينة مشهد في تلك الفترة من أمثال المرحوم الحاج الشيخ هاشم قزويني والمرحوم الحاج ميرزا جواد آقا طهراني والمرحوم الحاج ميرزا أحمد مدرس يزدي.
في سنّ الـ16، أي بعد إتمامه مرحلة السطح، بدأ بتلقي دروس الخارج(المرحلة العليا) لدى المرجع الكبير المرحوم آية الله العظمى الميلاني، حيث شدّ نبوغه العلمي بعد مدة وجيزة اهتمام المرحوم الميلاني.
استغرقت دراسته هذه سنتين، حيث عزم بعدها على زيارة العتبات المقدسة في العراق، وأتاحت له تلك الرحلة فرصة حضور دروس معظم جهابذة علماء النجف، حيث ملكت دروس بعضهم لبه مما حدا به إلى البقاء لولا ان اصطدم ذلك بمعارضة والده فرجع إلى إيران.
في عام 1958م قدِم إلى مدينة قم المقدسة ودخل حوزتها العلمية لإكمال دراسته الدينية العالية في الفقه والأصول من خلال حضوره دروس كبار الأساتذة فيها من قبيل المرحوم آية الله العظمى البروجردي والإمام الخميني والحاج آقا مرتضى الحائري والعلامة الطباطبائي، وقد قضى أثناء ذلك مرحلة دراسية مفعمة بالنشاط العلمي والفكري. وفي أوج كفاحه ضد نظام الشاه ضمن الطليعة الامامية للمجاهدين، وما تبع ذلك من أحداث اعتقال الإمام ونفيه، ألمت بوالده علة في عينه، وضعته على مفترق طرق، واضطرته إلى مراجعة حساباته فيما يتعلق ببقائه في قم على الرغم من تعلقه الشديد بهذه المدينة، وقررالالتحاق بأسرته وذلك بسبب حاجة والديه إليه، وليكون في خدمة والده المريض. ورغم أسف بعض أساتذته ومعارفه لرجوعه، أثبتت الأحداث بوضوح أن الإرادة الإلهية هيأت له من خلال اجتيازه هذا الاختبار الصّعب وضعاً أفضل بكثير، وهو ما أشار إليه سماحته بعد ذلك من أنّ برّه بوالديه كان وراء كلّ ما حققه من نجاح على الصعيد العلمي والجهادي. وفي نفس الوقت الذي كان يبرّ فيه والديه، واصل سماحته الدراسة بعد رجوعه إلى مدينة مشهد عام 1964م ، حيث حضر دروس المرحوم آية الله ميلاني بعد بضع سنوات من ذلك، كما قام سماحته بتدريس الفقه والأصول لطلبة العلوم الدينية، وعمد في نفس الوقت إلى إقامة اجتماعات متعددة وذلك تزامناً مع اشتعال جذوة النضال الإسلامي وحاجة المجتمع الماسة آنذاك إلى استقاء المعارف والعلوم الإسلامية، وكانت تلك الاجتماعات تعج بطبقات الشعب المختلفة وخصوصاً الشباب والجامعيين، وقد اكتسبت شهرة واسعة بين أوساط المجاهدين في أنحاء البلاد.
انطلقت الشرارة الأولى لكفاحه السياسي المعادي لنظام الشاه من خلال دوره النضالي في حركة المجاهد الكبير وشهيد المبادئ الإسلامية المرحوم «نواب صفوي»، وكذلك بعد رحلة الأخير إلى مشهد عام 1952 وإلقائه الخطابات الثورية الملهبة للمشاعر هناك. وجاء استشهاد «نواب صفوي» بعد ذلك ليضع تأثيره العميق في نفسية سماحة آية الله الخامنئي. ومع بدء نهضة الإمام الخميني دخل سماحة السيد الخامنئي ساحة النضال من أوسع أبوابها باعتباره أحد أقرب الموالين للإمام، وكان رائداً في مجال إرساء القواعد الفكرية وبيان المفاهيم الإسلامية والثورية السامية وكذلك في مجال النضال العملي. استمر نضاله طيلة 16عاما وقد تخللتها صعوبات جمة من سجن وتعذيب، ولم يأبه خلال هذه المسيرة للأخطار. في محرم عام 1383هـ وتمثيلاً لأمر الإمام الخميني، حمل سماحة آية الله العظمى الخامنئي رسالة من الإمام إلى آية الله العظمى الميلاني وباقي علماء خراسان يدعوهم فيها إلى ضرورة فضح ممارسات نظام الشاه خلال شهر محرّم الحرام. وبعد إنجاز سماحته لتلك المهمة، واستكمالاً لتنفيذ أمر الإمام الخميني غادر إلى مدينة «بيرجند» للدعوة هناك، وكشف حقيقة نظام الشاه، حيث أثارت خطاباته الحماسية التي ألقاها في مسجد «بيرجند» حول أحداث الـرابع من حزيران 1963م مشاعر سكان المدينة المذكورة وهزّت معقل عَلم «رئيس الوزراء». إلا أنّه تعرض للاعتقال بسببها، وتبع ذلك اعتصام الشعب، بعدها تم نقله إلى مدينة مشهد، إلى أن أطلق سراحه من المعتقل العسكري بعد عشرة أيام من اعتقاله.
عزم سماحة آية الله العظمى الخامنئي في رمضان عام 1383هـ (كانون الثاني عام 1963م) على الرحيل إلى جنوب البلاد برفقة عدد من طلبة العلوم الدينية المجاهدين من مدينة قم، وذلك حسب خطة مدروسة، وكانت مدينة «زاهدان» هي محطتهم، حيث ألقى فيها خطباً حماسية فضح فيها أساليب نظام الشاه والذي تزامن مع الذكرى السنوية للإستفتاء الزائف الذي أجري في 25 كانون الثاني، وقد أدى ذلك إلى اعتقاله من قِبل عملاء الشرطة السرّية (السافاك) في 15 رمضان (ذكرى ولادة الإمام الحسن المجتبى-عليه السلام-)، وتمّ نقله جواً إلى العاصمة طهران برفقة اثنين من أفراد الشرطة، حيث قضى شهرين في سجن «قزل قلعه». أقبل الشباب الثوري المتحمس في مدينتي مشهد وطهران بشكل ملفت على حضور دروس سماحة آية الله العظمى الخامنئي في التفسير والحديث والفكر الإسلامي، الأمر الذي أثار حنق جهاز الشرطة السرية(السافاك) وقام بملاحقته، مما اضطره إلى العيش في طهران متوارياً وذلك في عام 1966م، لكنه اعتقل من قبل السافاك بعد عام واحد أي في عام 1967م.
وأدت نشاطاته العلمية وحلقات الدرس والتنوير الهادف والإصلاحي إلى اعتقاله من قبل جهاز السافاك المرعب في نظام الشاه في عام 1970م. في عام 1969م ارتسمت ملامح الحركة المسلحة في إيران بجلاء، وتوصل النظام الديكتاتوري آنذاك إلى قرائن تشير إلى ارتباط شخصيات من أمثال سماحته بمثل هذه الحركة، ممّا دعا النظام المذكور وأجهزته الأمنية إلى التركيز على سماحته وتضييق الخناق عليه وبالتالي اعتقاله للمرة الخامسة عام 1971م. وقد دلت بوضوح ممارسات جهاز السافاك الوحشية في السجون على مدى القلق الذي كان يشعر به بسبب انضواء الحركات المسلحة تحت مظلة التيارات الفكرية الإسلامية، ولم يكن السافاك ليفصل بين نشاطات سماحته الفكرية والدعوية في مشهد وطهران وبين تلك التيارات. وبعد إطلاق سراحه، بدأت حلقة دروسه السرية العامة في التفسير والدروس العقائدية تتسع وتكبر كان سماحة آية الله العظمى الخامنئي يُلقي دروسه في التفسير والعقائد في مسجدي «الإمام الحسن ـ عليه السلامـ» و«كرامت» وكذلك في مدرسة «ميرزا جعفر» في مدينة مشهد المقدسة، وذلك بين عامي 1971 و 1974م، مما جعل هذه الأماكن مراكز استقطاب للجماهير المتعطشة خصوصاً الشباب الواعي والمثقف والجامعيين وطلاب العلوم الدينية الثوريين، حيث كانوا ينهلون الفكر الإسلامي الأصيل. وعند منبر سماحته تعلم طلبة العلوم الدينية درس الحقيقة والنضال، وقاموا بنشر تلك الأفكار النيرة بين أوساط الجماهير خلال زياراتهم للمدن المختلفة لأغراض الدعوة، مما مهّد الطريق لتفجير الثورة الإسلامية العظيمة. دفعت تلك النشاطات جهاز السافاك إلى شن هجوم وحشي على منزل سماحته، وذلك في عام 1974م وتم اعتقاله ومصادرة أوراقه وكتاباته. كانت تلك هي المرة السادسة لاعتقاله والأشدّ والأصعب، حيث بقي في الحبس الانفرادي في سجن اللجنة المشتركة للشرطة العامة الرهيب حتى خريف عام 1975م. إن معاناة سماحته في هذا المعتقل لا يتصورها إلا من عايش لحظاتها. بعد إطلاق سراحه عاد سماحته إلى مدينة مشهد وعاود مزاولة نشاطاته العلمية والثورية، طبعاً مع حرمانه من عقد حلقات تدريس المعارف وأخيراً لاح فجر النصر وهوت أركان نظام بهلوي البغيض بفضل القيادة الحكيمة للإمام الخميني ونضال المخلصين وتضحيات الشعب، وانتصبت أعمدة الثورة الإسلامية، وقطف سماحة آية الله العظمى الخامنئي ثمار الانتفاضة والاستبسال والنضال المتمثلة في انتصار الثورة الإسلامية، وذلك بعد 15 سنة من الكفاح والجهاد والمقاومة في سبيل الله، وتحمّله المشاق الجسيمة، وشهد لحظات السقوط المذل لنظام بهلوي المستبد والشرير وبزوغ شمس الإسلام على ربوع إيران. وبعد الانتصار تابع سماحته نفس النشاط والحماس على طريق تحقيق أهداف الثورة الإسلامية، وهي في جميعها نشاطات فريدة وحيوية. تتلخص أهم اقداماته في إنشاء الحزب الجمهوري الإسلامي بالتعاون مع نخبة من رجال الدين المجاهدين ورفاق دربه من أمثال الشهيد بهشتي والشهيد باهنر والشيخ هاشمي رفسنجاني والسيد موسوي أردبيلي في آذار من عام 1978م، هذا الإقدام الذي هيأ الفرصة لحضور فعال وتنظيمي للقوى الحليفة للنظام في مواجهةالجماعات المعادية والملحدة. وفيما يلي بعض المناصب التنفيذية وغير التنفيذية التي شغلها سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي في السنين الأولى لانتصار الثورة الإسلامية:
1- نائب وزير الدفاع (1979م).
2- مسؤول قوات حرس الثورة الإسلامية (1979م).
3- إمام جمعة طهران (1979م).
4- ممثل الإمام الخميني في مجلس الدفاع الأعلى (1980م).
5- ممثل الإمام لحلّ المعضلات السياسية وغيرها في محافظة سيستان وبلوجستان (آذار عام 1979م).
6- ممثل مدينة طهران في مجلس الشورى الإسلامي (1979م).
7- عند اندلاع الحرب المفروضة عام 1980م حصل سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي على إذن من الإمام الخميني (قدّس سره) للحضور في جبهات القتال الجنوبية، رغم المسؤوليات الجسام والمهام الكثيرة التي كان يمارسها، وقد تكررت زياراته إلى جبهات الحق ضد الباطل حيث كان حضوره يضفي حيوية ونشاطاًً على المقاتلين.
8- تعرض في 26 حزيران عام 1981م إلى محاولة اغتيال دنيئة في مسجد «أبي ذر» بمدينة طهران قام بها جماعة المنافقين الضالة، نقل على أثرها إلى مستشفى الأمراض القلبية، وسط أمواج الحزن والذهول التي عمّت الناس والمسؤولين على السواء، وظل راقداً في المستشفى بسبب شدة جراحه إلى حين انتخابه لمنصب رئيس الجمهورية.
9- منصب رئيس الجمهورية: بعد استشهاد السيد رجائي (ثاني رئيس للجمهورية الإسلامية في إيران) رشحت القوى الثورية سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي لخوض معركة رئاسة الجمهورية، وبالفعل فقد حصل على أكثر من 16 مليوناً صوتاً من مجموع 17 مليوناً، وأصبح في عام 1981م ثالث رئيس للجمهورية الإسلامية في إيران وذلك بعد مصادقة الإمام الخميني على مرسوم تنصيبه، وأعيد انتخابه لفترة رئاسية ثانية من 1985م – 1989م. واقترنت فترتا رئاسة سماحته بأهمية خاصة وذلك لأنها سجلت تقلبات مرحلة حساسة وهي الحرب المفروضة، والتحديات الكبيرة التي كانت تواجهها البلاد آنذاك، وبدء عملية الإعمار بعد الحرب، وكثير من الأحداث الخطيرة الأخرى مما جعلها فترة حساسة في تاريخ الثورة الإسلامية حاضراً ومستقبلاً. كما شغل سماحة آية الله العظمى الخامنئي وبأوامر منفصلة من قبل الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) عدة مناصب، منها:
10- رئيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية عام 1981م.
11- رئيس مجلس سياسات البلاد العليا عام 1987م.
التعديل الأخير تم بواسطة melika ; 24-02-2008 الساعة 08:10 AM.