قال اليعقوبي : " إن عبد الرحمن بن عوف قد خلا بعلي بن أبي طالب فقال : لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر " الخلافة " أن تسير فينا بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر ! ! فقال علي أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ثم خلا بعثمان فقال له : لنا الله عليك إن وليت هذا الأمر أن تسير فينا بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال عثمان : لكم أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر . . . وأعاد القول على الاثنين مرة ثانية فأجابا بمثل جوابهما أول مرة ، فصفق عبد الرحمن على يد عثمان كناية على اختياره للخلافة لأن عثمان قد التزم بأن يعمل بكتاب الله وسنة رسول الله وسيرة أبي بكر وعمر ، أما علي فقد التزم فقط بالعمل بكتاب الله وسنة رسول ولم يلتزم بالعمل بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر لذلك صرفت عنه الخلافة ! ! " ( 3 ) .
وعلى ذلك أجمع من بحثوا هذه المسألة ! ! فالتزام الخليفة الجديد بكتاب الله وسنة رسوله غير كاف ، ولا بد أن يلتزم بسيرة أو سنة أبي بكر وعمر ! ! فإن تعهد الخليفة بأن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله ، ولم يتعهد بالعمل بسيرة أبي بكر وعمر وسنتهما فهو ليس مؤهلا لتولي منصب خلافة المسلمين ! ! إن هذا الوضع يشبه ما هو مطبق في أيامنا هذه ، فالرئيس أو الملك الجديد يجب عليه قبل أن يتولى الرئاسة العاملة للمجتمع أن يقسم بأن
يطيع الدستور والقوانين والأنظمة السارية المفعول في المجتمع ، وقبل أن يقسم على ذلك فلن يتمكن رسميا من ممارسة مهام الرئاسة وصلاحياتها ! ! ، فلو أقسم بأن يطيع الدستور فقط لما قبلوا منها ، ولو أقسم أن يطيع القانون ورفض أن يقسم بأن يطيع الدستور لما قبل منه ذلك أيضا ! !
فسنة أبي بكر وعمر هما القانون ، وكتاب الله وسنة رسوله هما الدستور ، ومن لا يلتزم بتطبيق القرآن والسنة وسنة أبي بكر وعمر فهو غير أهل لتولي منصب الخلافة ! ! فسنة أبي بكر وعمر قانون نافذ تماما ككتاب الله ! ! فمن يترك سنة أبي بكر وعمر تماما كمن يترك القوانين والأنظمة السارية المفعول في المجتمع ! ! !
وأنت تلاحظ أن سنة أبي بكر وعمر هما القانون النافذ الوحيد عمليا ، أما القرآن والسنة فهما واجهتان تجميليتان ! ! فسنة الرسول المكتوبة قد أحرقت ، ودولة الخلافة منعت المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله ، فالسنة عمليا غير موجودة وغير مطبقة ، والقرآن عمليا غير مطبق ، فأي نص في القرآن يتعارض مع سنة أبي بكر وعمر لا يطبق ! ! !
خذ على سبيل المثال متعة النساء قال تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ( 1 ) ومتعة الحج قال تعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) ( 2 ) خطب عمر بن الخطاب الناس يوما فقال وهو على منبر رسول الله ما يلي : " متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء " ( 3 ) ، فأي نص في القرآن يتعارض
( 1 ) سورة النساء آية 24 .
( 2 ) سورة البقرة آية 196 .
( 3 ) راجع تفسير الرازي ج 2 ص 167 وج 3 ص 201 و 202 ط 1 ، وشرح النهج ج 12 ص 251 و 252 وج 2 ص 184 ، وتفسير القرطبي ج 2 ص 270 وج 2 ص 39 ، والمبسوط للسرخسي باب القرآن من كتاب الحج ، والبيان والتبيين للجاحظ ج 2 ص 223 ، وأحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 342 و 345 وج 2 ص 184 ، وزاد المعاد لابن القيم ج 1 ص 444 ، وسنن البيهقي ج 7 ص 206 ، والمغني لابن قدامة ج 7 ص 527 ، والمحلي لابن حزم ج 7 ص 107 ، والنص الاجتهاد للعاملي ص 99 ( * )