كانت هناك طقوس يمارسها الطلاب القدامى والتوجيهي منهم تحديدا، في عملية الحفظ..أهمها على الإطلاق (القزدرة) على أسطح المنازل بشكل يومي،والانحناء أثناء المرور من تحت حبال الغسيل.كانت أسطح المنازل تعج بالطلاب «الحفيظة» الذين يتحركون باتجاهات مختلفة كل حسب منزله وطريقة تصميمه.. إلا أن هذه الطريقة في الحفظ كان لها ما يرافقها من التحجج بثني القضبان البارزة في الطريق هروبا من «عصلجة» أحد الأبيات، وتعزيل السطح في حال نسي النقطة الرابعة، وتفقد الخزان إذا ما غاب عن ذهنه الشطر الثاني من البيت الخامس، والتأكد من فاعلية باب بيت الدرج إذا ضيع إحدى المعاني ،ومن صلاحية كيس البصل القابع خلف الباب إذا ما نسي اسم قائد معركة ذات الصواري..
وبعد أن ينجز كل شيء على السطح، يأخذ كتابه المقلوب من على ظهر الخزان ويبدأ بالمراجعة، مكافئا نفسه بالنظر برهة على الجزء المنسي ومتابعة الحفظ..ومكافئا أشواطه المقطوعة من أقصى اليمين الى أقصى اليسار من خلال توصيته على إبريق شاي وقت الغروب..يحضره إليه صغير العائلة متذمرا..
بالعادة يضع السبابة بين شطري الكتاب أثناء القزدرة ،ليسهل الرجوع الى الصفحة المقصودة ، ثم يقوم بالنفخ بين صفحات الكتاب إذا ما نسى ما يريد استذكاره ،وأحيانا يعلق شريط الذاكرة على كلمة واحدة من معاني المفردات (الزهلق..الزهلق..الزهلق..الزهلق..) قد يقطع عشرة أشواط ليتذكر معناها دون جدوى ،وبالغالب يأخذ «رشفة شاي» في كل شوط ثم يعود(الزهلق ..الزهلق..شو معناها ؟ يا ربي) .. يقوم بعد أن تعجز ذاكرته عن استرجاع معناها بوضع كتابه مقلوبا على الخزان ، ليعبث بهوائي التلفزيون من باب «التفشيش»، و يطل على الشارع القريب قليلا، ثم يعود ويتناول الكتاب متحايلا على نفسه في تذكر المفردة ، الزهلق : يعني السريع الخفيف..على طرف لساني يلعن(...).
بينما يكون في هذه الساعات التي قضاها بين النسيان وأعمال التطوع والحركشة، قد أصبح مضربا للمثل ونموذجا للطالب المجد بين أهالي الحارة ..(فلان نحيت)،(بصيم ..قد ما تقول بصيم)،(يحرق حريشه شو بقرا) (حرث الحيط حراثة)،(بجيب طب بالراحة)،( هاي «القراية» المزبوطة).
في آخر النهار يأخذ (القزدرجي) إبريق الشاي الفارغ وكتابه، بعد أن يتفقد كفاءة باب بيت الدرج وارتفاع حبال الغسيل..وهو يردد (الزهلق..الزهلق..)شو معناها؟..ثم يختلس النظر إلى طرف الكتاب ..السريع الخفيف..الزهلق يعني السريع الخفيف..ثم يسأل نفسه ويجيبها ..شو؟ السريع الخفيف..شو؟ السريع الخفيف..شو؟ السريع الخفيف....
حسب معلوماتي.. معظم الذين (زهلقوا) في التوجيهي سابقا ، كانوا من القزدرجية..