لمحة من حياة السيدة فاطمة المعصومة (س )
فى الاول من ذى القعدة سنة 173 للهجرة (1) تلاءلاءت فاطمة اُخرى بين ازهار رياض الرسـالة ، لتـكـرر عـصمة (2) فاطمة الزهراء (س ) مرة اُخرى ، و لتصبح ببزوغ نورها اُسـوة لنـسـاء العـالم . قـال الامـام الصـادق (ع ) قبل ولادة مريم آل محمد (ص ):
(( ان لله حـرمـا و هـو مـكـه ، و انّ لاميرالمؤ منين حرما و هو الكوفة ، و انّ لنا حرما و هو بلدة قم ، و ستدفن فيها امراءة من اولادى تسمى فاطمة ، فمن زارها وجبت له الجنة )) (3)
فـمـن هـى فـاطـمـة هـذه ؟ اءهـى فـاطـمـة التـى تـنـصـر عـليـا؟ ام هـى زيـنـب التـى ستحمل رسالة عاشوراء على عاتقها؟ انها فاطمة المعصومة اخت الامام الرضا(ع )، و بهجرة اخـيـهـا مـن المـديـنـة الى خـراسـان ، شـعـرت بـرسالة فاطميتها، لتحمى شجرة السرور الشاهقة من روضة محمد (ص ) الامام على بن موسى الرضا(ع ).
لقـد كـانـت سـنـة 201 للهـجـرة (4) حـيـث قـامـت فـيـهـا بـتـوديـع رسـول الله و ائمـة البـقـيـع ، بـعـد اءن ودعـت فـى العام الماضى اءخاها الكريم (5)، و تـهـيـاءت قـافـلة الشـوق ، بصحبة الاخوة و اولادهم وغدت بوجهها صوب ديار الحبيب ، و اءخـذت قـافـلة المـديـنـة ، قـافـلة الغـربـة تـنـشـد حكاية اخرى للمظلومية واغرورقت عيون المـهـاجـريـن بـالدموع ، دموع الفراق و دموع الشوق ، ان لقاء الاخ هو وحده الذى يخفف و يـهـون ثـقـل الفـراق ، انـهـا تـعـد اللحـظـات حـتـى مـوعـد اللقـاء فـتـلتـحـق بـيـوسـف آل الرسول ، و شمس ديار طوس .
لقد راءى اشرار بنى العباس فى مدينة ساوه مكانا ملائما لتنفيذ جريمتهم ، و يهجومهم عـلى قـافـلة النـور قـتـلوا 23 عـلويـا مـن افـراد القـافـلة ، و الآن هـاهـى فـاطـمـة ، تـحـمـل رسـالة زيـنـب على عاتقها. ان الحزن على الشهدا مميت لا يطاق ، اذ كيف يمكن لها ان تـقـبـل بـظـلم بـنـى العـبـاس ، فـيـطـالهـا المـرض عـلى اءثـر ذلك بل قال بعض المحقيين ان الاعداء دسّوا لها السم (6) .
و تـتـجـه القـافـلة نـحـو بـلدة قـم ، و يـخـرج النـاس لاسـتـقبالها فى اطراف مدينتهم ليـاءخـذوا كـريـمـة اهـل البـيـت عـليـهـم السـلام الى بـلدتـهـم ، و يـبـاركـوا قـدوم محدّثة آل طـه بـكـل عـظـمـة و جـلال ، ولكـن مـا اسـرع المـلتـقـى بـوجـه الله الكـريـم ، فـلم يـطل بها المقام اكثر من سبعة عشر يوما فى بلدة قم ، حتى لبّت نداء ربّها فى العاشر من ربيع الثانى سنة 201 للهجرة القمرية (7) .
و غرقت بلدة الشيعة من اقصاها الى اقصاها فى اقامة مآتم الحزن على السيدة المعصومة (س ) ، فـقـد حـول النـاس دار مـوسـى بـن الخـزرج و هـو محل اقامة السيدة الى مدرسة سميت ب ((المدرسة الستية ))، بالاضافة الى تشييد بناء قـم عـلى مـزارهـا الشـريف و دعوا محراب عبادتها ب ((بيت النور )) تقديرا لها. تخليدا لاسمها و ذكر العطرين .
و تـجـدر الاشـارة هـنـا الى انّ السـيدة زينب ، و ميمونة ، و اُم محمد بنات الامام الجواد(ع ) بـالاضـافـة الى عـدد آخر من نساء السادة الموسويين و رين الثرى قرب المرقد الطاهر للمعصومة (س ) اءيضا.(8)
و تـعد السيدة زينب اءول من شرعت ببناء مرقد السيدة معصومة (س ) (9)، ويكفى السيدة المـعـصـومـة (س ) فـضـلا مـن حـيـاتـهـا البـالغـة 28 عـامـا المـليـئة بـالفـضـل و الكـرام ، انـهـا مـنـحت الخلود للحوزة العلمية فى قم باقامتها القصيرة ذات السبعة عشر يوما، و خرجت الآلاف من العلماء المتاءدبين و المحققين بين يدى عالم التشيع ، منهم ((زكريا بن آدم )) من اءصحاب الامام الرضا(ع ) ، و ((احمد بن اسحاق )) من سفراء ووكـلاء الامـام الحـسـن العـسكرى (ع ) و محل ثقة صاحب العصر والزمان (عج ) (10)، وصولا الى مـراجـع التـقـليـد و العـلمـاء المـفـكـرين من اءمثال : ((الميرزا القمى ))، ((آية الله الحـائرى ))، ((آيـة الله الصـدر ))) ، ((آيـة الله البـروجـردى )))، ((آيـة الله الكـلبـايـكـانـى )) ، ((آية الله المرعشى النجفى ))، (( آية الله الاراكى )) ، (( آية الله السـيد احمد الخوانسارى ))، (( العلامة الطباطبائى )) ، ((آية الله المطهرى )) و ((الامـام الخـمـيـنـى رحـمـة الله عـليـه )) كـل هـولاء مـن بـركـة وجـود عـالمـة اهـل الكسا التى منحت مدينة قم المركزية و الريادة ، و حولتها الى مدينة اسلامية فاضلة ببركة اءنوارها القدسية .
ولطـالمـا قـصدها علماء الحنفية و الشافعية من البلاد القريبة و العبيدة ، و جدّوا السير لزيارتها، فضلا عن الشيعة الملهوفين ، على مرّالتاءريخ (11).
وهاهى الثورة الاسلامية فى ايران و هى الثمرة الطيبة و النواة الصُلبة لهذه الديار الطاهرة ، تواصل مسيرتها المباركة فى ظل القيادة الحكمية لولى اءمر المسلمين سماحة آية الله الخامنئى مد ظله العالى .
الهوامش :
1- ((مـستدرك سفينة البحار)) نمازى ، ج 8، ص 257، وسيلة المعصومية ص 65، نقلا عن ((نزهة الابرار فى نسب اولاد الائمة الاطهار )). 2- العـصـمـة مـصـطلح خاص بانبياء السلف و الاربعة عشر معصوما عليهم السلام فى الاسلام ، و قد وصفوا بهذه التسمية لطهارتهم الذاتية . 3- ((تـاريـخ قـم )) ص 214، ((بـحـارالانـوار )) ج 6، ص 216،217، ((سـفـيـنة البحار )) ج 7، ص 358 - 359 . 4- ((تاريخ قم )) ص 213. 5- منتهى الآمال ، ج 2، ص 273. 6- ((الحياة السياسية للامام الرضا ))، مرتضى جعفر العاملى ، ص 428. 7- ((تاريخ قم )) ص 213، ((بحارالانوار ج 48 )) ص 290. 8- ((تاريخ قم )) ص 216، ((راهنماى قم )) رشيد ياسمى ، ص 20. 9- ((گنجينه آثار قم )) ج 1، ص 7، ((قم را بشناسيد )) كريمان ص 50. 10- ((اخـتـيـار مـعـرفـة الرجـال )) ج 2، ص 831، رقـم 1051 ((كـتـاب الغـيبة ))، للعلامة الطوسى ، ص 417. 11- - كتاب النقص ، 588.