بسم الله تعالى
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال أمامنا المنتظر أرواحنا فداه ((إنا غير مهملين لمراعـــاتـــكم ولا ناسين لــذكركـــم))
ماذا بعد ظهور الأمام عجل الله تعالى فرجه الشريف*
المعاناة مقدمة الفرج:-
لقد ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام في تأويل قوله تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }(سورة البقرة آية 155) أنها في مقدمات ظهور سيدنا ومولانا بقية الله الأعظم المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف . فقد جاء عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله الصادق سلام الله عليه "لابد أن يكون قدام القائم سنة ، تجوع فيها الناس، ويصيبهم الخوف الشديد، من القتل ونقص من الأموال والأنفس والثمرات فإن ذلك في كتاب الله لبين، ثم تلا هذه الآية {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (بحار الأنوار /ج52/باب25،علامات ظهوره صلوات الله عليه/ص228)
معاناة الشعب العراقي:-
لقد عانى الشعب العراقي المظلوم أشد المحن وأقسى المآسي ومرت عليه حقب سوداء قل نظيرها في التاريخ لكنه لم يتخلى عن أيمانه واعتقاده بأهل البيت عليهم السلام وظل متمسكا بولائه وحبه لهم في كل مظاهر حياته ، في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء كما نرى اليوم- بعدما أنقشع الظلام وزوال الكابوس- أن هذا الشعب برجاله ونسائه ، وشيوخه وأطفاله، يتدفق بالملايين شوقا إلى زيارة أهل البيت عليهم السلام فإذا كان العراق الجريح وشعبه المظلوم موردا لكثير من الأزمات والمشاكل على مر التاريخ وإلى الآن ، لكنه وفي الوقت نفسه ظل مرفوع الرأس وسيظل كذلك مستقبلا. وكل ذلك ببركة ولائه وتمسكه بأهل البيت عليهم السلام .
أن الحوادث التي شهدها ويشهدها العراق الجريح هذه الأيام ولا سيما في المدن المقدسة ، بالرغم من أنها مرة ومؤلمة جدا لكنها في الوقت نفسه هي من طريق المجد والبشرى كما في قوله تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }
سيرة الأمام المنتظر:-
ورد في أحاديث صحيحة ومتعددة أن سيدنا ومولانا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف عندما يظهر يسير بسيرة جده أمير المؤمنين عليه السلام ، وسيعود العالم كله في ظل حكومته إلى الخير والرفاء والنعمة في جميع الأبعاد ، وعبر دفاعه عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الأمة وسائر المظلومين والمضطهدين في أرجاء المعمورة. فلننظر كيف كانت سيرة الأمام أمير المؤمنين عليه السلام؟
ولقد حكم أمير المؤمنين عليه السلام رقعة كبيرة من العالم وكان العراق والكوفة بالذات مركز حكومته وسيحكم العالم سيدنا ومولانا بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف وسيكون العراق والكوفة بالذات مركز حكومته ليكون هذا الشرف من نصيب المؤمنين وشيعة أهل البيت عليهم السلام في العراق، فهم الذين شهدوا صنوف البلاء والمحن والنتيجة سيكون لهم النصر بإذن الله تعالى كما في قوله تعالى {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }
الحرية التي يؤمن بها الأمام أمير المؤمنين:-
قبل أربعة عشر قرنا حيث كانت الحكومات في قمة الاستبداد والدكتاتورية والظلم ، حكم أمير المؤمنين عليه السلام وأتاح الحرية بكل أبعادها للجميع، حتى لأعدائه ، بل منح الحرية لممارسة خلاف ما كان يأمر به ويصدره من حكم. ولم يكن للحرية التي منحها الأمام أي شبيه أو نظير ، ولا في حكومات زمانه ولا في تلك التي حكمت دول العالم من بعده إلى يومنا هذا.
ففي الوقت الذي كان تدوين الحديث- ممنوعا ويعاقب مرتكبه بالضرب والحبس ( وهذا ما جرى فعلا من تهديد بعض الصحابة بالطرد والنفي، رغم أنهم من أتباع السلطة وأنصارها ؛ انظر تذكرة الحفاظ الذهبي :1/7، كما أفاد البكري بابا له في كتاب عمر بن الخطاب :171باب منعة تدوين الحديث فراجع) وظل أوضاع كهذه-حيث الحرية مغيبة وإلى هذا الحد والمشاكل تحيط بالأمة من كل جهة- تسنم الأمام عليه السلام زمان الحكم. وترى كيف تصرف الأمام عليه السلام مع الناس، وما هي حدود الحريات التي سمح بها لهم، سواء في عاصمة الكوفة ، حيث اختلاف المذاهب والمشارب والأعراق والأذواق، أو في البصرة بعدما تمردت بعض الطوائف ضده مع الناكثين في حرب الجمل وبقيادة عائشة وطلحة والزبير(راجع سيرة أمير المؤمنين سلام الله عليه في كتاب الفصول المأة من حياة أبي الأئمة ، تأليف السيد علي أصغر ناظم زاده القمي .) أو مع غيرهم من المارقين والقاسطين وكالخوارج بقيادة ذي الثدية حرقوص بن زهير السعدي أهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان؟
عندما حل شهر رمضان المبارك في السنة الأولى من حكومة الأمام عليه السلام نهى أن تصلى النافلة في ليالي شهر رمضان المبارك جماعة " التراويح" وأوصى بأن تصلى فرادى، كما سنها رسول الله صل الله عليه وآل وسلم ، محتجا عليهم بأنه مازال هناك من أصحاب النبي صل الله عليه وآل وسلم من يشهدون أنه صل الله عليه جاء إلى المسجد الليلة الأولى من الشهر الكريم يريد أداء النافلة فأصطف المسلمون للصلاة خلفه فنهاهم وقال لهم : أن هذه الصلاة لا تؤدى جماعة ثم ذهب إلى بيته للصلاة (وهذه إحدى بدع عمر بن الخطاب كما ينقلها البخاري، وهذا نصه:روي عن عبد الرحمن بن عبد الباري قال: خرجت مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه،ويصلي الرجل ويصلي بصلاته الرهط، فقال عمر : أنى أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر نعمت البدعة هذه. راجع صحيح البخاري بحاشية السند:342/1)
فمن هنا كان منطلق الأمام عليه السلم في نهيه وأعلن ذلك وأوصى المسلمين أن يصلوا نوافل الليل في شهر رمضان فرادى سواء في المسجد أو في البيوت
إلا أن أولئك الذين اعتادوا على أدائها كذلك طيلة سنين لم يطيقوا منعها ، فخرجوا في مظاهرات تطالب بإلغاء المنع، وكان شعارهم ""وا سنة عمراه"" فماذا كان رد فعل الأمام عليه السلام؟
هل واجههم بالسلاح؟ هل أعتقلهم وسجنهم،أم نفى أحد منهم ؟ هل أحالهم إلى المحاكم على أقل تقدير؟ كلا ثم كلا. فبالرغم أنه قال شيئا واستدل عليه وكان استدلاله محكما بحيث لم يستطع أحد أن يشكك فيه حتى أولئك الذين ما برحوا يختلفون الإشكالات الباطلة ويثيرونها في وجهه،( حتى بلغ الأمر بهم أن يعدوا بعض فضائله رذائل ، كما عابوا عليه خلقه الذي هو فضيلة عظيمة فقالوا:"إنه امرؤ فيع دعابة".راجع الكامل في التاريخ لأبن أثير :460/2أحداث سنة 23). إلا أنه عليه السلام لم يفعل أي شيء من ذلك معهم. فلم يقمع المظاهرة ولا أستعمل العنف والقوة ضدهم ، بل على العكس من ذلك فقد استجاب لمطالبهم ورفع قرار المنع الذي أصدره بحقهم وسمح لهم بممارسة تلك ولم تكن حتى من الباطل المدلس بالحق بل كانت باطلا واضحا ولا شك في بطلانها ولا شبهة ، خصوصا أنهم يعلمون أن عليا عليه السلام هو أمام الحق ( كما قال النبي صلى الله عليه وآله : علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار . الشافي في الإمامة للشريف المرتضي :202/1 والحكم والمنفذ الذي يجوز له أن يعمل ولايته ويحكم بما يراه تتميما لأمره واستتباب حكمه كما فعل ذلك من سبقه - على رأي القوم أقل تقدير - ومع ذلك قال الأمام لأبنه الحسن عليه السلام: قل لهم صلوا .(روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن عليه السلام أن ينادي في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المسجد جماعة . فنادي في الناس الأمام الحسن بن علي بما أمره أمير المؤمنين عليهما السلام فما سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليه السلام صاحوا : وا عمراه وا عمراه! فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه قال: ما هذا الصوت؟...فقال أمير المؤمنين عليه السلام قل لهم صلوا. تهذيب الأحكام :70/3ح30)
يتبع