يترافق ذكر السعودية بالنسبة لي مع نوع خاصّ من الازدراء. فحتّى قبل أن يفضح الله علماء السلاطين ويفطن النّاس إلى زيف تديّنهم المزعوم، كنت منذ نعومة أظفاري أرى في السعودية أصل كلّ بلاء حلّ بالعالم الإسلامي. فهي الأصل في المصائب الّتي حلّت على الشعوب بسبب ولائها للولايات المتحدة وليّ أمرها الحقيقي، وهي أصل انحراف الإسلام عن حقيقته ليصبح دينا جامدا متطرّفا لا يتجاوز تفكير علمائه حدّ الزواج والطهارة. لكن لم أكن أعرف بأنّ الوهابية في السعودية هي من فعلت كلّ هذا.
فلطالما كنتُ أسمع عن الوهّابية وخطورتها وبأنّها الأب الروحي للسعودية، لكن لم يسبق لي أن اهتممت بالبحث عنها وفهم ما هي. ولأكون صادقة، لا يهمّني أن أفهم عقيدتها، فيكفي أن ننظر إلى دولة السعودية لنفهم مدى الضلال الكبير الّذي تريد هذه العقيدة أن تقود المسلمين إليه.
سأناقش في هذا المقال علاقة الوهّابية والسعودية منذ النشأة، وكيف عمل علماء السّلاطين السعوديين على مرّ الزمان على تبرير ما يقوم به أولياء أمورهم من أجل إبقاء آل سعود في سدّة الحكم، والحصول على السلطة العليا كهيئة علماء مخوّل لهم قيادة الشعب السعودي.
مع التحذير بأنّ المقال لا يسيء للشعب السعودي. فالقصد هو دوما فضح القيادات في دول المنطقة، سواء السياسية أو الدينية، وما جلبته من دمار على شعوب المنطقة.
.....................
ما هي علامات الوهابية في السعودية؟
يمكننا أن نعرف ما هي الوهابية من خلال ما تتميّز به السعودية من صفات:
الجمود والنظر إلى الحياة العصرية بعين الرّيبة.
ازدراء الشعوب الأخرى بل وتكفيرها لأنّها لا تتفق مع أفكار الدّين السعودي.
احتقار المرأة وحصر دورها في خدمة الرجل.
الاهتمام بسفاسف الأمور مثل الزواج والطهارة وغيرها، دون النظر إلى قضايا العصر.
غضّ النظر مطلقا عن قضايا العصر، كقضيّة فلسطين أو أزمات المسلمين في مختلف أنحاء العالم كالروهينغا والإيغور، ومن قبلهم مسلموا البوسنة والهرسك وغيرهم.
جنوح علمائهم إلى راحة البال والتنعّم بالأموال، فطاعة وليّ الأمر هي عذر لهم لعدم القيام بما يجب على “العالم” أن يقوم به.
عصبية ذكورية وعصبية عرقية تجعل الرجل فيهم يحاول جاهدا الاعتقاد بأنّه أفضل من المرأة، وأفضل من الأجناس الأخرى.
هذه أهمّ العلامات والصّفات الموجودة في السعودية والّتي تمثّل “تديّنها” المزعوم، وهي كلّها آتية من الوهّابية الّتي تدّعي أنّها على منهج السّلف. إذ ينحصر عمل هذه الوهّابية في الجمود على ما جاء في الآيات حرفيا دون النظر إلى الشرع الكامن خلفها. وإلى التعصّب إلى دين متطرّف لا مكان فيه للعقل أو للتجديد. وإلى استخدام العصبية الموجودة عند العربي لجعله يعتنق الوهّابية بحرارة ويرى فيما مدافعا عن الإسلام الحقّ، وأنّ بقيّة شعوب المنطقة كافرون.
بدأت هذه الحركة تقريبا سنة 1744 م حينما تبنّى أمير نجد، محمّد بن سعود، أفكار محمّد بن عبد الوهاب. حيث أطلق الأخير دعوة على أساس إعادة النّاس إلى الدين الحقيقي وإنقاذهم من الشرك. وربّما كان أمير نجد هذا ذكيّا حينما قرّر الانطلاق بهذه الطريقة ليسيطر على المنطقة. فالعرب تقودهم الحميّة للدّين تماما كما تقودهم للعصبيات المختلفة في مجتمعاتهم. وفكرة إقامة دولة إسلامية واتباع الدين الحقيقي هي فكرة فاتنة تأسر العربي وتجعله يتّبع تلك الفكرة ويضحّي لأجلها. ولهذا نجح تحالف بن سعود مع بن عبد الوهّاب في استمالة العامّة.
هل تجعل الفضائح بن سلمان يتخلّى عن الوهابية في السعودية؟
إذا ما أردنا أن نتحدّث عن عقائد هذه الحركة، فهي كثيرة غريبة. ولهذا سأضع بعض الروابط هنا لمن أراد التوسّع، لأنّ الأمر لا يهمّني كثيرا. فكما قلت، يكفي أن ننظر إلى صفات السعودية لنفهم الوهابية. ويكفي أن نرى فتاوى علمائها المتطرّفين على مرّ الزمن لنفهم ضلال هذه الحركة. وما أريد التركيز عليه في هذا المقال هو مصير الوهابية في السعودية بعد “الانفتاح” الّذي يقوده بن سلمان ليرضي وليّ أمره الولايات المتحدة الأمريكية.
فقد رأينا كيف بدأ بن سلمان بتقليص نفوذ مشايخ السلطان، وجعلهم يعودون عن فتاواهم القديمة. فقد أفتوا بجواز الفنّ لأنّه ترويح عن النّفس، بعد أن كانوا يحرّمون الغناء إطلاقا. وأفتوا بالسماح للمرأة بقيادة السيّارة، بعد أن كانت لهم فتاوى عجيبة لازال الشباب يرفّهون عن أنفسهم بمشاهدتها والمقارنة بينها وبين فتاوى اليوم.
جعلت ثورات الربيع العربي مشايخ السلطان عرايا أمام شعوب المنطقة،
وأظهرتهم على حقيقتهم حينما لم يقفوا في صفّ الشعوب المظلومة. وحينما جاء بن سلمان، فضح الله زيف أولئك المشايخ بشكل كامل بعد أن امتلأت السعودية بالمطربات والحفلات وغيرها من المظاهر الّتي كانوا يكفّرونها. بينما اكتفى مشايخ السلطان بالتبرير لوليّ أمرهم.
ويبدو بأنّ الآراء تنقسم بشأن تخلّي السعودية عن الوهّابية. فهناك من يقول بأنّ النظام لن يتخلّى عنها مطلقا لأنّها أصل نشأة الدولة وأصل ما يجتمع عليه الشعب السعودي. وهناك من يرى بأنّ السعودية تسعى للتخلّص من الوهّابية تدريجيا لأنّها عقيدة متطرّفة لا تلبّي رغبة بن سلمان في إنشاء دولة حديثة، مثل الإمارات، ليحظى بمكانة عالية عند الولايات المتحدة.
وأنا شخصيا لا يبدو لي بأنّ السعودية ستتخلّى عن الوهّابية، فتغيير عقيدة متطرّفة لشعب كامل ليست بالأمر السهل. وطالما يقوم مشايخ السلطان بالعمل المطلوب في مباركة كلّ ما يقوم به بن سلمان، فإبقاء العقيدة أفضل بكثير من التخلّي عنها. ونستطيع أن نستشعر ذلك من ملاحقة السلطات السعودية للعلماء المعتدلين وسجنهم جميعا دون محاكمات خوفا من تأليب آراء الشعب ضدّهم. بينما لم يُمسّ شيخ متطرّف لأنّه ببساطة مستعدّ لمباركة أيّ شيئ يقوم به وليّ الأمر. على عكس أولئك المعتدلين ممّن يقولون كلمة الحقّ ولو عنى ذلك سجنهم.
كيف تحاول القيادة التنكّر لوجود الوهابية في السعودية
في 2018، قام أحد الشيوخ في السعودية، وهو المنيع، بالردّ على سائل بشأن الوهابية برفضها تماما. وقد كان ردّه بأن قال بأنّ الوهابية وهمية وخيالية وليس لها من الواقع شيء! وقد قال بأنّ إلصاقها بالسعودية هو مجرّد افتراء لتنفير الناس منها. لكنّه مع ذلك دافع عن الوهّابية. وقد كان كشف كذب ما قاله سهلا جدّا. إذ تبيّن الصحف السعودية القديمة احتفاءها بالوهّابية، ويبيّن تراث مشايخ السعودية من أمثال بن باز ولاءهم للوهّابية وافتتانهم بها. ويبدو أنّ هذا الشيخ ظنّ بأنّ تغيير التاريخ حسب الأهواء أمر سهل تماما كما يقومون بتغيير الدين حسب الأهواء!
ولم يقم هذا الشيخ بالتبرّؤ من الوهّابية من هوى نفسه. فما فعله بن سلمان يبيّن بأنّ الشيخ كان قد حصل على الموافقة، أو ربّما قد طُلب منه التبرّؤ من الوهّابية وانتشارها في السعودية. ففي نفس العام، كان بن سلمان قد قال في حوار له مع صحيفة واشنطن سوست، بأنّه السّعودية قد نشرت الوهّابية بناءً على طلب الحلفاء خلال فترة الحرب الباردة، وذلك ليتمّ منع تغلغل الاتحاد السوفييتي في دول العالم الإسلامي، حسب ما قاله. كما قال بأنّ القيادات السعودية كانت قد أخطأت، وبأنّه قد حان الوقت للتغيير.
ولهذا يبدو بأنّ تيّار بن سلمان للظهور بمظهر المصلح القادر على بناء دولة ترضى عنها الولايات المتّحدة يجعله يحاول تزييف التاريخ ليتخلّص من أثر عقيدة متطرّفة قولبت دولة السعودية منذ نشأتها إلى يومنا هذا.
الخلاصة
ما يثير الشفقة هو كيف أنّه لازال هناك متوهّمون لم يصدّقوا بعد زيف صورة السعودية الّتي حاولت جاهدة زرعها في نفوس المسلمين من مختلف أنحاء العالم خلال هذه القرون الثلاثة. ويجب على أولئك المتوهّمين أن يستيقظوا من أوهامهم وأن يستخدموا عقولهم ويفكّروا لوهلة فقط مع أنفسهم.
فماذا قدّمت لكم السعودية؟ ماذا حقّقت لكم خلال كلّ هذه العقود؟ هل حلّت أزمات المسلمين أو حاولت حلّها؟ أم هل وجّهت المسلمين المظلومين لكيفية الخروج من ظلم حكّامهم؟ هل فعلت شيئا إزاء قضيّة فلسطين؟ وهل تقوم بمهاجمة ما تفعله إسرائيل؟ هل حاولت من قبل الوقوف مع الشيشان وما تعرّض له المسلمون هناك من إبادات جماعية؟ وهل تحاول السعودية اليوم إنقاذ الإيغور؟ هل تسعى السعودية لإدانة ما يحدث للروهينغا في ميانمار؟
ما الّذي قدّمته السّعودية؟ الكثير من الكتب والمجلّدات عن مواضيع عفا عليها الزمان. والكثير من التطرّف والجمود واحتقار الشعوب. وإسلام مشوّه لا يعترف بالعقل والتجديد ووجود الآخر. هذا هو فقط إرث السعودية لمن لازال يتوهّم ولا يريد الاعتراف بالحقيقة.