اقول : بين القرآن علة طلب بناء السد كون يأجوج ومأجوج*مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ*،،، والافساد دأبهم (1) ولو امكن اصلاحهم لبين القرآن ذلك او لعله فعل معهم ذي القرنين ما يمكن به رفع فسادهم من غير حاجة بناء السد او قضى عليهم وهو قادر على ذلك بما اتاه الله من قوة ومن كل شيء سببا ولكن هناك لعله حكمة لبقائهم .
وتجد ايضا ان استفهام الملائكة مع الله تعالى لما ابلغهم بانه جاعل في الارض خليفة كان بخصوص صفة الفساد في الارض وعدم ملائمتها لتكون في خليفة الله . كما في قوله تعالى :
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن*يُفْسِدُ فِيهَا*وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) / البقرة .
اذن استفسار او استنكار الملائكة على عدم امكان اتصاف خليفة الله بالفساد صحيح ولكن يظهر انهم اشتبهوا بمن سيجعله الله خليفته في الارض مع من علموا منهم سابقا فسادهم ( احفظ هذا )
فاذا رجعت الى قول الامام علي ع عنهم :-خلق الله ألفا ومائتين في البر وألفاً ومائتين في البحر, وأجناس بني آدم سبعون جنساً, والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج.
فان فرض صحة الرواية ومتنها يبين ان يأجوج ومأجوج ليس من ولد آدم ، وكون انهم بنص القرآن*مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ*فانهم على الارجح خلق من خلق الله السابقين على آدم ابو البشر لم يصلحوا ان يكونوا خلفاء الله ولعلهم وامثالهم كانوا سبب استشكال الملائكة ، ولكن بقوا حتى زمان ذي القرنين الذي دفع اثر فسادهم وقتها ببناء السد , فتأمل .
السؤال الخطير والمهم المترتب على الاستنتاج السابق ( بفرض صحته ) هو : هل ان يأجوج ومأجوج في آخر الزمان هم نفسهم القوم او الاجناس الذين حجبهم ذي القرنين خلف السد ام انهم انتهوا بنهاية بناء السد وان في آخر الزمان هناك مصداق آخر لهم سوف يظهرون بانفتاح السد او الحاجز الذي كان يمنعهم من الاختلاط بالبشر او الناس !
الجواب - صعب الاثبات القطعي عندي ، وهنا اضع عناوين نظريات / اطروحات تفسيرية محتملة مختصرة لذلك :
1- يمكن احتمال ان ياجوج وماجوج الخلق الغير منتسبين لجنس بني آدم والذين حجبهم ذي القرنين خلف السد هم نفسهم في آخر الزمان وانهم في مكان مخفي عن اكتشافه الى حين انفتاح السد . ولكن يعترض هذا الاحتمال مشكلة هو ان التطور العلمي الحديث امكن به اكتشاف كل ظاهر الارض تقريبا وحتى بعض تفاصيل ما تحت الارض ولم يعثر على ما يساعد على هذا الفرض اي السد ومن خلفه من قوم .
2- فاذا افترضنا ايضا انهم ليس على ظاهر الارض فهذا ضعيف قبوله ايضا مع ظاهر الايات وان السد بني بين صدفين واستعمل زبر الحديد والقطر لتتميمه . وحتى روايات اصل ياجوج وماجوج تبين بعصها انهم خلق ليس من نسل آدم ولكنهم يعيشون على الارض كبقية المخلوقات ومخلوقات الارض اما على سطحها او في بحرها وقليل منها في باطن الارض تحت التراب كبعض انواع الديدان والحشرات .
3- نفترض انهم ليس اصلا على الارض ، ورحلة ذي القرنين كانت الى كوكب اخر . وهذا احتمال مهم ويمكن ان يفسر اشكالات متنوعة ولكن الدليل على اثباته ايضا ضعيف
4- نفترض ان يأجوج وماجوج في آخر الزمان هم مصداق ليأجوج ومأجوم زمن ذي القرنين ، اي ان صفة الانحراف والافساد وسفك الدماء ستظهر في فئة جماعة او أمة وستظهر في آخر الزمان بقوتها الغاشمة وتموج بين ابناء بقية البشر من ولد آدم ( قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ )
اقول : الترك في ( وَتَرَكْنَا ) يظهر انه من كلام الله تعالى وفعله ، ويظهر منه انه نوع عقاب واستحقاق على من سوف يكون فيه لان الفعل الإلهي العام وفق سنته هو الرحمة والهداية ! اذن لا بد من سبب وعلة تفسر هذا الاستثناء ( انتبه )
اقول : حرم الله ( استثنى ) من الرجعة من اهلكهم في الدنيا بعذاب الاستأصال وعدى ذلك فقانون الرجعة موجود ، والروايات تبين انها ستكون لمن محّض الايمان محضا او محّض الكفر محضا .
فاذا كان هذا واضحا فسيجمع الله من محّض الكفر محضا ويرجعهم (2) ، فيحاسبهم في الدنيا زمن الرجعة لينصر رسله في الدنيا حسب وعده*إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ*، وحيث انهم مستحقون للعقاب والعذاب فسيفتح عليهم في الاخير سد ياجوج وماجوج ( بغض النظر عن ماهيته وتفسيره ) وسيموج بعضهم في بعض وسيتركهم الله هكذا ويرفع عنهم الرحمة والهداية بان يرفع خليفته وحجته من الارض لانه ليس هناك باقٍ من يستحق الهداية والرحمة ، فاذا حصل هذا لم يلبثوا كثيرا حتى تبدأ تباشير اعلام الساعة تظهر لهم وتقترب منهم وهذا يناسب القول :*وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ*،،، ويعاضد ايضا هذا الرواية التي تقول ( لا تقوم القيامة الا على شرار البشر )/ المعنى
هذه اقرب فرضية واطروحة افسر فيها حقيقة او رمزية ياجوج وماجوج في اخر الزمان ولعلي اضيف اليها لاحقا تفاصيل وادلة اخرى اذا وفقنا الله ، والله اعلم
الباحث الطائي
----------
(1) : الافساد دابهم ~ ولا يمكن لياجوج وماجوج تحمل خلافة الله والهداية لقصور تكوينهم وامكاناتهم ويمكن الاستدلال على ذلك من الايات التالية : حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا . انتهى
اقول : انظر فلقد تعامل ذي القرنين مع القوم الذين وجدهم عند مغرب الشمس بما يناسب مقامهم وهو إما تعذيب من ظلم او الجزاء بالحسنى لمن عمل صالحا وهذا لا يخفى على ذي فطنة انه يلائم من يتقبل وله استعداد للهداية وبالتالي يكافئ المؤمن ويعاقب الظالم ، ولو كان قوم ياجوج وماجوج من هذا النوع لفعل معهم نفس الشيء كما قيل له ان يفعل مع هؤلاء ! وحيث انهم ليس مستحقين للعذاب على ذنب مفعول عن قصد وعناد او خلاف للحق بعد علم ، وليس لعلهم ايضا مكلفين بنوع اتباع هداية لكمالات ما كما حال الانسان الكامل وخلافته لله ، والبشر عموما وغاية خلقهم ، فاكتفى ذي القرنين بصد أذاهم وشرهم بالسد كتفسير محتمل لما فعل معهم ، فتامل .
(2) : وهناك اية تبين حشر الله بعض الظالمين المكذبين بآيات الله في الدنيا وآخر الزمان ( ما بين علامة خروج دابة الارض والنفخ بالصور ) وقبل القيامة كما في قوله تعالى : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ .
ويوزعون بمعنى يجمعمون في محل واحد وزمان واحد فيرجع اولهم الى اخرهم ، وهذا يتناسب مع احاديث روايات الرجعة ومنهم بعض الكافرين .
ويظهر من قوله تعالى ( فهم لا ينطقون ) ظهور حقيقتهم بما لا يمكنهم التكذيب والنفي والانكار والجحود كما كانوا يفعلون سابقا ! وهذا لا يكون الا بحضور وظهور ادلة الادانة والحساب بشكل غير الشكل الذي معلوم معروف وفق الفهم السببي الظاهري لكل امة وزمانها مهما تطورت لانه ظهور بحقيقة الشيء لا بظاهره ، والله اعلم .