20صفر1440ه::30-10-2018
بقلمي جعفر ملا عبد المندلاوي
زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام تظاهرية كونية مليونية بكل المقاييس ، أعظم وأكبر تجمع بشري منتظم في التاريخ البشري ، وأضخم ممارسة لشعيرة دينية بين كلّ الديانات ، عشرات الملايين من مُحبيّ الحسين من كل أصقاع الدنيا تأتي اليه مشياً على الاقدام ، ووفق إحصائيات أجنبية بلغ زائري الأربعين لهذا العام 20 مليونا ، ستة عشر مليونا عراقيا وأربعة ملايين أجنبي جاءوا من 50 دولة ، ملايين الوجبات اليومية من طعام وشراب بأنواعه ، عشرات الملايين من علب المياه المعبئة ، ملايين الأطنان من الأطعمة والمشروبات بمختلف اشكاله والوانه وعلى مدار الساعة ، تقدم لهؤلاء الزائرين وبشكل مجاني من الشعب العراقي ، العجيب في الأمر أن أصحاب المواكب وخَدَمَة الحسين يعتبرون إن من يُلبي دعوتهم ويتناول الطعام أو الشراب عنهم يعدونه متفضلا عليهم ويتوسلون بكل احد بأن يكون ضيفه ؛ وهذا ما لا تجده عند كل شعوب المعمورة ، فقط في العراق ، هذا الشعب المعطاء الذي يبذل كل هذا العطاء على مدار شهر أو أكثر على طول الطرق المؤدية الى ضريح الإمام الحسين عليه السلام تصل أطوال تلك الطرق والمسالك الى آلاف الكيلومترات ، بل إن البعض منهم يأتي مشياً من الدول المجاورة ، حشد مليوني من كل الجنسيات ومن كل الأديان والقوميات، كبار وصغار شيبا وشبانا ، نساء ورجالا ، ولم يسجل أي حادث مثلما يحدث في بعض البلدان من موت المئات بسبب التدافع وضيق الأمكنة ، العجيب إن هذا العدد الهائل من الزائرين يأكلون ويشربون كل ألوان الأطعمة والمشروبات الحارة والباردة وتوفر لهم 100الف خيمة وسرادق لأجل المبيت والاستراحة والخدمات الطبية للمرضى وكبار السن ، وهم يؤدون مراسيم الزيارة بشكل تلقائي وعفوي دون أي عائق أو معرقلات .
ومما يؤسف له جداً أن الإعلام العربي والاسلامي ومراكز الأبحاث والجمعيات الثقافية والأدبية والمثقفين والادباء والمدونات والمنتديات الإلكترونية بكل توجهاتها ومشاربها الثقافية والمرجعية تمارس التعتيم القصدي تماماً على هذه التظاهرة الدينية المقدسة ، بينما تجد في الجهة الأخرى فضائيات أجنبية وصحفيين وقساوسة وعلماء كبار يأتون للزيارة وينشرون ما يرونهم من تفاعل انساني نادرعلى وسائل التواصل وفي القنوات الفضائية ، وأما الاعلام العربي البائس فإنه لا يكلّف نفسه لتغطية هذه المسيرة المليونية ولو بخبر ثانوي بالرغم من إن هذه التظاهرة تستمر لأسابيع ، وبهذا فهو لا يحترم مهنيته ولا حرفيته وإنما يقرر على أنه تابع ذليل للسياسات واصحاب النفوذ وأنه خالٍ من المبدئية والقيم ونبل المهنة وشرف الكلمة ، بينما تراه لو تظاهر عشرة أشخاص في بلد ما للمطالبة بأجورهم أصبح ذلك حديث الاعلام ، ولو أقيم مهرجان للماراثون في بلد ما لتم تغطيتها ونقلها بشكل مباشر من قبل بعض القنوات ، ولكن قضية الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله شيء لا يهمهم ، نصبٌ واضح وحقيقي من قبل الامة الاسلامية ساسة وأفراد ووسائل اعلام ، وبغض واقعي لأهل البيت عليهم السلام الذين أمر الله بودهم ، ومحبتهم واجبة على كل مسلم ، والمفارقة أن المسلمين بعد كل صلاة يوجبون الصلاة على محمد وآل محمد ويعدّونها جزءاً مكملا للصلاة ، ولكن ربما لا يعلمون ان أهل البيت الذين يصلّون عليهم هم (محمَد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام)، ومن ثم يمارسون العداء واللامبالاة في إحياء شعائرهم بحجج واهية ، نهج أمويّ مقيت لا زال يسري في الأمة ، فيا أمة المليار حتى متى والى متى هذا الجفاء لمحمّد وآل محمد آل الله عليهم السلام ؟ ، ومتى يتحرر العقل العربي من تكبيل السلطات وقيود التقوقع والتفكير الأحادي والنظرة المجتزأة للتاريخ وللواقع .
قد يقول قائل من أمة المليار بأنهم يحبون أهل البيت ولا يغالون فيهم مثلما يغالي الشيعة فيهم ، ونقول له : ما معنى الحب المقصود؟ وما هي ضوابطه وعناصره؟ وهل يُشبه الاعجاب ؟ أم هناك شيء آخر ، فإن المحب يتبع المحبوب ويسير على منهجه ويظهر ذلك من أفعاله وسلوكه الخارجي ، ولا يجتمعان الضدان أن تحب إنسانا وتحب عدوّه في ذات الوقت، فلا يجتمع حب الله وحب الشيطان في قلب موحد ، كما لا يجتمع حب أهل البيت وعدوهم في قلب المؤمن، فأيّ حبٍّ تدعونه وأنتم تترضون على قتلة أهل البيت ومن حاربهم بكل جهد؟ وأيّ حُبٍّ تدعونه وأنتم تكفرون من والى أهل البيت وشايعهم؟ وتحبون من أمر الله بلعنهم في قوله تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى ابصارهم/ سورة محمد 22-23) والخطاب بلا شك ولا ريب لولاة المسلمين لا لغيرهم وكتب التفسير مشحونة بذلك لمن اراد الاستزادة والحديث ذو شجون وشؤون ليس محله هنا !!؟ .
والى متى هذا العداء لآل محمد عترة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وقد أوصى بهم في آخر لحظات عمره الشريف بقوله (أذكركم الله في أهل بيتي) فكيف كانت الوديعة يا أمة المليار؟! يقول الامام جعفر الصادق { ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمداً وآل محمد صلى الله عليه وآله ، ولكن الناصب من نصب لكم وهويعلم أنكم تتولونا وتتبرأون من أعدائنا}، ولكن لا غرابة في ذلك لطالما تلقى البيت النبوي الطاهر الطعنات تلو الطعنات من أمة الاسلام وسلاطين الاسلام وامراء الاسلام والمسلمون عبر عصور الاسلام والى اليوم ، حروب ابادة وتشريد وقتل وتهديم البيوت وصلب الرجال وقطع الايادي والأرجل لمحبي هذا البيت الطاهر ، وكان المسلمون عبر تلك الأعصار والى اليوم بين مؤيد وصامت لظلم آل محمد واشياعهم ، وأما القلة القليلة التي كانت تواليهم وتودهم فكان مصيرهم القتل .. فهنيئا لمن والى وأحبّ ونصر أهل البيت عليهم السلام في حياتهم وفي مماتهم، وتعسا وسحقا لمن حارب وقاتل وأيد الظالمين لآل محمد في حياتهم وبعد مماتهم . اللهم إشهد ..