المؤامرة القذرة
بعد مرور سنة على أحتلال الموصل والمدن الآخرىى المتاخمة لها ، من قبل داعش ، تلك المؤامرة القذرة ، وما تلاها من تجاذبات ، وكرَ وفرَ على الصعد كافة ، ميدانيا وسياسيا وأمنيا ومجتمعيا ، يظهر المشهد العراقي بصورة مؤلمة وغير مرضية للشارع العراقي ، ليس لأنه يقدم التضحيات تلو الأخرى في الأموال والأنفس والبُنى التحتية ، فحسب ، بل لأنه يرى أن سياسِيِّه ليسوا بمستوى هذه التضحيات الجسام التي يقدمها قربانا لحبهم لوطنهم ودفاعهم عن مقدساتهم .
وقد أحدثت بعض تلك الصراعات جراحات عمية في الجسد العراقي عموما ، وما زاد الطين بلّة ؛ زيادة الضغوط الخارجية من خلال أذرعها في الداخل ، واستمرار دول الأقليم بضخ الفتن ، الى المجتمع العراقي وبث الفرقة ، ودعم أسباب التنافر الإجتماعي من خلال - وهذا مما يؤسف – بعض السياسيين الإنتهازيين الغير المخلصين لشعبهم ، والخائنين لوطنهم ، المستنجدين بقوى أجنبية للإستقواء على إخوانهم العراقيين ، فلو كانوا عراقيون حقاً لبذلوا كل ما بوسعهم لردم الهوة ومد خطوط التلاقي والتفاهم لتجاوز هذه الأزمة العصيبة ؛ لا تعميق الجراح وتاجيج الفتن والكراهية بين ابناء الشعب الواحد.
ومع بروز هذه الاحداث على الساحة ؛ أظهر السياسيون تخبطاً واضحاً وفشلاً ذريعاً في مواجهتها ، مع انهم منتخبون من قبل الشعب ، وأقصد هنا بالخصوص سياسيو الشيعة بكل أطيافهم . هذا الفشل والتخبط كان مرجعه وسببه ان الرؤى السياسية عندهم غير واضحة وغير متلائمة بقدر ما كانت مصالحهم الشخصية والحزبية هي المحرك لتلك الاحداث غالباً ، ولا أستثني أحدا ، لاننا لم نسمع أو نرَ أي تغيير في الخطاب السياسي للحكومة العراقية يُنبئ عن وجود أناس مخلصين لهذا البلد ، بل ما نراه ونسمعه ؛ المزيد من التنافس على المناصب والوزارات والعقود المليارية ، بمعنى أنهم يلهثون وراء جمع أكثر ما يمكن جمعه من المال الحرام ، والتباهي فيما بينهم في شراء الفنادق والمؤسسات التجارية والاستثمارية في هذا البلد وذاك ، وتبين بعد 12 عام من تسلق سياسيي الأحزاب الى هرم السلطة ؛ أنهم مصلحيون وانتهازيون حد التخمة ، يستهزئون بأصوات ناخبيهم ، وجوهم لا تتغير ، وانما تتغير كراسيهم ويتلاعبون بعقول الناس استخفافا بهم وبمشاعر الملايين الذين انتخبوهم .
وبالمقابل اتجه بعض السياسيين السنة نحو التصعيد الطائفي والتخندق الجغرافي والارتماء في حضن الدول الراعية للأرهاب للإستقواء واعادة التوازن الذي يرونه اختل بعد 2003 ، بلا مراعاة لما سيحل بهذا البلد من مآسي أو امراض اجتماعية يصعب تفاديها مستقبلا.
الوقائع على الارض
1- احتلال داعش لمحافظة الموصل ومدنا من الانبار وصلاح الدين وكركوك وبمساحات شاسعة من الجهة الغربية من العراق ، بمباركة ودعم دولي وأقليمي واضح .
2- التعامل الامريكي مع اقليم كردستان كلاعب مهم في المعادلة لا بكونه جزءاً من الدولة العراقية ، وانكشفت ازدواجيتهم ونفاقهم السياسي ، بشكل لم يعد خافيا على احد ، فمن جهة هي تقول انها مع العراق الموحد ومع الحكومة العراقية ، ومن جهة تقرر دعم اقليم كردستان بالاسلحة الحديثة والاعتدة حتى دون علم حكومة المركز.
3- تكررت ما يسمى بالأخطاء غير المقصودة ، من القاءالاسلحة والامدادات للدواعش في ساحات المواجهة ، ان لم تكن هي تفعل ذلك فان ما يحصل هو تحت انظارها وحمايتها لهم ، لخلق التوازن في القوى مع الجيش العراقي ، فضلا عن تكرار قصفها بالصواريخ لقوات الجيش العراقي والحشد الشعبي بحجة الخطأ أيضا، فتكرار ذلك من قبل امريكا ، يعني انها تعمل بقصدية واضحة لتدمير العراق وإيذائه.
4- تمارس الولايات المتحدة نفاقا سياسيا واعلاميا ، وتعاملا مزدوجا مع العراق ، لانها توحي بالعلن انها مع سيادة العراق والحكومة العراقية وبالخفاء تدعم داعش وتمكنه من احتلال المدن بمساعدته عسكريا واستخباريا واعلاميا .
5- تعمد الولايات المتحدة الى دفع الامور والخطاب السياسي والاعلامي باتجاه انشاء الاقليم السني ، وتهيئة الشارع السني له.
6- تملص الولايات المتحدة من تعهداتها واتفاقياتها مع العراق بتأخير تسليم الأسلحة والطائرات والمعدات الحربية اللازمة لمواجهة داعش ، مع انها مدفوعة الثمن ، بحجج واهية وهي تعلم جيدا ان هذا التأخير سيضعف الحكومة العراقية امام تحديات داعش.
7- وجود آلاف الموظفين في السفارة الامريكية وهو أمرٌ غير مبرر ، فهذا العدد الضخم الغير مسبوق لا يوجد في اي بلد في العالم ، وبلا رقيب على فعالياتهم واعمالهم ودسائسهم السرية والعلنية لايوجد له تفسير غير تخطيط وقيادة العمليات الارهابية عن قرب ، اذ لا يوجد معاملة بالمثل ، بل ويؤثر سلبا على السيادة الوطنية ، حتى في التمثيل الديبلوماسي مع الدول العظمى التي هي بالضد من سياسات امريكا كروسيا والصين لا توجد هكذا اعداد . فهل تعرف الحكومة العراقية ماذا يفعلون داخل وخارج السفارة أم انهم بسرحون ويمرحون كيفما يشاؤون.
8- يعمد الامريكان الى شل الحكومة العراقية وعدم جعلها قادرة على الامساك بالمبادرة على الارض ، وزيادة الشحن الطائفي للسياسيين الطائفيين .
9- عدم وجود رؤية واضحة للحكومة والبرلمان في كيفية الخروج من الازمة ،لاننا نراهم يتخبطون على ابواب الدول اللاعبة في الساحة ويستنجدون بالخصوم للمسامهة في حل الآزمات ، ومتى كان الخصم حكما عادلا ؟.
10- الاحتكام للدستور حرفيا بخصوص تشكيل الحكومة والوزراء شاء ام شاء وأبى من ابى ، وعدم الركون الى المحاصصات المقيتة ، والاعتماد على الكفاءات التخصصية لا الحزبية ومنح كل وزير فترة ستة اشهر ومراقبة عمله .
صك الانتصار
وفي هذا الجو المشحون بالفوضى السياسي والتخبط الميداني ، كان لصوت الشعب الهادر ، صوت الحق ، المتمثل بالمرجعية الرشيدة ، كان لها وقفتها التاريخية ونظرتها الستراتيجية للأحداث وما يمكن ان تؤول اليه الامور ، ذلك الموقف الشجاع قلب الطاولة على كل اللاعبين في الساحة العراقية وجعلهم يعيدون حساباتهم من جديد ، وهو فتوى الجهاد الكفائي الذي أطلقه سماحة المرجع الاعلى السيد عليّ السيستاني لحماية العراق والحفاظ عليه من الضياع بسبب الصراعات السياسية . وكان هذا الفتوى توفيقا آلهيا والهاما بينّت الاحداث اللاحقة مدى دقته وضرورته ، فقد اصبح الملبّين لذلك الفتوى والذين انضووا تحت مسمَّى الحشد الشعبي ، هم القوة الوحيدة القادرة على حسم المعارك بسبب ايمانهم بقدسية الصراع ضد الباطل وضد خصوم الشعب ، لا تحركهم الاهواء السياسية والحزبية الضيقة. وهم بعدُ ، الورقة الرابحة الوحيدة بيد السياسيين للعبور الى برّ الامان ، وهو صكّ الانتصار لو كانوا يفهمون .
رد الإعتبار
لم يعد خافيا على احد ان كل هذه الصراعات والتجاذبات انما تهدف امريكا من ورائها ضرب وحدة العراق وتقسيمه جغرافيا وتفتيته طائفيا وقوميا ، ضمن مشروع اقليمي تعمل عليه ، وربما تكون بعض الخطوات التالية مخرجا مناسبا على الاقل في المرحلة الراهنة ، وكردّ إعتبار لهيبة العراق وتاريخه وعمقه الحضاري والديني والتاريخي ، للخروج دوامة الازمة قبل ان تتمخض عن ولادات غير محمودة العواقب ، وعند ذاك لا ينفع عض أصابع الندم ، ويمكن اجمال ذلك بالآتي :
1- تحشيد موقف المرجعية وغضب الشارع باتجاه التصعيد لقطع يد المتأمرين على العراق والمرجعية . فلا يفل الحديد الاّ الحديد ، وما دامت الحكومة ضعيفة فانها تكون مدعاة للسخرية والاستهزاء والتآمر عليها . فايران صارعت الغرب وامريكا عشر سنوات او اكثر حتى حصلت على البطاقة النووية وباعتراف الغرب وامريكا ، لانها لم تخضع ولم تتهاون اوتضعف امامهم . والمطلوب موقف جرئ وخارج عن الأتكيت البارد الذي يمارسه الامريكان ضد الدول التابعة لها . بل نحن بحاجة الى موقف اشبه بالانقلاب على الوضع المتردي. ويكفينا مجاملات وكلام دبلومسي على حساب الشعب العراقي.
2- تحريك عناصر الحشد الشعبي وبشكل مدروس لاحتلال السفارة الامريكية ، واحتجاز موظفيها كرهائن ، حتى تثبت امريكا حسن نيتها ومصداقيتها بطرد داعش من العراق كما تدعّي . والتعامل مع هذه العملية على انها غضب شعبي لا يمكن مقاومته .
3- قيام رئيس الوزراء باعتباره أعلى سلطة تنفيذية بالقاء خطاب رسمي باسم الشعب العراقي يطالب فيه الولايات المتحدة بالكف عن التدخلات السلبية في ادارة الصراح والحرب مع داعش مع استعراض لكل اخفاقاتها الميدانية وسياساتها الازدواجية.
4- يسبق ذلك عقد اتفاقية امنية وعسكرية مع روسيا لتجهيز العراق باسلحة وصواريخ للدفاع عن النفس ، وتعزيز الاتفاقية الامنية مع ايران. فضلا عن تنويع مصادر السلاح من دولا اخرى كالصين وكوريا وباكستان .
5- اعادة بعض منشآت التصنيع العسكري لصناعة الاعتدة والاسلحة الخفيفة بشكل اولي وتعزيز ودعم الصناعة المحلية لتقليل الاعتماد على الخارج.
6- بناء منظومة استخبارية محكمة منبثقة من روحية الحشد الشعبي ، تعمل بمهنية استباقية لردع الخروقات الامنية قبل وقوعها.
7- تهديد كردستان في حالة ممارسة اي فعل يوحي بانهم يعملون على انشاء دويلة ، من قبيل تصريحات او زيارات سرية او عقود لشراء السلاح وبيع النفط بالسر ، وكل شيء يدور خارج علم المركز ، يكون ذلك مبررا للمركز لفك الارتباط بالاقليم وطرد وزرائهم وممثليهم في البرلمان ، وقطع الاموال المخصصة لهم وكل منفعة من العراق الى الاقليم ، حتى يرعووا .
8- اقالة اي وزير أو محافظ أو أي مسؤول لا يكون بمستوى المسؤولية الوطنية والشعور الوطني ، بلا تردد او رجوع الى الكتلة التي ينتمي اليها ، ودون الالتفات الى المحاصصة وخشية هذه الكتلة او تلك من اي اجراء ضد وزرائهم ، فالعراق اهم من الجميع بما فيهم البرلمان والحكومة .
9- تنفيذ عقوبة الاعدام بحق المدانين بقضايا ارهاب والمحكومين فعلا الموجودين في السجون بلا تأخير .
10- إكمال التحقيقات بخصوص الخيانات التي حصلت من قبل القيادات الامنية منذ دخول داعش الى العراق والى اليوم وتجريم المقصرين فيها واعلانها للناس وكشف المتورطين فيها كجريمة احتلال الموصل وجريمة قتل الجنود في سبايكر وهي جرائم كبرى وخيانات عظمى لم يكشف عنها الى الآن؟
النتائج المحتملة
1- عندما ترى الولايات المتحدة جدية الحكومة العراقية وقوتها المستندة الى الحشد الشعبي وفتوى المرجعية ، وأنها ربما ستخسر مصالحها في العراق ، فانها ستعيد حساباتها وتعيد قراءة الواقع برؤية جديدة ، لا يكون فيها العراق أسيرا لأهواء البيت الابيض . فامريكا ليست مهتمة بالاصدقاء ، بقدر ما تهمها مصلحتها العليا.
2- الحفاظ على العراق ووحدته وسيادته ، و أعادة اللحمة الوطنية وتجاوز حالة الاحتقان الطائفي والمناطقي .
3- اعادة الهيبة للدولة العراقية في المحيط الاقليمي والدولي.
4 - إضعاف داعش والتضييق عليه لدرجة يمكن بسهولة طرده والقضاء عليه.
5- فرز وتحييد كل السياسيين الانتهازيين والمصلحيين ، ومحاسبة الفاسدين والداعمين للارهاب وملاحقتهم قضائيا.
التعديل الأخير تم بواسطة جعفر المندلاوي ; 23-05-2015 الساعة 05:47 PM.