معنى كراهة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) لحمل الحسين (عليه السلام)
بتاريخ : 27-03-2015 الساعة : 07:00 AM
السؤال:
في الخبر أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) كرهت حمل الحسين (عليه السلام) وكرهت وضعه.
والسؤال هو: كيف تكره حمله وهي المعصومة وهو المعصوم، وهي العالمة بأنّ الذرّيّة من صُلبه بعلم الغيب؟
الإجابة:
قد يُتصوَّر أنّ المقصود من كراهة الحمل هي ذات الحالة الّتي تَضادّ المحبّة والرغبة، ولا ريب أنّ أهل بيت العصمة والطهارة ومعدن الطُّهر والزكاء (صلوات الله عليهم أجمعين) منزَّهون عن حالات البشر الاعتياديّة وما يخالط أمزجتهم؛ إذ أنّ حبَّهم (عليهم السلام) وبغضهم وكراهتهم من جنس حبّ الله وبغضه وكراهته، فلا يحبّون إلّا لله وفي الله وبالله، وكذا يكرهون!
إذن، لا يمكن تصوّر أنّ الزهراء (سلام الله عليها) كرهت ــ والعياذ بالله ــ ذلك القدس العالق بين أحشائها الزاكية، ولا حملَه، إنّما كان متعلَّق الكره هو قتله، فهي كرهت تلك الجريمة البشعة الّتي ستحلّ بفلذة كبدها وأطيب أُرومتها.
وفي شرح الإمام الصادق (عليه السلام) وبيانه وتعليله كفاية، إذ يقول: «فهل رأيتم أحداً يبشَّر بولدٍ ذكر فتحمله كرهاً؟ أي أنّها اغتمّت وكرهت لما أخبرها بقتله، ووضعته كرهاً لما علمت من ذلك» (تفسير القمّي: ٢ / ٢٩٧).
وقوله (عليه السلام) كذلك: «لمّا حملت فاطمة بالحسين، جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: إنّ فاطمة ستلد ولداً تقتله أُمّتك من بعدك. فلما حملت فاطمة بالحسين كرهت حمله، وحين وضعته كرهت وضعه» (كامل الزيارات لابن قولويه: ١٢٢ ح ١٣٥).
وأجلى من ذلك كلّه قوله (عليه السلام): «فأنزل الله (تعالى) عند ذلك هذه الآية: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾؛ لموضع إعلام جبرئيل إيّاها بقتله، فحملته كُرهاً بأنّه مقتول، ووضعَته كرهاً لأنّه مقتول» (كامل الزيارات: ١٢٢ ح ١٣٦ ــ عنه: بحار الأنوار للمجلسي: ٤٤ / ٢٣٣ ح ١٨).
وهو صريح في المطلوب، وأنّ متعلّق كُره الحمل والوضع هو القتل!
ولمّا كان رضى الصدّيقة الطاهرة (سلام الله عليها) من رضى الله (تعالى) وغضبُها من غضبه، وكان الله (تعالى) لا يرضى إلّا لرضاها، أخبرها أنّه جاعلٌ في ذرّيته الإمامة والولاية والوصيّة، فرضيَت.
فعن عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «دخلَت فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعيناه تدمع، فسألَته: ما لَك؟ فقال: إنّ جبرئيل (عليه السلام) أخبرني أنّ أُمّتي تقتل حسيناً. فجزعت وشقّ عليها، فأخبرها بمن يملك من وُلدها، فطابت نفسها وسكنت» (كامل الزيارات: ١٢٥ ح ١٣٩).
وعلى كلّ حال، فإنّ لآل الله مع الله (عزّ وجلّ) حالات ليس بمقدور عقولنا القاصرة ولا لمداركنا الضيّقة أن تدركها ولا أن تسبر غورها، ولا حول ولا قوّة إلّا به.