اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
هناك ما هو أهم من الصبر على المصائب القهرية (المفاجئة)، وهو عندما يكون الإنسان سائراً نحو هدفه بوعي ومعرفة بالطريق، فيصبر عند المصائب والمحن التي لابد من حصولها على هذا الطريق، ولا يتوقف عن إكمال السير بسببها.. إننا عندما نحلل بشكل عميق ما كتبه المحققون حول أحداث التاريخ المرتبطة بالجماعات، نصل إلى هذه النتيجة وهي أن الأهداف الإنسانية السامية ـ وعلى رأسها أهداف الأنبياء ـ كانت تتنافى وتصطدم دائماً بمصالح الطبقات المتسلطة الظالمة. ولهذا كنا نرى أيضاً أن حملة لواء تلك الأهداف كانوا في صراع مستمر مع رؤوس تلك الطبقات. وقد ذكر القرآن الكريم في العديد من آياته هذه المواجهات بين الأنبياء والطواغيت والمترفين.
هذا الوضع، الذي هو أمر حتمي في مثل هذا التحرّك، يستلزم كل المصائب والعذابات بأنواعها بالنسبة لسالكي طريق الحق والمنادين بالعدل والقسط وأتباع الأنبياء والمتمسكين بنهجهم. ولأجل أن يستعدَّ المؤمنون مسبقاً، نجد القرآن الكريم يبيّن لهم هذه المخاطر والصعاب: ﴿( لَتَبلُونّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور﴾) .
فما يحدث في الواقع، أن الذين يريدون الحياة الإيمانية وتحقق العبودية لله تعالى في وجودهم، والالتزام بالتكاليف الإلهية والمسؤوليات الشرعية، فإنهم سيواجهون لا محالة ذلك الأذى والتضييق والتنكيل بكل أنواعه، وسيرون هذه النبوءة القرآنية متحققة أمام أعينهم. وبالطبع، فإنه كما كانت مرتبة الإنسان من حيث الإيمان والعمل أعلى فإنه سينال من الأذى والمصائب ما يتناسب مع مرتبته، وعليه أن يزيد من قوة تحمله وصبره. ولقد أشار الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في حديث له إلى هذا المطلب قائلاً: "إن أشد الناس بلاءاً الأنبياء ثم الذين يلونهم الأمثل فالأمثل"..
كما أن تحمل هذا النوع من المصائب ليس مثل تحمل تلك المصائب والحوادث المؤلمة التي هذه من النوع السابق (اللااختيارية). لأنه في هذا النوع لا يكون الإنسان مضطراً في كل الحالات والتقادير إلى تحمل بلائها، بل على العكس يستطيع وقت ما يشاء أن يرجع إلى الحياة السهلة المريحة، وأن يحمي نفسه من الوقوع فيها.
أما الذي يرتضي أن يتحمل هذه البلاءات والمصائب التي لابد منها، فهو الذي يسير نحو الهدف النهائي. أما الذي يرجح السلامة والجلوس في البيت ولا يخطو خطوة واحدة خارجه، ولا يتحمل عناء السفر، ويغض النظر عن كل الفوائد الموجودة في السير والسفر، أما الذي يمكنه على هذا الأساس أن يصون نفسه طوال حياته من السقوط من أعلى الجبل أو مواجهة الحيوانات المفترسة، أو قطّاع الطرق ومئات الحوادث الأخرى التي تقع أثناء الأسفار، وكذلك الإنسان اللامبالي الذي لا يشعر بأية مسؤولية ولا يرى لحياته هدفاً مثل هذا الشخص لن يخطو خطوة واحدة في طريق يوصل إلى الهدف، ويستحسن أن تبقى حياته خالية من الأحداث ومن كل ما يشغل البال، كما يقول الشاعر سعدي:
بالأبحـار منافـع لا تحصـى ومـن أراد السلامـة يبقـى (متـرجمـاً)
فإذاً، حوادث ومصائب طريق الأنبياء هي من النوع الاختياري. والذين يبتلون بها هم أتباع أمير المؤمنين (عليه السلام): "وخض الغمرات إلى الحق"، وهم الذين استجابوا لنداء الأنبياء بصدق واستقاموا.. فالصبر على هذا الطريق من أهم أنواع الصبر، وهو يظهر معدن الإنسان وجوهره. هذا الصبر يعني قبول المصيبة، وهو الذي يتطلب منه أن لا يكون نادماً على ما ابتلي به.
خباب بن الأرث هو أحد المسلمين المضحين، ومن الأوائل الذين آمنوا بالإسلام، وحرموا بسبب إيمانهم من معظم أموالهم وممتلكاتهم، هو نفسه قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو متوسِّد ُفي ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة شديدة، فقلت يا رسول الله ألا تدعو الله لنا، فقعد وهو محمرُّ وجهه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن كان من كان قبلكم ليُمشّط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فينشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه. ولَيُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عز وجل والذئب على غنمه".
وبهذا النوع من الكلام الملتهب، كان رسول الله يشعل في الأرواح وقود المقاومة والإرادة الفولاذية، ويحملهم على الصبر والاستقامة أمام البلايا الناشئة من سلوكهم طريق الإيمان. ومن الممكن أن يصبر الإنسان على القيام بالتكاليف الإسلامية، أو يصبر عن اقتحام المعاصي، ويصبح بذلك في عداد المؤمنين بالإسلام والسائرين على طريقه، لكنه قد لا يقاوم المصائب والحوادث التي لابد من حصولها في هذا الطريق، ويصاب على أثر ذلك بالوهن المعنوي والعقائدي ويحل به اليأس والإحباط، مما يؤدي إلى توقفه وعدم وصوله إلى المقصد النهائي، ويرجع إلى الوراء ملقياً قسماً من الوظائف والتكاليف على الطريق. فبلوغ الغاية والاستمرار في المسير متوقف على وجود هذا النوع من الصبر، أي الصبر على المصائب الاختيارية.
وتلك رسالة موجّهة الى كل من هو في أول طريق الإلتزام حتى لا يتفاجأ : " لا تقل لماذا الناس تحاربني في سلوكي، في تغييري، في إلتزامي، في لباسي" لأن الإلتزام الديني نوع من الجهاد ويجب أن تتوقع في تلك الطريق المعارضة والأذى في سبيل الله وإعلاء كلمة الله التي هي ولاية الأمير روحي له الفداء علي بن أبي طالب من أجل أن تنال الأجر وأن يمتحن الله ثباتك في تلك الطريق كما أن هذا الجهاد سيكسبك خبرة في كيفية قوة الشخصية والثبات على الموقف".
إن كنت من المنتظرين العاملين ولست من المنتظرين الغافلين الذين لا يفعلون أي شيء من أجل التحضير لإمام زمانهم، يجب أن تتوقع الأذى والمصاعب وحتى تستطيع تحقيق الثبات في خدمة صاحب الأمر روحي له الفداء فإنك تحتاج الى "الصبر على الأذى (الإختياري)" في سبيل بلوغ دولة الإمام المهدي، والتحضير لظهوره وما ينالك في تلك الطريق من المصائب والمصاعب وأذى الناس حتى من أقرب الناس إليك ولا تستغرب !!!
إذن أعظم الصبر هو الصبر في سبيل ((محمد وآل محمد)) لتحقيق دولة " محمد وآل محمد" بظهور " قائم آل محمد