بعد أن سيطر الثوار الحوثيون الشيعة يوم الثلاثاء الماضي بشكل كامل على العاصمة اليمنية صنعاء، وسط غياب تام للقوات الحكومية فإن الهدوء يسود المدينة بشكل مطلق، وجناحا الأمن والأمان ينتشران فوق كل بقعة من بقاع العاصمة، بل أن الحركة باتت أكثر طبيعية في شوارع صنعاء، وهو الأمر الذي أدهش اليمنيين جميعاً. إذ كان سكان العاصمة اليمنية يتوقعون أموراً مقلقة كثيرة سيقوم بها المنتصرون، كالسيطرة المسلحة على القصر الجمهوري، والمؤسسات الرئاسية، والإعلامية، والمالية، والجلوس فوق كراسي السلطة، وإطلاق البيانات والقرارات والأناشيد الثورية، وإصدار التعليمات المناسبة، كحظر التجوال، وغير ذلك مما يحدث في مثل هذه الأحداث.. لكنَّ هذا لم يحدث منه شيء قط، بل على العكس من ذلك، فقد توجه الحوثيون لحماية المراكز المهمة والوزارات والمصارف والمطار، ومؤسسات الكهرباء والنفط والماء، وغير ذلك من النقاط الحيوية، بل أنهم راحوا ينظمون حركة سير المركبات في شوارع العاصمة، وقد جاء ذلك مصوراً في تقرير إخباري أورده أحد المراسلين الأجانب من صنعاء. وبالرغم من توقيعهم اتفاقا للسلام برعاية الامم المتحدة مساء الاحد الماضي، إلاَّ أن الثوار الحوثيين الذين لا يثقون بخصومهم بعد أن جربوهم مرات عديدة من قبل، لم يلقوا أسلحتهم، وينعموا بطعم حلاوة النصر، بل راحوا ينتشرون باسلحتهم الخفيفة التي قاتلوا، وأنتصروا فيها في شوارع صنعاء، وسط ذهول تام من قبل السكان والمراقبين، خصوصاً في سرعة حسمهم المعركة، وفي الضمور التام للسلطة.. ولعل الأمر الذي لفت إنتباه المواطن اليمني البسيط الذي عبأته بقوة الماكنة الإعلامية الوهابية (الإصلاحية) المعادية تعبئة طائفية وسياسية تامة، أنه لم يجد في المسلح الحوثي القادم اليه من صعدة تلك الأوصاف والمواصفات التي كانوا يشيعونها عنه، ويحذرون الناس منها. فالحوثي لم ينهب مصرفاً في صنعاء، ولم يسلب قصراً، ولم يقتل خصماً – عدا قتل بعض المجرمين البعثيين الذين قتلوا أخوتهم في اليمن والعراق – كما أن المواطن الصنعائي الذي كان يعتقد أن حرمة بيته ستنتهك وعرضه سيهتك وماله سيسلب إذا ما دخل الحوثي أرض مدينته صنعاء منتصراً، قد فوجئ بعكس ما كان يتوقع.. إذ وجد الصنعائيون أمامهم شباباً لم يتجاوز عمر أكبرهم الأربعين عاماً، فهم مهذبون جداً، ولطيفون جداً.. لا يتعاملون مع الناس إلاَّ بأدب جم، لا يحملون إلاَ الأخلاق العالية.. إذ ظلت المرأة في صنعاء محترمة، والبيوت في ظل نصر الحوثيين مصانة، والأعراض مقدسة، والأملاك محفوظة.. لقد رأى الناس قوماً ليسوا كما قال عنهم بيت الأحمر الوهابي. رأوا قوماً شرفاء محترمين، وكرماء مقدَّرين.. حفظوا لهم العرض، وحافظوا معهم على العهد، فصانوا الحرمات حين دخلوا صنعاء منتصرين، وكأنهم يصونون بيوتهم.. ولعمري فإن هذا الذي يميز أحرار الحسين وثوار الشيعة عن أوباش الوهابية.. لقد راح اليمنيون يقارنون بين ما يفعله (الشيعة الحوثيون) مع أهل صنعاء (السنة)، وبين ما يفعله المجرمون الوهابيون الداعشيون بأهل المدن الشيعية في العراق.. ما جعل الكثير من شباب السنة اليمنيين يتحولون الى المذهب الشيعي.. الأمر الذي أرعب شيوخ الوهابية، وزعماءها، حتى أن الداعية الوهابي عبد العزيز الطريفي، لم يتمكن من السيطرة على نفسه، فراح مسرعاً الى منابر الوهابية، ومواقعها محذراً ومنذراً من هول هذا التحول المرعب في صفوف أهل السنة.. فقال في تغريدة له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر قائلاً: “إن جهاد الحوثيين ومقاتلتهم واجب، واجتماع أهل اليمن على ذلك فرض، ومن وقف في صفّ الباطنية أخذ حكمهم ولو علّق المصحف في عنقه، لإن الإسلام عقيدة لا شعارات فقط.”.. ولعل الخبر الأكثر سعادة للعراقيين هنا، أن أخوتهم الحوثيين في اليمن قد ثأروا لأبنائهم الشهداء في قاعدة سبايكر، فقتلوا حين دخلوا صنعاء أبن برزان التكريتي، وإبن ثان لأخ صدام، كما إعتقلوا قياديين بارزين في حزب البعث الصدامي الذي أشرف على مذبحة سبايكر، وكذلك إعتقلوا أقرب الوكلاء الماليين الى عائلة صدام، خصوصاً الذين هربوا بأموال الشعب العراقي الى اليمن.. وآخر الأنباء الواردة من اليمن تشير الى أن الزعيم عبد الملك الحوثي، قد أعلن عن عدم مشاركته في السلطة، وعدم رغبته في تسلم أية مهمة حكومية.. وهذه أهم الإشارات المؤكدة على أن الحوثيين لم يأتوا الى صنعاء من أجل سلطة، ولا من أجل مال، أو من أجل ثأر كانوا يسعون اليه .. إنما جاءوا يحملون رايات الحسين من أجل الحرية، والعدالة، والمساواة. فمتى يتعلم الآخرون من هؤلاء الأحرار كي يفيدوا ويستفيدوا؟