لماذا فشل المالكي؟
نزار حيدر
كان بإمكانه ان يقتنص الفرص الذهبية التي مرّت عليه ليؤسّس لجمهورية جديدة، وليؤسّس نظاما ديمقراطيا يتجلى في مبدأ تداول السلطة، فكان يمكنه ان ينتزع، بجدارة، لقب (الاب المؤسّس) او مؤسّس الديمقراطية على غرار الآباء المؤسّسون الذين أسّسوا الولايات المتحدة الأميركية، الا انه فشل للاسف الشديد.
لقد مرّت عليه فرصتان؛ الاولى عندما أنهى دورته الدستورية الاولى فكان عليه ان ينسحب من الترشح لرئاسة مجلس الوزراء الى اي موقع اخر في الدولة او حتى يعود الى منزله كما فعل نيلسون مانديلا مثلا، والثانية عندما اجتمع رأي الشركاء على تحديد الرئاسات الثلاث بدورتين دستوريتين فقط، فيعلن قبوله بذلك ليترك السلطة نهاية الدورة الدستورية الثانية، كما فعل من قبل جورج واشنطن، ولكنه لم يفعل.
اما الفرصة الثالثة، فلقد مرّت عليه عندما قال للعراقيين، وبعضمة لسانه (٨ سنوات كافية) لنكتشف فيما بعد بانه عنى بها الآخرين ولم يعن بها نفسه.
فلماذا فشل؟.
اولا: لانّه لم يستفد من تجربة الطاغية الذليل صدام حسين عندما تمحور ذهنه حول السلطة فقط، فظنّ انها كل شيء، ليكتشف متأخراً بانها لا شيء.
ظنّ ان الفلك قد توقف عند لحظة اعتلائه السلطة، فلم يعد يدور ويدور، فبنى كل شيء في ذهنه على هذا الأساس، حتى قال (بعد ما ننطيها) ناسيا القول المأثور (لو دامت لغيرك، ما وصلت اليك).
ثانيا: لانه تنكّر لماضيه ولتاريخه ولانتمائه، فلم يتذكر انه ينتمي الى مدرسة يقول مؤسسها عن السلطة انها لا تساوي عنده شِسع نعله ما لم يُقِم حقاً ويدحظ باطلا، بل ان الدنيا برمتها {أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز} ولم يتذكّر انه نتاج حزب (ديني) عريق وُلِد من رحم المرجعية وترعرع في كنفها فظلت ترعاه أخلاقيا وحركيا وجهاديا وفكريا وثقافيا مدة مديدة حتى وقف على قدميه.
ثالثا: لانه لخّص الحزب بالمقرّبين منه فقط، ثم بالعشيرة، ثم بالاقرباء فقط، فخسر الحزب والعشيرة والأقرباء وكل شيء.
رابعا: لانّه خسر نقاط قوته الواحدة تلو الاخرى، بدءا بالمرجعية، وهي أقواها، مرورا بالشركاء الشيعة ثم الكرد ثم السنّة ثم الولايات المتحدة واخيرا الجمهورية الاسلامية في ايران التي ظلت تدعمه بكل أشكال الدعم.
خامسا: لانّه ظلّ يعتمد على مستشارين فاشلين احاط بهم نفسه، فلم يصغ لاحد غيرهم، لانهم يسمعونه الكلام المعسول والاستشارة التي يريد ان يسمعها وليست التي يجب ان يسمعها.
سادسا: لانّه ظل يوظف سياسة صناعة الأزمات حتى اللحظة الاخيرة، ناسيا او متناسيا ان هذه مثل هذه السياسة قد تنجح لمرة واحدة او مرتين ولكنها من المستحيل ان تحقق نجاحات مستمرة طوال الوقت.
سابعا: لاّنه تحمّل كل المسؤوليات فجمعها بيده فقط ليكتشف متأخراً بان هذه السياسة، هي الاخرى، فاشلة لن تنجح في بلد متعدد في كل شيء كالعراق.
ثامنا: لانّه انشغل بالسلطة وتثبيت أركانها فلذلك غفل عن اي إنجاز آخر، إنْ على صعيد التربية والتعليم والبيئة والصناعة والزراعة والنقل والصحة والكهرباء والإعمار والخدمات وغير ذلك.
تاسعا: لانّه تورّط بملفات فساد ضخمة جدا، وظل ّيتستّر على الفاسدين ويبرّر لهم ويهرّبهم اذا اقتضت الحاجة.
عاشرا: لانه اكمل مدتين دستوريتين من دون ان يكشف عن اي ملف، حقيقي او مفبرك لا فرق، ظلّ يلوّح به ضد عدد كبير من السياسيين، في إطار سياسة الابتزاز التي اتبعها كمنهج اعتمد عليه في إدارة شؤون البلاد، والحصول على تنازلات من المعنيين بها عند الحاجة.
حادي عشر: لانّه ظل يعتمد على أبواق مهرّجة في الاعلام، ومن كلا الجنسين، اكثر من اعتماده على الدبلوماسية.
ثاني عشر: لانّه قرّب ايتام النظام البائد بحجة انه يمسك بتلابيبهم جراء احتفاظه بملفاتهم الخطيرة، فسلّمهم المنظومة الأمنية بالكامل، بما فيها الاستخبارات.
ثالث عشر: لانّه ظل يَعِدُ ولم يف بشيء، فوعد بالقضاء على الارهاب ولم يف، ووعد بحل مشكلة الكهرباء ولم يف، ووعد بعشرة آلاف زمالة تعليمية ولم يف، ووعد بمئة يوم ولم يف، ووعد بسكن لكل مواطن ولم يف، ووعد كثيرا ولم يف.
رابع عشر: لانه خرق الدستور اكثر من (٢٠) مرة، منها تدخله السافر في شؤون القضاء، وعدم مثوله أمام البرلمان للمساءلة او حتى للاستضافة، وكذلك تجاوزه على الهيئات المستقلة وربطها بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، وعدم ترشيح الدرجات الخاصة لمجلس النواب قبل تعيينهم، كالمستشارين مثلا، وغيرها الكثير.
خامس عشر: لانه أدار البلد بالوكالة، اقصد في الوزارات والمدراء العامين، فجمع بيده مثلا عدة مهام فأضاعها كلها.
سادس عشر، واخيرا؛ لانه أضاع نصف العراق.
هي تجربة، وكم اتمنى ان نتعلم منها بلا تحيّز او تعصب، فلو كنا قد تعلمنا من تجربة الطاغية الذليل صدام حسين لما كان حالنا عما عليه اليوم، فهل سيضع البديل هذه التجربة نصب عينيه؟.