مستشفيات الموصل مهدة بالتوقف والأطباء ينصحون المرضى بـ"الموت الهادئ" في بيوتهم
بتاريخ : 27-07-2014 الساعة : 02:53 PM
مستشفيات الموصل مهدة بالتوقف والأطباء ينصحون المرضى بـ"الموت الهادئ" في بيوتهم
صُعق محمد وهو يستمع لكلام الطبيب في مستشفى الموصل، الذي طالبه بإخراج والدته المريضة وتركها "تموت بهدوء وراحة" في المنزل لانعدام الخدمات العلاجية في المستشفى، وازدادت حيرته عندما أبلغه القائمون على المستشفى أنها قد تضطر لغلق أبوابها قريباً إذا ما استمرت الأوضاع الحالية في المدينة.
ويقول محمد وهو يحاول أن يحبس دمعته، في حديث إلى (المدى برس)، إن "والدتي مصابة بأمراض مزمنة وتحتاج دخول المستشفى بين مدة وأخرى لتكون تحت رعاية الأطباء وتلقي العلاج اللازم"، مبينا أن "الأطباء يشكون من نفاذ الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة وندرة المتاح لديهم من مستلزمات العلاج الأخرى ويخشون من توقف عمل المستشفى من جراء ذلك".
ويؤكد القائمون على مستشفيات الموصل نفاذ الكثير من الأدوية الضرورية لاسيما المسكنة، مثل حقن الترامال والبراساتول، والمخدر المستعمل في العمليات، والمحاليل الوريدية، وغيرها من المستلزمات العلاجية، واضطرارهم إغلاق العديد من الردهات والأقسام والمختبرات نتيجة ذلك، منذ سيطرة تنظيم (داعش) على المدينة والحصار الحكومي عليها.
ويقول الطبيب في مستشفى الموصل، منهل يونس، في حديث إلى (المدى برس)، إن "الرصيد الموجود في غالبية مستشفيات الموصل يكفيها لـ20 يوماً فقط في الوضع الاعتيادي، أي عندما يكون التجهيز مستمراً للأدوية والمستلزمات الطبية"، ويضيف أن "امداد مستشفيات الموصل باحتياجاتها من الأدوية والمستلزمات الطبية توقف منذ الخامس من حزيران المنصرم، حيث بدأت عملية منع التجوال من قبل القوات الأمنية مع بدء دخول الجماعات المسلحة إلى المدينة".
ويوضح يونس، أن "التقنين والتدبير مكن مستشفيات الموصل من الصمود أكثر من 40 يوماً، مع عدم وصول المواد الطبية من قبل وزارة الصحة أو المنظمات الدولية"، ويؤكد أن "إدارة المستشفيات اضطرت لتحديد الحالات التي تقبلها بتلك الحرجة التي تحتاج التداخل الجراحي الفوري، مثل رفع الزائدة الدودية والولادة الاصطناعية والكسور وحالات الإصابة من جراء القصف".
ويتابع الطبيب الموصلي، أن "الأطباء اضطروا بعد ذلك لإجراء العمليات من دون مخدر لعدم توافره"، ويلفت إلى أن "العمل بالمستشفيات الموصلية سيتوقف تماماً إذا ما نفذت الكميات القليلة المتبقية من المواد العلاجية اللازمة".
يذكر أن مستشفيات الموصل تواصل استقبال مختلف الحالات المرضية، خلال أوقات الدوام الرسمي، في شعبة الطوارئ، لكنها لا تقدم الخدمات العلاجية إلا للحالات الطارئة، وهو ما أدى إلى عزوف غالبية المرضى عن مراجعتها باستثناء غير القادرين على تحمل أسعار "السوق السوداء" بسبب نفاذ مدخراتهم المالية.
ويقول الطبيب أيسر، من مستشفى ابن الأثير للأطفال، في حديث إلى (المدى برس)، إن "حالات الإصابة بالإسهال والتهاب الأمعاء والمعدة تضاعفت أربع مرات عما قبل لاسيما لدى الأطفال"، ويبين أن "نعطل عمل المختبرات والأقسام الصحية والبيئية تحول دون تحديد الأسباب".
ويذكر أيسر، أن "الأهالي يصطفون في طوابير أمام غرف الأطباء حاملين أطفالهم الذي يعانون من الاسهال والجفاف، من دون توافر إمكانيات علاجهم باستثناء كمية قليلة من المغذيات توشك على النفاذ"، ويضيف أن "غالبية المراجعين يواجهون الأطباء بالدموع إذا ما كتبوا لهم على علاج ينبغي تأمينه من الصيدليات الأهلية لعدم قدرتهم على دفع ثمنه".
بالمقابل يقول المواطن عمر عبد الرحمن، في حديث إلى (المدى برس)، إن "المنظر الذي شاهدته في المستشفى كان مرعباً عندما أخذت ابنتي المصابة بالإسهال إليه"، ويضيف "لم أر هذا العدد الكبير من الأطفال المرضى في المستشفى وسط حيرة الأطباء وقلة إمكانياتهم العلاجية".
ويذكر عبد الرحمن، أن "الطبيب أبلغني بضرورة الإسراع بتأمين العلاج اللازم لأبنتي من الصيدليات ألأهلية لعدم توافره في المستشفى"، ويؤكد أن "الكثير من العوائل كانت تقف حائرة لا تدري كيف تؤمن العلاج لأبنائها في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها".
كما تعاني مستشفيات الموصل من قلة الملاكات الطبية والصحية، لاسيما الاختصاصية، بسبب نزوحها عن المدينة على خلفية الأحداث التي شهدتها، وخشيتهم من التعرض للعنف.
ويقول الممرض عدي مؤمن، في حديث إلى (المدى برس)، إن "عدد الملتزمين بالدوام في المستشفيات من الأطباء والملاكات الصحية والساندة والإدارية، يتناقص منذ الـ11 من حزيران المنصرم"، ويعزو ذلك إلى "عدم تسلم الرواتب ونفاذ المدخرات المالية للكثير منهم، حتى أن العديد من الممرضين والموظفين لم تعد لديهم مبالغ تكفي للتنقل".
وإذا ما كان مرضى المستشفيات الاعتيادية يمكن أن يجدوا الأدوية في الصيدليات الأهلية، فإن "مصيبة" أولئك المصابين بالأمراض السرطانية أدهى وأمر، إذ يعاني مستشفى الطب الذري، هو الآخر من عدم توافر العلاج الكيمياوي الخاص بهم، فضلاً عن توقف الأجهزة التي تعالج الأورام بالإشعاع لعدم توافر الكهرباء.
على صعيد متصل تعاني الصيدليات الأهلية من قرب توقف عملها، نظراً لقرب نفاذ مخزون المذاخر الخاصة التي تجهزها من الأدوية والمستلزمات الطبية، نتيجة قطع الطرق المؤدية للموصل.
انقطاع الكهرباء عن المؤسسات الصحية أدى بدوره إلى إغلاق الكثير من ردهات رقود المرضى والأقسام التي تقدم خدمات علاجية، وخصوصا مرضى الطب الذري وصالات غسل الكلى.
ويؤكد المعنيون أن قدرة المؤسسات الصحية في نينوى باتت محدودة جداً ولن تمكنها من الصمود طويلاً وستضطر إلى غلق أبوابها إذا ما بقي الوضع على ما هو عليها من عدم وصول الأدوية والمواد الطبية وانقطاع الكهرباء وقلة الملاكات، ويناشدون وزارة الصحة والمنظمات الدولية والمحلية الإنسانية والإغاثية بضرورة توفير الدواء وايجاد طرق لإدخاله إلى المحافظة لاسيما مدينة الموصل، لمنع انهيار الواقع الصحي وتفشي الأمراض والأوبئة.
يذكر أن الموصل تضم نحو 10 مستشفيات عامة وتخصصية تقدم الخدمة لنحو أربعة ملايين نسمة.
يذكر أن تنظيم (داعش) قد فرض سيطرته على مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى،(405 كم شمال العاصمة بغداد)، في (العاشر من حزيران 2014)، كما امتد نشاطه بعدها، إلى محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى.