بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين وعلى من تبعهم بصدق وإخلاص وإيمان إلى قيام يوم الدين. اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، اللهم افتح علينا أبواب رحمتك يا أرحم الراحمين.
تقرير الطالب
حلّ التعارض:
ذكرنا في مسألة ولاية البنت البالغة الرشيدة على نفسها أن طوائف الروايات أربعة:
الطائفة الاولى: تدل على استقلال الأب فيجوز له عقد التزويج واجبارها ولو كانت كارهة، وذهب إليه الكثير من فقهاء العامة وبعض أصحابنا كما عن الشيخ الطوسي (ره). والروايات التي استدلوا بها معتبرة.
الطائفة الثانية: ما يدل على التشريك بينهما وللأب حق النقض، يشترط رضاه.
الطائفة الثالثة: استقلالها كليا على نفسها فتستطيع أن تزوج نفسها ولو من دون رض أبيها.
الطائفة الرابعة: التفصيل بين المالكة أمرها فلها الولاية على نفسها، وغير المالكة أمرها فليس لها الولاية، بل أبوها هو الولي.
وذكرنا أن سبب الخلاف الكثير هو اختلاف الروايات وتعارضها وأنهم حاولوا التخلص من التعارض بوجوه عدّة، لكن للتخلص من هذا التعارض نقول:
المختار في المسألة أننا نلتزم بروايات التفصيل، إذا كانت مالكة أمرها فلها الحرية بتزويج نفسها، وإن لم تكن مالكة أمرها فهي مشتركة في الولاية مع الأب على نحو " الواو" لا على نحو " أو ". وهذا الاختيار ليس من باب الجمع التبرعي كما ذهب إليه بعضهم، بل جمع من ظاهر الروايات لأننا ذكرنا أن الجمع التبرعي لا دليل عليه. والطائفة الاولى التي تقول باستقلال الأب لم تحمل على التقية وهذا ممكن لأننا ذكرنا أن أبناء العامة يختلفون بأقوالهم، بعضهم يقول بحق الاختيار واستقلال الأب في الولاية وبعضهم كان لا يقبل ذلك، بل بعضهم يقول باستقلال البنت. لذلك مسألة التقية يفرض أن تكون التقية من حاكم ذلك الزمان، فإذا وردت الروايات عن الصادق (ع) فالذي كان في زمانه أبو حنيفة و ابو يوسف ولم يكن أبو حنيفة يقول بإجبار البنت، بينما كان ابن ابي ليلى قاضي القضاة بعد ذلك في زمن المعتصم أي في زمن الهادي والعسكري (عليهم). فعندما ينقسم نفس أبناء العامة لا تكون هناك تقيّة نعم، تكون تقيّة مع الاختلاف بملاحظة حاكم ذلك الزمن وما هو الرأي الذي كان يُتَّقى.
نعود إلى الطوائف الأربعة:
قلنا في الطائفة الاولى أن عقد الزواج ليس كبقية العقود ينظر فيه للمصلحة والمفسدة فقط فيه مصلحة وعدم مفسدة بل أن هناك نفس وجسد، الزواج ليس كبيع قطعة أرض، الأب قد يشخص المصلحة للبنت، وذكرنا في مسألة سابقة أن ولاية الأب هي في اشتراط عدم المفسدة إجماعا أما هل يشترط أن ينظر لمصلحتها، المشهور عدم اشتراط المصلحة وإن ذهبنا نحن في مباحث سابقة أنه أيضا تشترط المصلحة فأصل ولايته لأجل ذلك. لكن حتى لو كان الأب يرى مصلحتها فمسألة الزواج ليست مصلحة ومفسدة وأرقام بل هناك إنسان، حياة فيها روح وهوى ورغبات، عقد الزواج يختلف عن غيره، تصوروا أن الأب يريد أن يزوج البنت وهي لا تطيق الزوج، تصور نفسك قد أجبرت على معاشرة امرأة لا تطيقها، والمسألة الجنسية والعاطفية مهمة في الزواج، اليس هذا ظلما؟ القرآن يقول: " وما ربك بظلام للعبيد ". فتفسير الروايات التي ذكروها " ليس لها مع وليها أمر " وإن كانت ظاهرة بأن ليس لها حتى تزويج نفسها، ليس لها شيء، كليا سحق لدورها. قلنا أنه بهذه القرائن " ما خالف قول ربنا لم نقله " بالقرينة العقلية بأنه ظلم وبمخالفة الكتاب، وقرائن الروايات الأخرى التي تدل على استقلال البنت إما مطلقا وإما في بعض الموارد كما لو كانت مالكة أمرها، بالقرينة العقلية والنقلية فإن روايات الطائفة الاولى نفسرها بأمر آخر يمكن حينئذ استظهاره، وهو أنها ليس لها أمر مستقل أي أنها إذا عقدت تحتاج إلى إذن أبيها. وايضا يدل على هذا المعنى الروايات الواردة التي جعلوها من الطائفة الأولى كـ " لا ينقض النكاح إلا الأب " فإنها تعني أنه كان هناك نكاح ابرمته هي وللأب الولاية بمعنى حق النقض، فهذا هو التشريك. هذه الروايات جعلوها من الطائفة الاولى التي تدل على استقلال الأب ولكنها ظاهرة في التشريك فببركتها وببركة القرينة العقلية ومخالفة الكتاب وروايات استقلال البنت تفصيلا أو اجمالا، نستطيع تفسير أو حمل هذه الروايات التي فيها ظهور أن المراد من قوله (ع) " ليس لها مع ابيها أمر " أنها تستطيع أن تزوج نفسها لكن تحتاج إلى إذن الأب.
سؤال: الحرمة هنا في عقدها حرمة تكليفية أو وضعية.
الجواب: حرمة وضعية لأنها لم ترتكب محرما، نعم هذا العقد باطل إذا لم يأذن به الولي والبطلان حكم وضعي، نفس العقد باطل ولم تقم بمحرم إلا بعد العلاقة بدون إذن الاب، نعم لو قامت بادعاء صحته أصبح بدعة فيحرم من جهة البدعة.
إذن الطائفة الاولى قسمان: القسم الاول " ليس لها مع وليها أمر " أصبحت ظاهرة ببركة الروايات الأخرى " لا ينقض النكاح إلا الأب " هذه تفسر تلك وببركة الكتاب " وما ربك بظلام للعبيد " والروايات الأخرى يصبح عندنا ظهور في معنى هذه الروايات أن له حق النقض اصبح هناك تشريك في الولاية وليس بمعنى انه ليس لها الحق أن لا تزوج نفسها كليا. ثم في ضمن الروايات الاولى بعض الروايات الصريحة في استقلال الأب مثل " وإن كانت كارهة " لذا قال بعض الفقهاء أنه يجوز له اجبارها فماذا نفعل بها؟
نقول: أنه لا بد من حملها على معنى آخر، إما أن تكون جارية صغيرة سفيهة أو ترغيبها في امتثال أمر أبيها، وإلا " ما خالف قول ربنا لم نقله " " زخرف " باطل " اضرب به عرض الحائط ". فإذا الرواية الاولى أصبحت ظاهرة في التشريك أي اصبحت الطوائف ثلاث: إما التشريك أو استقلال البنت أو التفصيل بين المالكة أمرها وغير المالكة أمرها. فنقول: أن روايات التفصيل هذه مقدمة على رواية التشريك وتكون هي الحاكم والفصل والجامع بين الروايات.
والوجه في ذلك: أولا أن روايات التشريك عام وهو " كل فتاة بالغة رشيدة بكر لا بد من إذن أبيها " فإذا جاءت رواية تقول: " الفتاة البكر الرشيدة المالكة أمرها ليس لوليها أن ينقض العقد " هذا خاص، والخاص هو المالكة أمرها لأنه بعض البنات، فتكون روايات المالكة أمرها مقدمة على روايات التشريك من باب تقديم الخاص على العام، وأن المقيَّد يقدم على المطلق. فتقديم هذه الروايات المفصلة على روايات التشريك من هذا الباب، فلا يوجد جمع تبرعي بل هو جمع استظهاري، لان المالكة أمرها أخص من مطلق البنت. فيتم الجمع بين هاتين الطائفتين.
يبقى طائفة استقلال البنت أيضا هذا عام " كل بنت بالغة راشدة لها الولاية على نفسها " ففي نفس الرواية " غير المالكة أمرها لا ولاية على نفسها بل تحتاج إلى إذن الأب " فغير المالكة أمرها أخص من عموم استقلال البنت بالولاية فتقدم من باب تقديم الخاص على العام ومن باب الاستظهار، جمع ظهوري وليس تبرعيا. حينئذ نستطيع الذهاب إلى القول بأن روايات التفصيل بين المالكة أمرها وغير المالكة أمرها صالحة للجمع بين الطوائف المتعارضة. المالكة أمرها لا ولاية لاحد عليها تستطيع أن تزوج نفسها، وغير المالكة أمرها لا بد من إذنِ أبيها. ننتهي إلى أن هذه الروايات صالحة للجمع بين المتعارضات ولسنا بحاجة إلى إي أمر آخر من باب تقديم الخاص على العام، ولذلك نذهب إلى أن روايات التفصيل وبالوجدان التقي وليس بالوجدان العقلي، إذا كان للبنت كل الحرية في التصرف كما في الرواية فهل تمنع في خصوص عقد الزواج؟!، فنرى أن الروايات منسجمة مع الطبيعة العقلائية.
غدا يبقى عمومات الكتاب ماذا تقتضي؟