على الممهد ان يفهم ان هناك مجموعه تعمل في الخفاء تساند وتازر عمل الامام ومنهم الخضر عليه السلام وأنَّ القيام بأدوار يمكن أن يتمّ في ظلّ الخفاء، ويتمّ في ظلّ السرّية،
والبطاقة والهوية الشخصية لهذه المجموعة ولهذه المنظومة أنَّ لديها علماً لدنّياً تتَّصل مع بعضها البعض وتقوم بالأدوار بالتنسيق فيما بين بعضها البعض بواسطة العلم اللدنّي، وليس هو علم عبر الآلات وعبر الإنترنت أو عبر الأقمار الصناعية أو عبر ذبذبات الأثير في الهواء التي يمكن التغلّب عليها واختراقه، وإنَّما عبر العلم اللدنّي، هذا الذي لا يصل إليه البشر، وهو الذي يوحّد أدوار هذه المجموعة وهذه المنظومة بحسب نصّ القرآن الكريم، ومن ثَمَّ تكون هذه في تمام الخفاء والسرّية وممَّا لا يمكن اختراقه أو ما لا يمكن التغلّب عليه. وهذه المجموعة هي حراسة ضمانية لبقاء الدين بأيدٍ بشرية، هذا الذي نذكره كلّه من إفادات وجواهر روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فهم الذين نبّهونا وأرشدونا إلى مثل هذه الحقائق العلمية الموجودة في ظهور القرآن الكريم، وطريقة اللقاء بين النبيّ موسى وهو المستأمن من الله على خلقه وصاحب شريعة، مع فرد من تلك المجموعة كان عبر تشفير علامة أمنية خاصّة لم يفشها النبيّ موسى حتَّى إلى يوشع بن نون فتاه ووصيّه، أنظر السرّية، هكذا يحدّثنا القرآن الكريم، أنَّ تلك العلامتين وهما: مجمع البحرين ونسيان الحوت لم يكن يدري بها حتَّى فتى موسى، وكان موسى هو وحده الذي أعلمه الله تعالى بهما، هذه كلّها مؤدّيات ومفادات يبرزها لنا القرآن الكريم، ويبيّنها لنا ويلوّح بها. فهذه تعطي بصمات ودلالات على أنَّ هذه المجموعة هي في تمام الخفاء والحراسة الإلهية من جهة التخفّي ومن جهة استتار الخلفاء، والغيب المقصود هنا هو غيب المعرفة بهم، غيب الشعور بهم، وهو بهذا المعنى غائب عن علم البشر، غائب عن معرفة البشر.
يبيّن لنا القرآن الكريم أنَّ هذه المجموعة تزاول أدواراً مهمّة عصيبة مفصلية في مسار البشر في ظلّ ستار الخفاء. ومن هنا يتَّضح أنَّ قيام أيّ مولى من أولياء الله وحجّة من حجج الله بالمسؤولية الإلهية ودوره في حفظ النظام البشري ليس مشروطاً بأن يكون ظاهراً مشهوراً شخصه، بل ولو كان خفيّاً مستوراً فإنَّه يتحرَّك بسرّية ويقوم بأدواره بالتنسيق مع هذه المجموعة، فإنَّ هذا هو نوع من الاضطلاع والأداء للمسؤولية، هذا هو منطق القرآن، هذا هو بيان القرآن بعدم التلازم بين قيام الإمام بأدواره وكونه ظاهراً في العلن، وكونه مشهوراً أو معروفاً. وهناك ظواهر تدلُّ على ذلك كما في ظاهرة النبيّ موسى وغيبته. وهذه الدعامة الثالثة لحفظ الدين تابعة وتلحق بالدعامة الثانية وهي أنَّ لله خليفة في الأرض، إذن هذه المجموعة تدور في تنسيق شبكي مع خليفة الله في الأرض، كما هو مقتضى سياق السورة بعد أن ذكرت الهداية الفطرية؛ لأنَّ اللطف من الخارج للإنسان لا ينفع الإنسان ما لم يكن في داخله وفي ذاته فطرة تهديه، وهي الدعامه الاولى ثمّ تكمّل هذه الفطرة الهداية من الخارج، فما لم يكن عقل مطبوع، فلا ينفع العقل المستفاد والمكتسب.
إذن علاقة هذه الظاهرة بالإمام المهدي (عليه السلام) لكونه خليفة لله عز وجل بضرورة جملة من الآيات الكريمة الدالّة على بقاء أهل البيت (عليهم السلام) كحجّة للبشر _ وأنَّهم المبيّنون للقرآن الراسخون في العلم: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران: 7)، (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة: 77 _ 79)، وأهل آية التطهير هم أهل البيت (عليهم السلام)، يدلُّ على أنَّ هذين عِدْلان ثِقْلان مقترنان مع بعضهما البعض إلى يوم القيامة بنحو ثابت مستمرّ، (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة: 30).
فهذه المجموعة لها صلة بخليفة الله، لأنَّ الآية في صدد بيان الضمانات الإلهية لحراسة وبقاء الدين، وهذا لا يتحقَّق إلاَّ بوجود الخليفة وهو الإمام المهدي (عليه السلام) مع هذه المجموعة المباركة.
وبيان آخر لهذه الصلة وهو أنَّ هناك حججاً لله وأولياء وأصفياء يقومون بأدوار، لكن في ظلّ الستار والخفاء، في ظلّ ستار غيبة الشعور بهم، فالقرآن الكريم من استعراضه لهذه الظاهرة يريد أن يثبّت منطقاً مهمّاً، هذا المنطق هو الذي توصَّلت إليه البشرية في القرون الأخيرة، من أنَّ القيام بأدوار يمكن أن يتمّ في ظلّ الخفاء، ويتمّ في ظلّ السرّية.