نزولا عند رغبة ابي مرتضى البراك تم ادراج هذه الموضوع
---------------------
-------------------------
سعـود الفيصـل يقلب الطاولة على النظام
الاربعاء , 14 ايار / مايو 2014
بانواما الشرق الاوسط - أحمد الشرقاوي
ما أن أعلن وزير خارجية السعودية ‘سعود الفيصل’ الثلاثاء في مؤتمر صحفي عقده في الرياض، عن توجيهه دعوة لنظيره محمد ظريف وزير خارجية إيران، حتى انطلقت التحليلات الإعلامية التي تبحث عن السبق الصحفي لا الحقيقة الموضوعية، لتصوير الأمر بأنه مفاجأة من العيار الثقيل، وأن من شأن هذه الدعوة أن تفتح على تفاهمات كبيرة بين الرياض وطهران حول مجمل قضايا المنطقة، وما إلى ذلك من أوهام لا يبدو أن الظروف قد نجحت لتحويلها إلى أحلام واقعية.
هذه نظرة من لا يعرف ثوابت السياسة الإيرانية ولا المؤامرات التي تحاك في الداخل السعودي بين أقطاب الحكم.
إيران كانت دائما داعية للحوار مع السعودية من موقع القوي المنتصر، لكن بلغة المتواضع المسالم الذي يبحث عن تفاهمات سياسية لحقن دماء المسلمين و وضع حد للخطر الذي يمثله الإرهاب على المنطقة والعالم، برغم الحروب السرية والعلنية التي شنتها السعودية ضد إيران منذ نجاح ثورتها الإسلامية العظيمة سنة 1979، وما استتبعها من حملات تشويه وتحريض مذهبي بغيض لأشعال نار الفتنة بين المسلمين خدمة لإمريكا وإسرائيل.
كما وأن إستهداف السعودية لمصالح إيران المشروعة في المنطقة ومحاولة إسقاط حلفائها لكسر أدرعها التي أعدتها لمحاربة إسرائيل، لم تقابله طهران بالحرب والإنتقام، بل تعاملت معه بصبر وعقلانية، وكانت تقول دائما أن عدوها هو الشيطان الأكبر وإسرائيل، وأن السلاح الذي تطوره هو لحماية أمن المنطقة والدفاع عن المستضعفين.. ولم نسمع يوما أن إيران هددت السعودية أو شكلت خلايا إرهابية لزعزعة أمن واستقرار مملكة القهر والتكفير، بل هي من عانت من الإرهاب، سواء زمن صدام أو بعد ذلك من الحدود مع باكستان بتحريض وتمويل من السعودية ومشيخات الخليج.
إيران لم تكن تنشر مذهبها الديني في المنطقة كما كانت تفعل السعودية عندما أنفقت طوال عقود مليارات الدولارات لتسويق الفكر التكفيري الوهابي باعتباره “الإسلام” الصحيح، فخربت عقول الشباب وأفسدت المجتمعات وخلقت بيئة من الخوف والرعب لدى الشعوب، وانتهت بتشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم، وأفشلت ربيع الشعوب وسرقت ثوراتها لتعيدها إلى عهد الإقطاع والديكتاتورية (مصر أنموذجا).
وحتى نوضح الصورة أكثر، المذهب الشيعي لا ينشر بالدعوة كما هو الحال مع الدين الوهابي، لأنه مذهب يخاطب القلب والعقل معا، لكن كل في مجاله، ومن يعتنقه يدخل إليه من باب الفلسفة النبوية التي وضع أسسها الإمام علي رضي الله عنه، وبالتالي، فمن لا يملك المؤهلات المعرفية الأساسية لا يمكنه أن يفهم عما نتحدث.. بمعنى أن الدين الوهابي يبحث عن أيباع سكونون بمثابة عبيد ينفذون من غير تفكير، في حين أن المذهب الشيعي لا يروجه لمقولة أن الله يريد أعناق عبيد، بل إن الله يريد قلوب عباد أذكياء وأقوياء ورحماء فيما بينهم لكن أشداء على الأعداء.
حكام إيران ليسوا لصوص وفاسدين كما هو الحال مع أمراء السعودية الذين أوغلوا في الإفتراس وسرقة خيرات الشعب ورهن مقدرات الأجيال القادمة. وأموال الشعب الإيراني هي التي صنعت قوة ومجد إيران اليوم رغم الحصار الخانق الذي تعرضت له ظلما وعدوانا لإعاقة مسيرتها العلمية ونهضتها الحضارية الواعدة.. لكنهم فشلوا.
إيران لم تتحالف مع قوى الإستكبار يوما لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية والإسلامية، وكانت تدعو دائما لتكاثف الجهود في العالم العربي والإسلامي لمواجهة التغول الغربي كأمة، وهو ما يرعب الغرب وإسرائيل، ويعملان بخبث ودهاء لعدم حدوث هذا التلاقي.
وعندما عبرت إيران عن رغبتها بفتح حوار مع الرياض لبحث سبل التعاون في مجال الأمن الإقليمي وأمور التجارة والإقتصاد، كانت تشترط إزاحة شخصين من تشكيلة النظام كثمن رمزي لهزيمة السعودية في سورية، الأمير بندر بن سلطان والأمير سعود الفيصل. ووفق ما يتداول في الأوساط الإيرانية من معلومات، فإن إيران برغم إزاحة الأمير بندر، إلا أنها ظلت تصر على استبدال سعود الفيصل أيضا.
و وفق المعلومات التي سربت للإعلام مؤخرا، كان الحديث يدور حول قرب حلول أجل رحيل الوزير سعود الفيصل وإستبداله بنائبه حتى لا تضطرب شؤون الخارجية السعودية، لأن الفيصل هو الذي كان ممسكا بكل الملفات الخارجية للملكة.
أكثر من هذا، تتحدث تقارير عربية على أن الحاكم الفعلي في الرياض هو ‘سعود الفيصل’، وأنه في بعض الأحيان يتحدى إرادة الملك عبد الله نفسه وينفذ ما يراه مناسبا من وجهة نظره وبما يخدم مصالحه ومصالح أزلامه.
لكن، شعوره أن الملك سيقدم على إقالته تحديدا بسبب الشرط الإيراني وبضغط من الإدارة الأمريكية، جعله يفاجأ الجميع ويعلم في مؤتمر صحفي على الأشهاد، أنه لا يعارض الحوار مع إيران، بل بالعكس ها هو من يبادر بشجاعة لإستدعاء وزير خارجية طهران لزيارة الرياض.
وبإعلانه هذا، يكون ‘سعود الفيصل’ قد خرق النظم والأعراف، لأنه تمرد على إرادة الملك وخلط أوراق ‘التويجري’ مهندس التغييرات في أروقة النظام، وفي نفس الوقت أراد إحراج إيران بإعلان موقف رسمي وعلني من الدعوة.
لا أريد أن أتكهن بما سيكون عليه الرد ألإيراني، لكن كل المؤشرات تقول أن إيران سترفض دعوة الفيصل التي أتت في وقت حساس لتفشل مساعي أمير الكويت، وقد تطالب بلقاء بين الملك وروحاني، وهو ما ترفضه السعودية غي هذه المرحلة.
هذا يعني أن مبادرة سعود الفيصل ليست مبادرة ما نسميه تجاوزا بـ”الدولة السعودية”، بل هي مبادرة خاصة أراد أن يقول من خلالها هذا العجوز “الهزاز” (أنا السعودية والسعودية أنا).
ما أقدم عليه سعود الفيصل هو انقلاب بمعنى الكلمة داخل الأسرة الحاكمة وقبل الأوان الذي كنا نتوقعه.. وإيران قد لا يكون من مصلحتها الإنخراط في لعبة الشد والجذب التي يلعبها أقطاب النظام في المملكة. وستجد الطريقة الدبلوماسية للتعامل معها من دون أن تتنازل عن شرطها ومن دون أن تحرج المملكة أيضا.
وحتى تتضح الصورة بشكل دقيق، لقد سبق وأن وجهت السعودية دعوة رسمية للرئيس رفسنجاني لزيارة الرياض، فخرجت الأقلام لتبشر بقرب انفراج بين طهران والرياض سينعكس إيجابا في لبنان وسورية والمنطقة، لكن رفسنجاني رجل دولة وابن النظام، اعتذر وقال أنه ليس العنوان المناسب للدعوة لأنه لن يفيد بشيىء في موضوع اغلعلاقات الإيرانية السعودية. فسقطت اللعبة وفهمت الرياض أنها لا يمكن أن تدخل البيت الإيراني من النافذة.
ما أراد فعله سعود الفيصل بإعلانه المدوي هذا هو بعث راسلتين:
الأولى لأمريكا تقول: “لقد انخرطت طوال عقود في حربكم القذرة ضد إيران ومحورها في المنطقة، واليوم أنا على استعداد للتحول إلى رجل حوار”.
أما الثانية، فكانت للملك وفادها: إن “إحالتي إلى التقاعد خط أحمر، لأن الأمراء كالملوك لا يتقاعدون إلا بالموت”.
هذا هو ملخص الحكاية، ولنراقب ونرى ما سينتج عن هذا الإعلان من تداعيات في الداخل السعودي أساسا فيما يمكن أن نسميه بـ”حرب الأمراء في مملكة القهر والصمت”.