بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
لسماحة :الشيخ جعفر السبحاني
*** محبة اهل البيت في قلوب المؤمنين ***
إن الإيمان بالله و العمل الصالح يورث محبة في قلوب الناس، إذ للإيمان أثر بالغ في القيام بحقوق الله أولا، و حقوق الناس ثانيا، لا سيما إذا كان العمل الصالح نافعا لهم، و لذلك استقطب المؤمنون حب الناس، لدورهم الفعال في إصلاح المجتمع الإنساني. و هذا أمر ملموس لكل الناس، و إليه يشير قوله سبحانه:{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم/96] .
و بما أن الأنبياء بلغوا قمة الإيمان كما بلغوا في العمل الصالح ذروته، نرى أن لهم منزلة كبيرة في قلوب الناس لا يضاهيها شيء، لأنهم صرفوا أعمارهم في سبيل إصلاح أمور الناس و إرشادهم إلى ما فيه الخير و الرشاد. هذا حال الأنبياء و يعقبهم الأوصياء و الأولياء و الصلحاء.
أخرج أبو إسحاق السعدوي في تفسيره باسناده عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم لعلي:« اللهم اجعل لي عندك عهدا، و اجعل لي في صدور المؤمنين مودة »،فأنزل الله تعالى الآية المذكورة آنفا.
إن أهل البيت عليهم السلام لأجل انتسابهم إلى البيت النبوي الرفيع حازوا مودة الناس و احترامهم بكل وجودهم. و قد أشير إلى ذلك في آثارهم و كلماتهم.
روى معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن حب علي عليه السلام قذف في قلوب المؤمنين، فلا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق، و إن حب الحسن و الحسين عليهما السلام قذف في قلوب المؤمنين و المنافقين و الكافرين فلا ترى لهم ذاما، و دعا النبي صلى الله عليه و آله و سلم الحسن و الحسين عليهما السلام قرب موته فقبلهما و شمهما و جعل يرشفهما و عيناه تهملان» (1) .
و قد تعلقت مشيئته سبحانه على إلقاء محبتهم في قلوب المؤمنين الصالحين، حتى كان الصحابة يميزون المؤمن عن المنافق بحب علي أو بغضه.
روى أبو سعيد الخدري، قال: إنا كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام. (2)
و قد تضافر عن علي أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، انه لعهد النبي الأمي إلي: انه لا يحبني إلا مؤمن و لا يبغضني إلا منافق». (3)
و يروى عنه عليه السلام أيضا أنه قال: و الله إنه مما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه لايبغضني إلا منافق و لا يحبني إلا مؤمن. (4)
و قد أعرب عن ذلك الإمام علي بن الحسين عليهما السلام في خطبته في جامع دمشق، عند ما صعد المنبر و عرف نفسه فحمد الله و أثنى عليه، ثم خطب خطبة أبكى منها العيون، و أوجل منها القلوب، ثم قال:
«أيها الناس أعطينا ستا و فضلنا بسبع، أعطينا: العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبة في قلوب المؤمنين». (5)
و لا عجب في أنه تبارك و تعالى سماهم كوثرا أي الخير الكثير، و قال: إنا أعطيناك الكوثر ...
قال الرازي: الكوثر: أولاده، لأن هذه السورة إنما نزلت ردا على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلا يبقون على مر الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت عليهم السلام، ثم العالم ممتلئ منهم و لم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم انظركم كان فيها من الأكابر من العلماء كالباقر و الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام (6) .
إن محبة النبي صلى الله عليه و آله و سلم للحسين عليه السلام لم تكن محبة نابعة من حبه لنسبه بل كان واقفا على ما يبلغ إليه ولده الحسين عليه السلام في الفضل و الكمال و الشهادة في سبيله، و نجاة الأمة من مخالب الظلم،و الثورة على الظلم و الطغيان،
و هناك كلام للعلامة المجلسي يقول:
إن محبة المقربين لأولادهم و أقربائهم و أحبائهم ليست من جهة الدواعي النفسانية و الشهوات البشرية، بل تجردوا عن جميع ذلك و أخلصوا حبهم، و ودهم لله. و حبهم لغير الله إنما يرجع إلى حبهم له، و لذا لم يحب يعقوب من سائر أولاده مثل ما أحب يوسف عليه السلام منهم، و لجهلهم بسبب حبه له نسبوه إلى الضلال، و قالوا: نحن عصبة، و نحن أحق بأن نكون محبوبين له، لأنا أقوياء على تمشية ما يريده من أمور الدنيا، ففرط حبه يوسف إنما كان لحب الله تعالى له و اصطفائه إياه فمحبوب المحبوب محبوب. (7)