والشعوبية لغة : جمع شعوبي نسبة للشعب ، وقد تطلق ويراد بها النزعة العدائية للعرب ، وهي بالإطلاق الثاني مصدر صناعي ، والشعوبي في إطلاق آخر هو الذي يسوي بين العربي وغيره ولا يفضل العربي وقد اشتق هذا الاسم من الآية الكريمة * ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) * الحجرات / 13 .
وذلك لأن المسلمين من غير العرب دعوا إلى التسوية وكانت هذه الآية من شعاراتهم ، ومن شعاراتهم الحديث النبوي الشريف لا فضل لعربي على عجمي كلكم لآدم وآدم من تراب ، ثم توسع العرب فأطلقوا لفظ الشعوبي على من يحقر العرب وتوسعوا
بعد ذلك فأطلقوه على الزنديق والملحد ، معتبرين الزندقة والإلحاد مظهرا ينم على كره العرب لأنه كره لدينهم ، ثم أطلق بعد ذلك على الموالي .
أسباب نشوء الشعوبية : تنقسم الأسباب إلى قسمين : القسم الأول : فعل والثاني رد فعل ، وهذا الأخير أعني ردة الفعل : ملخصه أن العرب كانوا في الجاهلية ممزقين لا تجمعهم جامعة ، وكانت الدولة لغيرهم ، فجاء الإسلام ووحدهم وأوطأهم
عروش كسرى وقيصر فنظر العرب فجأة فإذا بهم أمة عظيمة بيدها أكثر من سلاح تخافها الأمم وينظر إليها الناس بإجلال باعتبارها المبشرة بالإسلام والحاملة لتعاليمه ، فنفخ ذلك فيهم روح الغرور وأخذوا يعاملون الشعوب التي افتتحوها معاملة
فيها كثير من الغطرسة والصلف ولم يسووهم بهم ، ومنعوا الموالي من الزواج بالعربية وسموا من يولد من زواج كهذا
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 208
هجينا ، وكانوا إذا نزل عربي بحي من أحيائهم فمن العار أن يباع عليه الطعام بيعا بل يقدم له بعكس الموالي : يقول جرير الشاعر : وقد نزل ببني العنبر فلم يضيفوه وباعوه القرى بيعا : يا مالك بن طريف إن بيعكم * رفد القرى مفسد للدين والحسب قالوا نبيعكم بيعا فقلت لهم * بيعوا الموالي واستحيوا من العرب ( 1 )
وذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون : لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة : حمار ، أو كلب ، أو مولى ، وكانوا لا يكنون المولى ولا يمشون معه في الصف ولا يواكلونه بل يقف على رؤوسهم فإذا أشركوه بالطعام خصصوا له مكانا ليعرف أنه مولى وكانت الأمة لا تخطب من أبيها وأخيها وإنما من مولاها وكانوا في الحرب يركبون الخيل ويتركون الموالي مشاة ( 2 ) .
ومن الحق أن يشار إلى أن فعل العرب هذا بالموالي هو ردة فعل لما كان يعامل به العرب من قبل الروم والفرس ، وكان ما أشرنا إليه من معاملة للموالي هو على مستوى سائر الناس ، أما ما كان على مستوى الحكام فكان لا يلتقي بحال من الأحوال
مع الإنسانية وخصوصا ولاة الأمويين كالحجاج الذي لم يرفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة ، والذي وسم أيدي الموالي وردهم إلى القرى لما هاجروا للمدن ( 3 ) كل ذلك دفع هؤلاء الموالي إلى تبني شعار الإسلام والدعوة للمساواة فسموا أهل
التسوية ، ثم مرت ظروف أدت إلى رفع شأن الموالي خصوصا أيام عمر بن عبد العزيز وما بعده فتحفزوا لإثبات وجودهم وتطور الأمر بعد ذلك أن بدأت ردود الفعل تشتد فتصل إلى احتقار العرب وشتمهم . أما القسم الثاني : الذي هو فعل فهو امتداد للعصور السالفة عندما كان العرب أيام الأكاسرة
والقياصرة ليس لهم شأن يذكر ، وقد اختفت هذه النظرة للعرب لفترة طويلة بعد حكم الإسلام هذه الشعوب ، ولكن عادت إلى الظهور بفضل عوامل كثيرة لا سبيل للإفاضة بها هنا ، وساعد على هذا أن الموالي من أمم ذات خلفية حضارية فكان أن نبغ
مجموعة من الشعوبيين من مختلف الشؤون الإدارية والعلمية فلعبوا دورا كبيرا في أبعاد المجتمع المختلفة ، يضاف لذلك أن الدولة العباسية اعتمدت على كثير منهم لأمرين :
الأول : لحاجتها لتنظيم شؤون الدولة والاستفادة من خبرات هذه الأمم في التطبيق وما لهم من قدم وعراقة في ذلك وتشبها بهم في البذخ والترف .
والثاني : للاستعانة بهم في كسر شوكة العرب لأنهم خافوا من العرب وخصوصا عندما شاهدوا ميل العرب للعلويين ، وقد لعب الفرس والترك دورا شرسا في كسر شوكة العرب وتحقيق مآرب العباسيين في ذلك ولكنهم بعد ذلك قضوا على الخلافة العباسية وحتى على مظهرها العربي ، وأحالوا بغداد إلى مؤسسة انمحت فيها آثار العروبة في تفصيل ليس محله هنا .
مظاهر الشعوبية : المجالات التي ظهرت فيها الشعوبية أهمها الأدب بقسميه الشعر والنثر ، ابتداءا من أيام الأمويين حتى العصر العباسي ، وظهرت في التاريخ مرويات تحط من شأن العرب وترفع من غيرهم ، ومظاهر أخرى تجسدت في إحياء
طقوس وعادات وعقائد كانت عند بعض تلك الأمم التي دخلت الإسلام ، وحتى السلوك الاجتماعي عند الحكام والمواطنين في الأكل واللباس وأنماط السلوك الاجتماعي الأخرى ظهرت عليها سمات غير عربية وكان طبيعيا أن يكون هناك اقتباس لو اقتصر على ذلك ولكنه اقتباس يرافقه تحدي وفخر بهذا المظهر وحط من مظاهر العرب وانتقاص من أنماط معيشتها وحياتها .
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 210
علاقة الشعوبية بالتشيع : وبعد هذه الجمل الموجزة عن الشعوبية نتساءل ما هي علاقة الشعوبية بالتشيع ؟ وما هو منشأ رمي التشيع بالشعوبية الأمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين أن يقول : وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه وستارهم الذي يتسترون به ( 1 ) .
إن رمي التشيع بالشعوبية أمر يدعو للاستغراب فليس هناك أي علاقة بين الشعوبية والتشيع ، وسنحاول استقصاء الأمور التي تكون علامة أو منشأ للشعوبية لنرى أين مكان الشيعة من هذه الأمور ، وبالتالي ما هي قيمة هذه التهمة :
1 - الأصل غير العربي : لم يكن الشيعة الرواد والذين يلونهم : من الموالي أو من أي عنصر غير العنصر العربي كما أسلفنا ذلك وذكرناه مفصلا فيما سبق من هذا الكتاب فلا حاجة لإعادته .
2 -مواقف الشيعة إزاء العروبة : لقد وقف مؤلفوا ومفكروا الشيعة إزاء العروبة والعرب موقفا جليلا في تكريم العرب وتكريم الفكر العربي والإشادة بإسهامه في خدمة الشريعة مبرهنين على أن الله تعالى كرم العرب بحملهم للرسالة وجعل لغة القرآن الكريم لغتهم ، واعتبر أرضهم مهدا لانطلاق الدعوة والذود عن حياضها وقد شرحنا موقفهم من اللغة وعروبة الخليفة وغير ذلك مفصلا .
3 -موقفهم من حضارة العرب : لم يكن للشيعة موقف سلبي إزاء حضارة العرب بل العكس فالشيعة هم الرواد الأوائل في خدمة الحضارة العربية في مختلف أبعادها وإليك شريحة من
* ( هامش ) *
( 1 )ضحى الإسلامج1 ص 63 . ( * )
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 211
أعلامهم الذين خدموا في ميادين الثقافة
فمن الرواد في علم السير والتواريخ عبد الله بن أبي رافع صاحب كتاب تسمية من شهد من الصحابة مع علي ( ع ) ، ومحمد ابن إسحاق صاحب السيرة النبوية ، وجابر بن يزيد الجعفي
ومن الرواد في علم النحو : أبو الأسود الدؤلي ، والخليل بن أحمد إمام البصريين ، ومحمد بن الحسين الرواسي إمام الكوفيين وأستاذ الكسائي والفراء ، وعطاء بن أبي الأسود الدؤلي ، ويحيى المبرد بن يعمر العدواني ، ويحيى بن زياد الفراء ،
وبكر بن محمد أبو عثمان المازني ، ومحمد بن يزيد أبو العباس المبرد ، وثعلبة بن ميمون أبو إسحاق النحوي ، ومحمد بن يحيى أبو بكر الصولي ، وأبو على الفارسي الحسن بن علي ، والأخفش الأول أحمد بن عمران ، ومحمد بن العباس أبو بكر
الخوارزمي الذي يقول عنه الثعالبي في يتيمة الدهر : نابغة الدهر وبحر الأدب وعيلم النظم والنثر وعالم الظرف والفضل ، كان يجمع بين الفصاحة والبلاغة ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر ، والتنوخي علي بن
محمد ، والمرزباني محمد بن عمران صاحب التصانيف الرائعة في علوم العربية ، وملك النحاة الحسن بن هاني ، ومعاذ الهراء واضع علم التصريف ، وعثمان بن جني أبو الفتح وأبان بن عثمان الأحمر ، ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح
المنطق ، وأبو بكر بن دريد صاحب الجمهرة ، ومحمد بن عمران المرزباني صاحب المفصل في علم البيان وصفي الدين الحلي صاحب الكافية في البديع والخالع النحوي الحسين بن محمد صاحب كتاب صنعة الشعر ، والخ ( 1 ) .
* ( هامش ) *
( 1 )تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام 46 إلى 182 ، والغديرللأميني ج3 ص 330 . ( * )