السبت , 22 شباط / فبراير 2014
بانوراما الشرق الاوسط
أحمد الشرقاوي
بإســم الأمـــن القومـــي الأمريكـــي
عندما قال رئيس وكالة الإستخبارات الأمريكية ‘جون برينان’ قبل أيام أن “سورية تمثل اليوم تهديدا جديا للأمن القومي الأمريكي”، قال المراقبون أن لا صحة لهذا الإدعاء الكاذب، لأن سورية لا تملك رؤوسا نووية، ولا أسطولا عسكريا بحريا كبيرا ببوارج عملاقة وغواصات ذرية تجوب المحيطات، ولا تملك صواريخ باليستية عابرة للقارات يفوق مداها 10.000 كلم قادرة على ولوج الأراضي الأمريكية، وبالتالي، فهي لا يمكن بحال من الأحوال، أن تمثل تهديدا ولو إفتراضيا للأمن القومي الأمريكي المفترى عليه.
كما أن سورية دولة علمانية منفتحة تشيع ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين مختلف مكونات شعبها، ولا تروج للفكر التكفيري، ولا تقيم على أراضيها مصانع للإرهاب لتصديره وراء الرمال والجبال والبحار، وبالتالي، فهي لا تمثل تهديدا جديا للأمن القومي الأمريكي.
كما أن السياسة الخارجية لسورية، هي سياسة عقلانية وموضوعية، تتعامل باحترام مع جيرانها العرب، ولا تتدخل في شؤونهم الداخلية، ولا تمول مؤامرات لإحداث إنقلابات سياسية في المنطقة، ولا تدعي أنها تمثل الزعامة القومية للعرب. وبهذا المعنى فهي لا تعادي السعودية والأردن أو قطر وتركيا، والذين يحاربون سورية اليوم إنما ينفذون أجندة أمريكية وصهيونية لا علاقة لها بمصالح شعوبهم أو أمنهم القومي.
حزب الله منظمة مقاومة لا تتعاطى الإرهاب بالمطلق من وجهة نظر شرائع السماء وقوانين الأرض ومنطق الأمور، ولا تملك بدورها مقدرات عسكرية هجومية قادرة على أن تطال التراب الأمريكي، لأن دورها بمنطق الواقع والعقل، يحتم عليها العمل في إطار الغاية التي وجدت من أجلها، ألا وهي مقاومة العدوان الصهيوني على لبنان، وهو كما يطرح نفسه، دور دفاعي بحث في وجه سارق الأرض ومغتصب الكرامة العربية والإسلامية، ولم يسبق لحزب الله أن إرتكب عمليات إرهابية أو هدد بشنها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ولا ضد مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة والعالم، وحين قام بعمليات التفجير الشهيرة ضد المارينز والجنود الفرنسيين بميناء بيروت مطلع الثمانينات من القرن الماضي، فإنه كان يقاوم بذلك القوات الأطلسية المحتلة لبلاده، فقام بطردها ذليلة مهزومة، بغصة في القلب، وجرح عميق في الذاكرة لم يمحوه الزمن من العقل الأمريكي والفرنسي حتى اليوم.
وإذا كانت هذه العملية البطولية المشروعة هي التي جعلت أمريكا تضعه ضمن قائمة الإرهاب، فعلى أمريكا أن تعيد نظرها في تعريف الإرهاب وفي قائمتها السوداء للإرهاب، وتضم إليها مئات الملايين من محبي حزب الله في العالم بسبب مقاومته لإسرائيل، وبهذا المعني، يعتبر الإنتماء لمحور الممانعة والمقاومة بكل المفاهيم والمقاييس والمعايير وضدا في التعريف الأمريكي، قمة الفخر والشرف لكل عربي حر ومسلم مؤمن بالله وكتبه ورسله، رغما عن أنف السعودية.
وعليه، فإن سعي أمريكا والسعودية واسرائيل لدمير سورية وتقسيمها ومحاربة المقاومة في لبنان في أفق إجتثاتها بعد إسقاط دمشق، لا علاقة له بالأمن القومي الأمريكي ولا بالأمن القومي السعودي إلا إذا إعتبرنا الأمن القومي الإسرائيلي مكون بنيوي من أمنهما القومي، وهو الحاصل بالفعل، لأن دفاع أمريكا والغرب عن إسرائيل رغم عربدتها الفاضحة، وكما يبرره كُتّاب أعمدة كبار في الصحافة الأوروبية، هو دفاع عن الثقافة اليهودية المسيحية المشتركة، وعلى قيم الحرية والديمقراطية والليبرالية التي تمثلها الحضارة الغربية المهددة من قبل الإرهاب الوهابي تحديدا، الذي تستعمله أمريكا كحصان طروادة لشن عدوانها على الدول والمنظمات المعارضة لسياساتها في المنطقة.
أما دفاع السعودية عن إسرائيل وتحالفها السياسي والأمني والعسكري معها ضدا في العرب والمسلمين، وفلسطين وقدسها، فلا يبرره شيىء سوى العمالة والخيانة والخسة والنذالة، وهذا أمر لا يمكن تبريره إلا بالتحوير والتزوير والتضليل، كأن يقول مفتي المملكة الوهابية الشيخ المنافق ‘عبد العزيز آل الشيخ’ أول أمس الخميس: “انه لا يجوز مساعدة الروافض (يقصد أتباع أهل البيت) في مواجهتهم مع إسرائيل”، الكيان الصهيوني المحتل للأرض والمغتصب للعرض. وهذه فتوى دينية جديدة تنضاف لثقافة الزبالة التي يحمل وعائها المظلم في رأسه هذا المفتي الدجال.
وحيث أن سورية تحولت إلى مغناطيس يجذب الإرهابيين من كل أصقاع الأرض، كما قال ‘جون كيري’ في محاولة يائسة لقلب الحقائق وإتهام الرئيس ‘الأسد’ باستقطاب الإرهاب إلى سورية، وهو ما لا يصدقه عقل ولا يسلم به منطق.. لأنه إذا كانت سورية أضحت تشكل اليوم أكبر وعاء لإرهاب “القاعدة” و “الإخوان المسلمين” و “السلفية الوهابية” وتيارات إسلامية أخرى، فلأن كل هذا الإرهاب كما يعرف القاصي والداني هو حاجة أمريكية وصهيونية، وصناعة سعودية كما أكدت ‘هيلاري كلينتون’ نفسها في تصريح رسمي أمام لجنة الخارجية بالكونجرس الأمريكي قبل عزلها بقليل، حيث قالت: ” السعودية هي القاعدة المالية الأساسية للإرهاب في العالم”.
أما إيران، فهذا أمر آخر، أو لنقل مشكلة أخرى إسمها “العقل الإيراني” المختلف عن العقل العربي، والذي إستطاع في وقت قياسي رغم الحرب والحصار، أن ينتج قوة مادية عظيمة شكلت درعا واقيا ورادعا ضد أية محاولة لإعتداء خارجي يطالها من قبل كائن من كان حتى لو كانت أمريكا نفسها، لأن القدرة الصاروخية الإيرانية في هذه الحالة، قادرة على تدمير 80% من القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج وشرقي آسيا، دون إحصاء مصالح حلفائها في المنطقة، ومدى الخراب الذي سيلحق بالإقتصاد العالمي في حال أقدمت على غلق مضيق ‘هرمز’ الذي يمر منه 40% من صادرات النفط.
كما وأن فلسفة الثورة الإيرانية المباركة قامت على شعار “الموت لإمريكا” التي تعتبرها ‘الشيطان الأكبر’ وأصل كل الشرور التي لحقت بالأمة، من فلسطين إلى الحروب البينية بالوكالة، فالأطلسية المباشرة، ثم الفتن المتنقلة، والإرهاب الجارف الذي تحول إلى سرطان ينخر جسم الأمة.. وأمريكا كما هو معلوم تحمي الديكتاتوريات القروسطية العميلة والفاسدة في المنطقة، وتعيق كل حركات التحرر الكفيلة بإخراج الشعوب المستضعفة من وضعها المأزوم، وتشعل حروبا بالوكالة لشق الصف العربي والإسلامي بهدف إضعافه وخلق شروخ على مستوى الوعي من خلال إستدعاء التاريخ كما هو الحال بالنسبة للسعودية التي تعمل ليل نهار على إذكاء نار الفتن المذهبية بين السنة والشيعة، لتحوير الحقائق وتزييف الوقائع، وصرف الشعوب عن إهتماماتها الذاتية وأولوياتها القومية والإسلامية التي تأتي قضية “تحرير كل فلسطين التاريخية” على رأس أولوياتها الدينية والأخلاقية والسياسية.
من هنا نستخلص أن سورية وحزب الله، لا يمكن أن يشكلا تهديدا للأمن القومي الأمريكي، كما أن إيران رغم قوتها، لا تهدد أمريكا ومصالحها إلا في حال أقدمت هذه الأخيرة على مقامرة عسكرية غير محسوبة ضدها أو ضد أحد حلفائها (سورية أو حزب الله)، وهذا ما جعل الأمريكي يفهم أن مفاتيح الحل كما مفاتيح التفجير في المنطقة هي بيد طهران. لكن، حيث أنه لا يمكن التفكير في شن حرب عسكرية مباشرة ضد إيران، فالأجدى والأذكى، أن تقوم أمريكا بضرب حلفائها لتفكيك محورها و وضع حد لتمددها الجيوسياسي في المنطقة.
وحيث أن الحرب الكونية التي أعلنتها أمريكا وحلفائها وأدواتها على سورية، تأتي في سياق إضعاف إيران لعزلها، فقد قامت إيران بدعم الرئيس الأسد بشكل مباشر وغير مباشر، كما فعل حزب الله نفس الشيىء أيضا من منطلق واجبه الديني والقومي والأخلاقي، لكي لا تسقط سورية قلب العروبة النابض ومركز محور الممناعة والمقاومة.. لهذه الأسباب تحولت سورية اليوم إلى ساحة شرف في صراع بين مشروعين، مشروع تحرير وتنوير ونهضة، ومشروع تدجين وتجهيل وعودة إلى عصر الجاهلية.
ولا نريد الحديث هنا عن دور روسيا والصين ومعهما دول ‘البركس’ في دعم سورية لأسباب لا علاقة لها بمقاومة إسرائيل، بل بمصالح جيوسياسية وإقتصادية لها حسابات أخرى متداخلة ومعقدة تتخذ من مبدأ إحترام سيادة الدول وشرعة الأمم المتحدة القاعدة الأساس في التعامل مع المشاكل والأزمات الدولية.