كثيرا ما كنا نتحاور فيما بيننا نحن مجموعة من الاصدقاء
ونسأل السؤال التالي علنا نحصل على اجابة معينة ولكن الواقع يعطينا اجابة مخالفة لما نتمناه
السؤال هو
لو ان كل مقاول او مدير مشروع او عامل او اي انسان له دور في بناء شئ معين
هنا لو هذا المقاول عمل في المقاولة كما يعمل في بيته
لو كان يقتصد بالمال ويخاف على المال كما يخاف على ماله في بيته
لو انه كان حريصا على الطابوقة الواحدة في المقاولة كما هو حريص على نفس الطابوقة
ولكن تلك الطابقوة دخلت في بناء مشروع للدولة وهذه الطابوقة دخلت في بناء بيته
لو ان هذا الانسان كان يشتري السلعة الممتازة النطيفة الى بيته ولا يشتريها الى ذلك المشروع الذي هو للدولة
لو انه كان يذهب الى اكثر من محل تجاري يعامل ويعامل بغية الحصول على اقل الاسعار وافضل الانواع ولكن حين يكون الشراء لبيته
ولكنه حين يصل الامر الى مشروع هو مديره او مقاوله او منفذه يقوم بالعكس
هنا التناقص للبيت الجيد للمقاولة الردئ
للبيت الغالي الجيد للمشروع الردي الرخيص
وهكذا نسمع هنا وهناك ان المشاريع تفسد او تخرب او تفشل باقل من سنة من تنفيذها
ونرى ان هنالك مشاريع كثيرة نفذت من قبل البريطانيين في العشرينيات من القرن الماضي اي صار عمرها خمسون سنة لا تزال هي هي ممتازة وباحسن حال
هذا التناقض يتجسد اليوم في حكايتنا
في منطقتي نفذ مشروع لمجاري المياه
الحمد لله احيل المشروع الى مقاول ليس اصلا بمقاول ولا يعرف شيئا عن المجاري وعملها وتنفيذها ودقتها
باع المقاول الاول المقاولة الى ثاني والثاني الى ثالث
وهكذا مع كل بيعة يقل السعر الى حين الوصول للمقاول الاخير
ويجب ان اذكر ان المقاولة وصلت الى سبعة مليارت دينار عراقي
اي ما يقارب ستة ملايين دولار
مبلغ كبير جدا
دفعته الدولة لاجل المواطنين وتنفيذ مشروع ينفعهم ويصب في مصلحتهم
هنا بدا العمل والمفروض ان ينتهي بسنتين
ومضت السنتان ومضت ثالثة والمشروع من سئ الى اسوأ
ليس بالدقة المطلوبة ليس بالجودة المرغوبة ليس بالصلاحية المبتغاة
قطر الانبوب خمسون سنتمترا
سالناهم لما هذا القطر البسيط
قالوا لانه هنالك مضخة كبيرة تسحب المياه
قال لهم الناس ولكن منطقتنا ترابية والجو المترب يزيد من كمية الاطيان الداخلة الى الانبوب وبمرور الايام يغلق الانبوب ويفشل المشروع
لا اذن واعية تسمع
المهم اكتمل المشروع وكما وصفناه السلعة الرديئة الغير جيدة الرخيصة
كما نسميها بالعامية التعبانة
هنا في ذات الوقت نرى المقاولين قد بنوا بيوتا
ومن مقارنة بسيطة نراه يبحث عن التصميم الممتاز عن الطابوقة القوية عن السمنت الاجود عن العامل الممتاز عن السلك الانفع عن الانبوب الاصلح
شتان بين هذا وهذا
الحمد لله حينا لم يكن مشمولا بخطة مد انابيب المجاري
والحمد لله ان من الله علينا بنعمة المطر الغزير في هذه السنة
ومن هنا فاضت بعض الشوارع امام بعض البيوتات في حينا
اقصد البيوت القديمة التي هي مستواها اقل من مستوى الشارع
صار الاقتراح ان يطلبوا مد انابيب مجاري
ولكن فوجئوا من قبل المدير اذ يخبرهم ان انتظارهم سيطول لو احيل المشروع الى مقاول ومناقصات وروتين مقزز
وقال لهم انا عندي انابيب اعطيكم وعليكم العمل
وافقوا على غصة
اذ ان بيوتهم ستغرق وملابس تتلف واين يرحلون مع دخول الماء الى بيوتهم
ومر الحاج ابو علي صاحب قصتنا هذه
قال نريد ان نمد انابيب مجاري والعمل على حسابنا
فهل تشترك
بالطبع وافقت
وتمر ايام
جاءت الانابيب البسيطة جدا
ذات القطر البسيط
استلمها الحاج ابو علي وهو رجل بسيط خريج ابتدائية كان يعمل في وزارة النفط
واحيل على التقاعد وقد فتح ورشة لتصليح الثلاجات والمكيفات
ترك عمله ذاك وجاء ليشرف على عمل مجاري حينا
وبالفعل اخرج من بيتنا صباحا الى العمل اراه قد جلب ثلاث عمال يحفرون حافة الشارع باداوات جدا بسيطا كما نسميها هنا
المسحة والطبر والهيب
جدا جدا بسيطه هذه الادوات
فعلا استمر الحفر اياما قلائل ومدت الانابيب
كل هذا وابو علي يشرف عليهم
ويشتري بنفسه السمنت والرمل والطابوق
واشترك ايضا هو في العمل
عملت فتحات المجاري او كما يسمونها هنا المنهولات
وما هو الا اسبوع واحد فقط يزيد او يقل يوما
انجز العمل
حقيقة استغربت كثيرا لدقة العمل
مستوى الفتحات مع الشارع تماما
دقة في بناء الفتحات ذات شكل هندسي دقيق
يتحمل ضغط السيارت المارة
نظرت في احدى الفتحات الماء يجري ورايت الانابيب في وضعية جيدة جدا لا تسمح بمرور الاوساخ والنفايات
وكثيرا من المواصفات الهندسية القياسية التي نفذها هذا الرجل البسيط الذي لا يحمل شهادة كبيرة بل ابتدائية بسيطة قد يحتقرها البعض
حقيقة هذا الانجاز الاول وهو نجاح المشروع
ولكن كنا ننتظر البعد الثاني الاقتصادي لنرى التكلفة
ومررت بابن عم لي قلت له لم ارى الحاج ابو علي اريد ان اعطيه فلوسه
قال مائة وستين الف على كل بيت
حقيقة هنا المفاجاة الاكبر
مبلغ جدا بسيط اذا ان كلفة المشروع كله لم تتجاوز المليونين وقد نفعت جزءا كبيرا من المنطقة والبيوتات
هنا تساءلت وتساءل غيري
كيف انجز هذا الرجل البسيط بمبلغ بسيط وبمدة قصيرة
مال لم تنجزه الدولة في ثلاث سنين ومليارت الدنانير
الجواب
الامانة في العمل
ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها
وثانيا
حب الغير عند الحاج ابو علي
والمقاول
عنده حب المال
والتفاني والاخلاص في عمل الانسان يديم البنيان
والغش والكذب يخرب
حميد الغانم