العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العقائدي

المنتدى العقائدي المنتدى مخصص للحوارات العقائدية

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

علي الفاروق
عضو فضي
رقم العضوية : 22289
الإنتساب : Sep 2008
المشاركات : 1,941
بمعدل : 0.33 يوميا

علي الفاروق غير متصل

 عرض البوم صور علي الفاروق

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي الإمامة والخلافة الإلهية ـ الشيخ حبيب الأسدي
قديم بتاريخ : 14-01-2014 الساعة : 03:57 PM


اللهم صل على محمد وآل محمد والعن أعداءهم أجمعين

استضافت مؤسسة الإمام المهدي المنتظر (عج) ـ في دورة خاتم النبيين (ص) الأولى لنقد الفكر الوهابي ـ الأستاذَ في الحوزة العلمية في النجف الشيخ حبيب الأسدي حفظه الله ورعاه ، ليلقيَ محاضرة حول [الإمامة الإلهية] ، وقد أبدع سماحته في هذا الجانب .
ـ وقد ارتأيت ألاّ تبقى مثل هذه المحاضرة الرائقة محبوسة وبعيدة عن أيدي المؤمنين أيدهم الله تعالى ، لذلك تمَّ كتابة المحاضرة لنشرها حتّى يستفاد منها المؤمنون أكثر فأكثر .

الإمامة والخلافة الإلهية

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين .
السلام عليكم ـ جميعاً ـ ورحمة الله وبركاته .
حديثنا في الإمامة والخلافة .
الإمامة والخلافة عند العامة لا يمكن القول إنّها جعل إلهي ، وإنما هي جعل بشري ، فلذلك تارة تحدث في آراء يُسمّون بأهل الحل والعقد ، أو إيصاء من الخليفة السابق للخليفة اللاحق ، فهذه كلها متفرّعة عن أنّ الإمامة عندهم هي جعل بشري ، وليس جعلاً إلهياً .
يمكن لنا ـ أثناء المحاورات ، وأثناء المناظرات ـ أن نسأل المخالفَ هذا السؤال : هل الإمامة جعل إلهي ، أم جعل بشري ؟
بطبيعة الحال سيقول : نحن نؤمن بأنّ الإمامة جعل بشري ، وليست جعلاً إلهياً .
حينئذٍ يستحسن كثيراً أن نصدمه بهذه القضية وهذا الاقتراح ، فنقول : ما رأيكم بأن نرجع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى والمؤمن والمسلم لا يجد أيّ معارضة لكتاب الله ، فإنّه يفترض نفسه دائماً موافقاً لكتاب الله .
طبعاً هو سيقول : نعم ؛ نحن نؤمن بكتاب الله .
حدثت ذات مرّة محاورة بيني وبين مجموعة من علماء كردستان في سنة 1997 أو 1998 ، وكان في مقرّ اتحاد علماء كردستان في السليمانية ، هذا الاتحاد يضم فيه أكثر من 1300 ملّة بين إمام جامع وجمعة وخطيب وعالم وغير ذلك ، وكان رئيس الاتحاد محمد أمين الجمجمالي ، وكان رئيس مجلس الفتوى وأعضاء مجلس الفتوى موجودين ، وأتذكّر منهم : أبو بكر وجّاخي ، عبد الله برخي ، وعبد المجيد كويري وغيرهم ، ذهبت إلى هذا المكان برفقة أحد المسؤولين السياسيين وكان الممثل لجلال الطالباني للشؤون الدينية وهو المرحوم الأستاذ مجيد إبراهيم ، فكان يضم هذا المجلس معظم علماء كردستان في مناطق الاتحاد الوطني الكردستاني .
فعرَّفني أمامهم بأنني أستاذ في الحوزة العلمية في قم المقدّسة ، فبدأت الكلمات حول أهمية الوحدة بين المسلمين ، والتقارب ، ولم أتفاعل مع هذا الكلام أبداً ، وكنت أقتنص الفرصة حتى أستطيع الحديث معهم ، فقلت لهم : هذا الكلام للسياسيين ، يستطيعون أن يجاملوا بما شاؤوا ، ونحن أهل علم ، فأنا طالب علم ، لكن يمكن المحاورة بالمقدار الذي أعرفه ـ وإلاّ حينما أخرج سيكون قد بقي في قلبي شيئاً عليكم بما أنني شيعي وأنتم سنة ، وكذلك أنتم ، بما أنكم سنة وأنا شيعي فسيبقى في قلبكم شيء .
كان هناك شخص اسمه " ملا فاتح " قال : صحيح ، فكلام السياسي كله مجاملات ، والخلاف بيننا وبينكم خلاف حقيقي وواقعي ، وأصل الخِلاف بيننا وبينكم في (الإمامة) ، والقول بعصمة الإمام وأن عدد الأئمة اثنا عشر ، وبقية الأمور كلها تتفرّع عن هذه المسألة .
قلت له : جيد ، لا مانعَ أن نفتحَ ـ الآن ـ بحثاً بالمقدار الذي أعرفه باعتبار أنّني طالب صغير ، وأنتم أهل العلم ، ولكن لديّ عدة شروط .
فقالوا : تفضّل .
قلت : التحكيم للوجدان ، ولا تناقشوني في النتائج ، وإنّما يكون النقاش في المقدّمات .
قالوا : صحيح ، الحقّ معكم .
قلت : أعدكم ألّا أستعمل التقية معكم ، لذلك أسألكم أول سؤال وهو: الإمامة بجعل إلهي أم بجعل بشري ؟
قالوا : طبعاً الجعل بشري .
قلت : نرجع إلى كتاب الله ؟
قالوا : نعم نرجع إلى كتاب الله ، فليس لدينا غير كتاب الله .
قلت : يقول الله تعالى : { إني جاعل في الأرض خليفة } هذا الجعل بشري أو إلهي ؟
فسكت القوم ، فانتظرت منهم الجواب ، ولكن خيّم الوجوم عليهم .
قلت : يقول تعالى { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } هل هذا الجعل إلهي أم بشري ؟
يقول تعالى : { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } هل هو جعل إلهي أو بشري ؟
فظهر وفُهم أنَّ الجعل إلهي بشكل واضح .
فهذا أول أمر انتزعناه منهم أنَّ الإمامةَ هي جعل إلهي وليست جعلا بشريا ، فهي كالنبوّة ، ومن هنا ؛ فإذا كان جعلاً إلهياً فحتّى الأنبياء أنفسهم لا يستطيعوا أن يقوموا بمهمّة جعل الخليفة من بعدهم ، وجعل الإمام من بعدهم .
لاحظوا قضيّة إبراهيم عليه السلام { وإذ ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماما } إبراهيم عليه السلام كان حينئذٍ نبياً ، ومع ذلك لم يستطع أن يجعل نفسه إماماً ، وإنّما احتاج إلى جعل من الله سبحانه وتعالى .
فقال أحد الحاضرين : الإمامة هنا ـ في الآية ـ هي نفسها النبوة .
فقلت : أسألكم سؤالاً : مفهوم الخلافة ومفهوم النبوة ، إذا رجعنا إلى المعاجم اللغوية والكتب اللغوية ، نجد أن المفهومين مفهوم واحد ، بمعنى أنَّ هذين اللفظين مترادفان ، أم أن هذا مفهوم وهذا مفهوم آخر ؟
فلاحظ أنّ كلامنا حول الاختلاف والاتحاد من حيث المفهوم والمعنى ، وليس حول المصداق ، أنَّ هذا النبي هو إمام أو لا .
فإذا كانت الخلافة والنبوة مفهوم واحد ، فهذا خلاف ما في الكتب اللغوية قاطبة ، فإذا أردت أن تجعلَ المفهومين واحداً ، فإنَّك بحاجة إلى قرينة قطعية ، بمعنى أنَّ قولك : "الإمامة في هذا المورد بمعنى النبوة" ، يحتاج إلى قرينة قطعية ، لأنَّ الظاهر من الكلام هو أنَّ الخلافة شيء والنبوة شيء آخر .
فتوحيد معنى الخلافة والنبوة كلام فارغ لا دليل عليه ، فالقائل بهذا الكلام مطالب بالدليل ، وليس القائل بالاختلاف المفهومي مطالب الدليل ، فانتبه لأنه هو صاحب الدعوى .
فقال أحدهم : بلى ، المفهومان يختلفان ، فأكمل .
فقلت : إذاً : الإمامة في القرآن إلهية ، وليست بشرية ، وبالتالي فهي تابعة للجعل الإلهي ، فغاية ما نحتاجه في تعيين المصاديق إلى النصّ من قِبل المعصوم السابق .
فقال أحدهم : الخلافة مختومة مثل النبوة .
فقلت : هذا ادعاء فارغ أيضاً ، فبما أنّ النبوة شيء والإمامة شيء آخر ، وقد دلَّ الدليل القطعي على ختم النبوة ، ولم يدل الدليل القطعي على ختم الإمامة والخلافة ، فتفضّل واذكر لنا دليلاً على أنَّ الخلافة قد خُتِمَتْ ؟
فسكت ، لأنّه لا جوابَ لديه .
هذا الجواب الأول ، والجواب الثاني قوله تعالى : { إني جاعل في الأرض خليفة } أليس هذا الجعل كلّيا ؟ أليست كلمة {جاعل} اسم فاعل ؟ فهذا يقتضي التلبُّس بالمبدأ على نحو الدوام ، فأصل الجعل موجود ، ودليل الرفع مفقود ، فإذا بقينا على ظواهر الآيات القرآنية فإنَّ الأرضَ لا تخلو من خليفة لله تعالى ، فالقائل بأنَّ الأرض تخلو من خليفة لله هو المطالب بالدليل ..
فلاحظوا أنَّه هو صار مطالباً بالدليل ، فأنت الآن لست في مقام الدعوى ، فهو بطريقة السؤال يكون هو المرغم على الجواب وطالبه بالجواب ، وعليك أن تسجِّل عليه ملاحظات ومستمسكات ، فيلزم أن يكون لديك ذاكرة قوية أو ورقة ، فتقول : لقد اعترف أنَّ الإمامة عنده جعل بشري ، وليس جعلاً إلهياً ، فهو بهذا خالف القرآن وهو يدّعي أنّه يؤمن بكتاب الله سبحانه وتعالى ، فطبعاً هو في هذه الحالة سيكون مبتدعاً لأنه مخالف لقضية أساسية لكتاب الله ، فهذه الأمور كلها سجِّلها ، ولكن اجعلها في النتائج أخيراً ، ولا تجعلها مبعثاً للاختلاف فيما بينك وبين المحاور من البداية ، لأنَّه سيصير البحث حينئذٍ جدلياً ، وستخيّم حالة الخصومة على الحالة العلمية ، فيفقد البحثُ اتّزانه ، ولكن سجّلها كمستمسكات في ذهنك ، أولا ثانياً ثالثاً .. وبعدها قبل أن تنتهي المحاورة قل : تبيّن لنا النقاط الكذائية ، كيت وكيت وكيت .
إذن : الخلافة جعل إلهي ، ولا تخلو الأرض منها ، يبقى عندنا أنَّ هذا الجعل الإلهي للإمامة ، ما هي شروطه ؟
حينئذٍ نستطيع أن ندخل في البحث عنها في الآيات القرآنية .
ولكن قبل أن ندخل في هذه القضية ، نحن عند التتبع للآيات القرآنية التي تتحدث عن الإمامة ، نجد أنَّ الإمامة في القرآن إمامتان لا ثالث لهما ، قوله تعالى { جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } ، وقوله تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } ، فإنَّك لن تجد في القرآن إمامة ثالثة .
وفي وقتها في المحاورة ، سألتهم هذا السؤال ، فرأيت من المناسب أن أتحدّاهم ، لأنّه بالتتبع لا توجد إمامة ثالثة أبداً ، فلا إمامة غير تلك الإمامتين .
فحينئذٍ ؛ نلاحظ النتيجة : فمَنْ ثبت أنّه من مصاديق الإمامة الأولى فبها وإلاّ فهو من مصاديق الإمامة الثانية ، أي أنَّه بما أنَّ الإمامة تدور بين هاتين الإمامتين ، ولا ثالث لهما ، وتستطيع أن تتحداهم بخلاف ذلك ، فمن ثبت أنّه من قبيل الأئمة الذين جعلهم الله { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا..} ، وإلاّ فهو من قبيل قوله تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } ومَنْ هم الذين يجعلهم الله ؟ لاحظوا الآية { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } أي لا يهدون بأمر غير الله ، ولا أمر أنفسهم ، هل فاقد الشيء يكون معطياً ؟ دائماً حاول ابداع أسئلة وأخذ الجواب منهم ، خصوصاً إذا كانت الأسئلة بديهية وحاصرة ، هل فاقد الشيء يكون معطياً ؟ طبعاً لا ، لأن واجد الشيء هو الذي يكون معطياً ، فالهادي إلى أمر الله يجب أن يكون عالماً به ، لأنه لا يهدي إلى أمر الله ويكون جاهلاً به ، فتبيّن أنّه عالم بأمر الله تعالى .
سؤال : هذا أمر الله ، المعلوم لدى هذا الإمام ، هل هو مقيّد ومعيّن بدرجة معينة أم أنّه مطلق ؟
طبعاً مطلق ، { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا } فهم عالمون بأمر الله كلّه ، وهنا انتبهوا أنَّ الشخص الذي يدّعي أنَّ الآية ليست مطلقة عليه أن يقدِّم الدليل لأنَّ ظاهر الآية هو الاطلاق ، فالقائل بأنّها مقيدة هو المطالب بالدليل ، لأنَّه على أيّ أساس يدّعي انّ الآية مقيدة ؟ فما هو الدليل على التقييد ؟ فأمر الله سبحانه وتعالى الذي يهدي به ، إمَّا أن يكون أمرا تكوينياً او أمراً تشريعياً ، فهذه تفاصيل فلتبقَ في بالكم .
( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة ) فالحلال ثابت ، أمّا تفاصيل الأحكام { قد فصّلنا الآيات لقوم .. ) { ونفصِّل الآيات .. } فهنا آيتان أحدها بالفعل الماضي {فصّلنا} وأخرى بالمضارع {ونفصِّل} أي أن التفصيل مستمرّ .
فلاحظوا أنَّ الآيات التي تتحدث عن آيات الأحكام فإنها تعطي الحكم بشكل إجمالي ، أو جُملي بسيط ، ثم في ذيل الآية {ونفصِّل الآيات لقوم .. } يعلمون ـ يوقنون وإلى غير ذلك .
إذن : عندنا إمام من طبيعته أن يهديَ بأمر الله ، فهل هو يهدي أو يضلّ ؟ إذ لا شيء ثالث بينهما ، فإذا كان يهدي فهو لا يضل . فهذا يعني أنه معصوم من الضلالة .
ومَنْ أخبرنا عن هدايته ؟ هل أخبرنا فلان وعلان أو إجماع وشهرة أو .. ؟ أم أخبرنا بذلك ربّ العالمين أنّهم لا يهدون إلا بأمره . فهذا من حيث المادة (الهدى) ، مختصراً .
ثم هذه المادة (الهدى) مطلقة أو مقيّدة ؟ طبعاً مطلقة ، فهذا يعني أنَّهم يهدون مطلقاً ، أي بما في ذلك أعلى درجات الهداية ، لأنَّ فاقد الشيء لا يكون معطياً .
فإذا كان هادياً فهذا فرع كونه مهتدياً ، فبما أنّه هادٍ مطلقاً ، فهو مهتدٍ مطلقاً أيضاً ، فبما أنّه بأعلى درجات الهداية ، فهذا متفرّع عن أنّه في أعلى درجات الاهتداء .
وطبعاً سيكون لديك خارطة ومجموعة من الآيات التي ترتبط بالمسألة {ومن يهدي الله فلا مضل له..} وإلى غير ذلك من الآيات ، تتعلق بقضية الهداية .
لاحظوا : (الهدى) وكل تفرعاته ومسائله الكثيرة الداخلة في أمر الله تعالى ، فهي نفس معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وأحكامه وحججه وآياته ، فهذا كله داخل في {أمرنا} والهداية به . هذا كله بحث حول مادة (الهدى) .
أما هيئة ( الهدى ) ما هي ؟
يقول تعالى { يهدون بأمرنا } أنه فعل مضارع ، والفعل المضارع يستدعي الاستمرارية والتجدد ، فهذا يعني أنَّ لدينا أئمة يهدون دائماً بأمر الله تعالى .
فالقائلون إنَّ الأئمة يقفون عند حد ، فهذا خلاف الظاهر ، فطبيعة الإمام ما دام إماما أنّه دائماً وأبداً يهدي بأمر الله سبحانه وتعالى .
ومن هنا يتأسس لدينا : أنَّ الإمام عالم بأمر الله كله ، ويهدي إلى أمر الله وحده ، ولا يهدي إلى أمر شيء آخر ، فإن ثبت أن الإمام هو من هذا القبيل ، يعني متصل بالله تعالى وملهم من الله ويهدي إلى أمر الله لا إلى ما سواه ، فمن هنا نعرف أنَّ مَنْ لم يثبت فيه هذه الصفات ، فهو من القبيل الثاني من الأئمة { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} .
وعليه ؛ فمَنْ لم يكن إمامه إماماً هادياً بأمر الله تعالى وعالماً بأمر الله وعاصما معصوماً هاديا مهتديا ، فإمامه من الأئمة الذين يدعون إلى النار ، فكل مَنْ إئتمَّ به فهو ممّن قد استجاب إلى دعوة الداعي إلى النار .
إذن : هو قد أُقحِمَ في النار ، أو أنّه هو الذي استجاب لهذه الدعوة ؟ طبعاً أنّ أولئك دعوا إلى النار ، وهؤلاء قد استجابوا .
ويمكن لنا الوقوف على بقية الآيات ، مثلاً اختر هذه الآية : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } .
فصدر الآية تدل على أنّه ما كان ليجعله إماماً إلا بعد أن أتمَّ الابتلاء بكلمات الله سبحانه وتعالى ، والحال أنه كان نبياً ، تستطيع من خلال البحوث في كتب المفسّرين أو من خلال تحقيقك الخاص أن تقيمَ الدليل على أنه كان نبياً قبل ذلك ، فتى يذكره يُقال له إبراهيم ، أما هنا يقول { ومن ذريتي } ومتى كان عنده ذرية ؟ { الحمد لله الذي رزقني على الكبر إسماعيل وإسحاق } ، والحال أنّه لمَّا بُشِّرَ بالذرية تعجَّبَ ، فظاهر الآية { ومن ذريتي } أنَّ الذرية موجودة ، ويساعد على ذلك أنَّه الآيات الأخرى التي تقول أنّه على الكبر رزقه الله إسماعيل وإسحاق ، وفي كبره لمَّا أُبلِغَ أنّه سيكون له ذرية اعتبر هذا الامر عجيباً وتعجّب من ذلك زوجته ، أليس كذلك ؟ لأنّه قد بلغ به العمر ذلك المبلغ ، فهذا يعني أنّه صار إماما على كبره ، يعني : أنه كان نبياً ومعصوماً ويوحى إليه من الله وبالغ تلك المنزلة العظيمة بل كان من المرسلين ، ومع كل ذلك لم يكن إماماً ، ولكنه حينما أُبتلي بكلمات الله { فأتمهن } يعني لمَّا أتمّهن تماماً { قال جاعلك للناس إماما } هذا يعني أنّ للإمامة شروطاً ، طبعاً فلا بُدَّ من الشروط قد يكون صاحبه بلغ مبلغاً عظيماً ، وأصبح نبيا ومن المرسلين ـ ويمكن أن يكون من أولي العزم ـ ، ولكنه مع ذلك لم يتم الابتلاء ولم يحصل فيه تلك الشرائط التي بها يكون للناس إماما بجعل من الله سبحانه وتعالى .
أضف إلى ذلك نقطة أخرى : إنَّ علم الكلام في أغلب الأحيان هو وليد ردة فعل ، وفي أغلب الأحيان ليس قائماً على أمور برهانية ، بل هو قائم على أمور مشهورات وغير ذلك ، في أذهان الكثير من علماء الكلام أنَّ الإمامة هي القيادة والزعامة السياسية ، ولكن هنا إبراهيم عليه السلام لمَّا جعله الله تعالى إماماً هل صار زعيمَ دولة ؟ أو زعيم محافظة أو مدينة أو قرية ؟
إذن : هذا يتنافى مع عدم امتلاكه لأيّ منصب قيادي ، وحتى الزعامة الدينية بالمعنى المتعارف ـ يعني مرجعية دينية ـ لأنّه مجهول عند الأغلب ، نعم هو معروف عند بعض أصحابه وأهله ، ولكن لم يُذكر في القرآن أنه كان صاحب أمة وأتباع وإلى غير ذلك ، ولكن الظاهر أنّ أتباعه كانوا متفرقين .
إذن العنصر المقوِّم للإمامة ليس وجود مجتمع متّبع ، ولا وجود زعامة وقيادة سياسية وما إلى ذلك ، فهو إمام بالفعل وليس بالترشيح ، غاية الأمر أنَّ الإمامة التي عنده لكي تأخذ مجراها القيادي والزعامة في الأمة ، فهذا يحتاج إلى توجّه الأمة إليه ، وأن تطيعه وتنقاد له وهكذا ، فآدم عليه السلام { إني جاعل في الأرض خليفة } فالمصداق الأول للآية هو آدم عليه السلام ، فالجعل هنا كلّي ، وآدم عليه السلام كان مصداقاً للآية الكريمة ، فلا تغفل عن هذا الأمر ليقولَ لك أنَّ الآية نزلت على آدم عليه السلام فقط ! فالمورد لا يخصص الوارد ، والآية لم تقُل أن الله جعل آدم خليفة ، وكما تعرف إنه لم يكن زعيماً ولا سلطاناً .
لاحظوا أنّه ممكن أيضاً أن الآيات الشريفة تشهد على بعضها البعض وتصدق بعضها البعض ، الهداية بأمر الله ، تستطيع أن تربط هذه القضية بآيات أخرى ، فإذا رأوا أنَّ الشيعيَ كلامه قرآني ومحاججاته كلها بالقرآن ، وأنه يحاجج الخصم بالقرآن ، فستنتهي تلك المزعمة الفاسدة أنَّ الشيعة ليسوا أهل قرآن وما إلى ذلك .
ثم هم يدّعون دائماً قائلين : نحن نطيع كتاب الله ، وحفّاظ لكتاب الله ، وإذا دخلت في قضيّة الأحاديث ، فهذا بحث متلاطم الأمواج ولا تصل إلى مطلوبك في أغلب الأحيان ، لأنّك بحاجة إلى أدوات كثيرة ، وأكثر الأحيان يدخل الإنسان في جدليات لها أول ولا تالي لها ، فالاحتجاج العقلي يكون في القضايا البديهيات ، ولا تدخل معه في النظريات وسيقول لك إن هذه فلسفة ونحن لا نأخذ بالفلسفة ، فاحتج عليه بالبديهيات مثل (فاقد الشيء لا يعطيه) بكلام بسيط ، وأمثال ذلك .
التعرُّف على أمر الله سبحانه وتعالى ، مثلاً سورة القدر الشريفة ، { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر } ، ولو أن الكلام ليس حول هذه السورة لكن تأمّلوا في قوله { تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر } أي لا يبقى أمر إلا وتنزله الملائكة والروح .
فالملائكة تتنزّل في كل ليلة القدر ما دامت هناك ليلة قدر ، وإجماع المسلمين على أن ليلة القدر مستمرة وموجودة ، فلا أحدَ يقول : إن ليلة القدر كانت في زمن النبي وقد انتهت .
فبما أنَّ لدينا ليلة قدر فالآية تقول : { تنزّل الملائكة } فهل تتنزل بعض الملائكة أو كل الملائكة ؟ طبعاً {الملائكة} جمع محلّى بأل ، والجمع المحلّى بأل يفيد العموم الاستغراقي ، والادعاء بأن المقصود بعض الملائكة يحتاج إلى قرينة قطعية .
قوله {تنزل} تحتاج إلى مُنزَل عليه أو لا ؟ لأنّ التنزل من الأفعال الإضافية ، فهل يمكن تصوّر أن الملائكة تنزل في ليلة القدر على لا شيء ، طبعاً لا ، لأنّ هذا لا يليق بمقامات الملائكة { ما ننزل الملائكة إلا بالحق } ومع ذلك تستطيع الاعتماد على آية أخرى تفسِّر على مَنْ تنزل الملائكة ، { ينزل الملائكة بالروح على من يشاء من عباده } فتكون النتيجة : إنَّ عبداً لله تعالى اختاره الله وشاءه أنزل عليه كل أوامر الله سبحانه وتعالى في كل ليلة قدر من كل سنة ، فأصبح لديه جميع ما لدى مجموع ما لدى الملائكة من الأمور ، والملائكة المكلَّفون بتدبير عالم الخلق أو لا ؟ يقول تعالى {فالمدبّرات أمرا} فطبعاً الله يدبّر الأمور من وراءهم .
فإذن : تتنزّل جميع الملائكة في كل ليلة قدر من كل سنة ، فيصبح محيطاً جامعاً عالماً بجميع أمر الله كله ، وهذا هو الإمام المذكور في قوله تعالى {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا} .
إذن : لا تخلو الأرض من إمام ، فأين المفرّ ؟ فأين المفرّ ؟
فهذه الخطوط العامة أخواني، ولا أريد الخوض في التفاصيل لأنّها تأخذ مساحة من الوقت ، فيوجد أمور وشروط ذكرها بعض علماء الكلام لا علاقة لها بالإمامة بالجعل الإلهي ، نعم لها علاقة بالإمامة السياسية أو بالزعامة العامة باعتبار أنَّ بعضهم أو الأكثر يقول : الإمام هو رئيس الدين والدنيا ، والمقصود برئيس الدين ـ في الأعم الأغلب ـ هو الزعامة الدينية ، فهل الزعامة الدينية يُشترط أن يكون صاحبها معصوماً ؟ طبعا لا .
طبعاً في أثناء الحديث ، هذا الذي كان رئيس لجنة الفتوى ، قال : تبيّن الآن أن أخواننا الإمامية والشيعة يعتقدون بأنَّ الخلافة لأئمتهم هي الخلافة الكبرى ، وقد تفاجئ بهذا المطلب .
فهل صار الخلاف بيننا وبين العامة خلاف في زعامة سياسية ؟ أو أكبر وأعظم من ذلك ؟ فمن صغريات ومصاديق ومستحقات الإمامة الكبرى أن يكون رئيس الدين والدنيا ، أما مقامه ومنزلته فهي أرفع وأشمل وأعظم من كل ذلك .
فإذا كان لدى أمة نبي معصوم ، هل يمكن لهذه الأمة أن تذهب وتنتخب إماماً وخليفة للدين ؟ أم ترجع إلى النبي ؟ طبعاً إلى النبي ، لأنّ الإنسان الكامل كامل في هذه الأمور ، ومن هذه الكمالات أن يكون رئيس الدين والدنيا .
طبعاً وهو في هذه الحالة ، حكى أحدهم بالكردي : إمامة أبو بكر وعمر إمامة ضلال ؟
بالتأكيد هذه تورد مشكلة ، لأنَّه عندما تذكر الأسماء ستجلب المشاكل ، لأنك طعنت بربّهم حينئذٍ ، لأنّهم يتعاملون مع أبي بكر وعمر على أنهم ثوابت ، وكل شيء غيرها متغيّرات ، وربما انتخابهم لأبي بكر لأنه الند الأعظم في وجه الإمامة الإلهية ، ولو كان لديهم قليلاً من التراخي لتركوا ابا بكر وعمر وذهبوا إلى غيرهم .
رجع "ملا فاتح" قائلاً : نحن سلَّمنا أن الإمامة إمامة إلهية وجعل إلهي .
قال : ومن الذي يقول أن أهل البيت هم الذين جعلهم أئمة هداية ؟ وإلاّ فنحن معك في الإمامة الإلهية .
أقول : طبعاً هو اعترف حينئذٍ ببطلان خلافة خلفائه ، واعترف أنهم أئمة ضلالة ، وأنهم دعاة إلى النار ، وهذه الأمور كلها تم تسجيلها ، ولكن أنتم تلاحظون هل أنّ من المناسب أن تطرحوا هذه الأمور والمستمسكات أو لا ؟ فهذه تابعة للحكمة التي لديك ، وما هي المناسبة ، فإذا كانت حلقات وجلسات مفتوحة ، فلا تفاجئوهم بهذه الأمور ، بل اتركوهم يتوصّلون تلقائياً إلى هذه الحقائق إذا كان هناك مجال لهدايتهم ، فأحيانا تفيد الصدمة وأحياناً لا تفيد ، فينبغي للإنسان أن يكون مراقباً لهذه الأمور ، ولكن بما أن هدفنا الأسمى هو الهداية لله سبحانه وتعالى وإقامة الحجّة عليهم ، وأيضاً من أهدافنا الأساسية تقوية ضعفاء الشيعة ، ارجعوا إلى الروايات التي تتحدث عن تقوية ضعفاء الشيعة ، فهناك روايات رائعة في تقوية ضعفاء الشيعة أمام النواصب .
ـ حديث الثقلين : فإذ أردنا الاعتماد على حديث ، فإنه يكفيك هذا الحديث عن كل حديث ، وقد أجمع العامة على تصحيح حديث الثقلين ، وأيضاً أجمعوا على هجره ، وأجمعوا على ضعف حديث (كتاب الله وسنتي) ، وإن كان المفاد صحيح ولكن من حيث اللفظ أجمعوا على ضعفه ، ومع ذلك أجمعوا على الاعتداد به وجعله محور ديني أساسي عندهم ، والحال انه بالإجماع ضعيف السند عندهم ، وحديث (كتاب الله وعترتي) صحيح بإجماعهم ، وهو متواتر معنوي على الأقل ، وبعضهم ادّعى له التواتر اللفظي ، ولو لبعض صوره ، لأن له صوراً عديدة .
وأنتم لاحظوا في حواراتكم هل من المناسب أن تجعلها صدمة لهم أو لا ؟ فإذا كان وهابياً فاصدمه ، وأمّا إذا كانوا معتدلين باحثين عن الحقيقة اطرح عليهم طريقة التساؤل بالطريقة اللطيفة العفوية ، أنّه عجيب غريب أنكم لماذا أجمعتم على العمل بحديث ضعيف بإجماعكم وهو (كتاب الله وسنتي) ـ وتنبّه على أنّنا نؤمن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، بينما الكلام كحديث ـ و (كتاب الله وعترتي) رغم أنّ هذه القضية بطبيعة الحال تواجه مجابهة وصد عظيم جداً من المخالفين والسلاطين ومع ذلك كان هذا الحديث ثابت ووصلنا بشك متواتر على الأقل بالمعنى ، ومع ذلك فقد هجرتموه جميعاً ، فما القضية وما السر ؟ فكيف أنت تدعي أنَّك تؤمن بالسنة النبوية ، أليس حديث (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ وقد جهد الظالمون لإخفاء هذه السنّة ، وما استطاعوا إخفائها ، ومع ذلك قد وصل إلينا متواتراً ومجمعاً على صحته ، فالبعض ادعى الاجماع على صحته ، ومن خالف في ذلك فالحجة التي أبرزها هي حجة ضعيفة .

إشكال: أنتم تقولون إنَّ الإمامة أصل من الأًصول ، فتحتاج المسألة إلى آية محكمة ليست متشابهة .
الجواب : طبعاً لا يصحّ لنا الاعتماد على آية إلاّ إذا كانت محكمة ، والاستشهاد بآية على آية ، وربط الآيات ببعضها البعض تجعل القضية واضحة جداً ، فسؤالك له وجوابه لك دليل على هذا ، فقد عبرنا مسألة التشابه والإجمال وغير ذلك ، فهذه المسألة قد انتهت ، فبهذه الطريقة التي اتّبعناها فلا مجال للإجمال والتشابه.
إشكال : إن تصرف المخالفين بحديث الثقلين إنّما هو من جهة المعنى ، بمعنى عدم لزوم اتباع الكتاب والعترة ، وإنّما كان الرسول يُرشد إلى العناية بالعترة .
الجواب : هذا أيضاً الذي يذهب إلى هذا المعنى ، فإنَّه يعترف بأنّه يذهب إلى خلاف الظاهر ، لاحظوا كيفية الاستدلال بحديث الثقلين :
يقول صلى الله عليه وآله : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) ، فلاحظوا في كلمة (لن تضلوا) وهي نافية تأبيدية ، فتنفي الضلالة عمّن تمسَّك بهما ، وقوله (تمسكتم) هو من التمسك ، فأين الاعتناء وأين التمسك ؟ بحيث أن المتمسك بهما يكون معصوماً من الضلال ـ وذلك بنصّ الحديث ـ .
أخواني فكِّروا في هذه الأمور (ستفترق أمتي ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة) يعني أن نسبة النجاة والنجاح هي 1 من 73 .
إذن : كل واحد من الـ 73 نسبة كونه من ******ن ومن أهل الجنة هو 1 من 73 ، فهذا يعني أن الكل متّهم ، والكل مشتبه ، فكيف يخرج من هذا الاشتباه وهذا الاتهام ؟
لا يخرج من هذا الاتهام إلا بدليل قطعي يقيني أليس كذلك ؟ باعتبار أن جميع هؤلاء يتّبعون أئمة ، فنسأل هذا السؤال : هل ترك الله سبحانه وتعالى الأمة بلا إمام معصوم في نفسه عن الضلال والإضلال ؟ والحاجة مماسّة إلى وجود معصوم عن الضلال والإضلال إلى يوم القيامة ، فكيف نحصِّل اليقين بأنَّنا الفرقة ******ة ؟ فطبعاً نحتاج إلى أدلة قوية ، وبراهين قوية ، ونصعد من نسبة الـ 1 إلى الـ 73 .
إذن : القضية ليس فيها أي تسامح ، ويتلخَّص الأمر بالبرهان {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} .
ينبغي طرح هذه المسألة لوحدها ، حتّى يُشكِّل خوفاً لدى الطرف الآخر من المخالفين .
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي لن يفترقا ) تعال الآن للكتاب ، ما هي أوصاف الكتاب ؟ هل الكتاب يقبل الخطأ ؟ هل يقع فيه الباطل ؟ بل كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من عزيز حميد ، فلو كان أهل البيت عليهم السلام ـ وهم عدل القرآن والذين لا يفارقون القرآن ـ يتطرَّق إليهم الباطل بأن يفعلوا صغيرة من الصغائر ، أو كبيرة من الكبائر ، أو يشتبهوا في حكم الله فقد تطرَّقوا إلى الباطل ، فافترقوا عن القرآن الكريم بذلك أو لم يفترقوا ؟ طبعاً تفرّقوا ، مع أن النبي صلى الله عليه وآله يقول (لن يفترقا) .
أحكام الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، هل هي أحكام ظاهرية أو أحكام واقعية ، فإن كان أهل البيت عليهم السلام يتّبعون الأحكام الظاهرية وأنه قد يصيب وقد يخطئ ، فطبعاً قد وقع الافتراق بينهم وبين القرآن ، والحال أنّ النبي يقول (لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ) .
ومن هنا ثبتت عصمتهم .
الإشكال : السنة فيها مؤيدات أكثر ، فالسنة تتوفر فيها كل الشروط من العصمة وعدم الخطأ و.. ؟
الجواب : ما هي السنة ؟ تارة نتكلم عن السنة الواقعية ، صحيح ، أي ما نعلم بحتمية صدوره عن المعصوم ، طبعاً الكل يدّعي وصلاً بليلى ، ولا تقرّ ليلى لهم بذاك ، فكلامنا هل هو أمام السنة الواقعية أو السنة الظاهرية ؟ طبعاً كل هذه حكايات عن السنة الواقعية .
قد تحلف بالله مليون مرة بأنها صادرة من النبي ، ولكن هل كلها محكمات وليس فيها متشابهات ؟ هل جميعها مبيّنات ليست فيها مجملات ؟ هل جميعها مطلقات وليست بحاجة إلى مقيِّدات ؟ وهل جميعها عمومات قد تطرأ عليها التخصيص ؟
الإشكال : هذا الكلام يرد على الاستدلال بالقرآن الكريم أيضاً .
الجواب : طبعاً نحن لا ندّعي أننا نقف على القرآن الكريم ونعلم به جميعاً ، ولكننا نأخذ بالمحكم ، لذلك آية آية، ومن هنا السنة ليست عاصمة ، نعم السنة الواقعية عاصمة ، بل السنة العاصمة هي السنة الواقعية التي تستطيع بها أن تعرف هذا العام أين يُخصص وأين لا يُخصص ؟ وهذا المطلق متى يقيد وأين لا يُقيد ؟ وهذا المجمل متى يبين؟ وهذا المتشابه أين حلّه؟ نعم السنة إذا كانت قطعية فلا بأس في المسائل التي تحتاج القطع .
مسألة أخرى في حديث الثقلين : لقد وصف الله سبحانه وتعالى القرآن بأوصاف ، {تبياناً لكل شيء} ، ويقول : { ما فرّطنا في الكتاب من شيء } { و كل شيء أحصيناه كتاباً } .
هنا معلومة صغيرة.. هذا ليس القرآن بل هو الكتاب المبين ، والكتاب المبين جعله الله تعالى قرآناً ، {حم والكتاب المبين إنّا جعلناه قرآنا عربيا} فالشيء بعد الجعل هو نفس الشيء قبل الجعل أم غيره ؟ طبعاً غيره ، ولكن هل هي مغايرة تامة أم مغايرة بوجه ؟ لا بُدَّ أنها مغايرة من وجه ، فقد صار القرآن قرآناً ، واكتسى بكسوة العربية بالألفاظ ، وإلّا فلو بقينا مع الكتاب المبين فهي { ما فرَّنا في الكتاب من شيء } ، ويقول { وكل شيء أحصيناه في كتاب مبين } ، والآن تعال إلى سورة الدخان حيث يقول تعالى { حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا } أو سورة الزخرف ، فأصبح قرآنا .
فمظهر الكتاب المبين هو القرآن ، والنتيجة أنّ الكتاب المبين موجود في القرآن ، وحقائق القرآن كلها هي عبارة عن الكتاب المبين ، فالقرآن هو المرتبة النازلة ـ لان التنزيل غير الكتاب المبين ـ والكتاب المبين هو الرتبة الصاعدة للقرآن .
إذن : { ما فرّطنا في الكتاب من شيء } {تبياناً لكل شيء} تعالوا معي فنقول : إن كان أهل البيت عليهم السلام كبقية الناس يعلمون أشياء ولا يعلمون أشياء ، إذن : وقع الافتراق بينهم وبين القرآن فيما لا يعرفون أو لا ؟ طبعاً وقع ، وهذا خلاف قول النبي (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ، ومن هنا : تعرف وجه التساوي بين قوله تعالى { وكل شيء أحصيناه كتابا } وقوله { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } .
فحديث الثقلين يغني عن كل حديث ، لأنّه ما من مطلب يتعلق بإمامة أهل البيت عليهم السلام أو مزية من حيث الحجية إلا ويوجد في حديث الثقلين .
إشكال : إذا كان الافتراق لا يقع ، فالآن القرآن موجود ، فأين المهدي ؟ فقد وقع الافتراق ؟
الجواب : هذه جدليات ، أولاً :العنصر المقوِّم للحجية ـ أي حجية الخليفة ـ هل هو وجوده أو ظهوره ؟ فطبعاً وجوده ، فالنبي صلى الله عليه وآله عندما كان في المدينة أو في المسجد هل كان ظاهراً لأهل مكة ؟ طبعاً لا ؛ بل حتى وهو في المسجد هل هو ظاهر لجيرانه ؟ طبعاً لا ، فإذا كانت قضية الظهور هي المقوِّمة للحجية لانثلمت حجية النبي صلى الله عليه وآله ، لأنَّه في مكان محدود وزمان محدود ، فهل هذا يعني عدم حجيته ؟
يعني إبراهيم عليه السلام عندما جعله إماما ، فهل يؤثر في إمامه أنّ أكثر أهل الأرض كانوا جاهلين بإمامته أو لا ؟ هل خفي عليهم أو لا ؟ وكذا غيبات الأنبياء ، بالإضافة إلى أنَّه الآن .. هل النبي حجّة علينا أو لا ؟ مع أنّه الآن غائب عنّا !!
الآن كتاب الله موجود أو لا ؟ يقول الله تعالى { إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون } فلو كان أهل البيت قد خلى منهم مقامهم ولا يوجد منهم أحد فقد وقع الافتراق بينهم وبين القرآن ، لو أنه لا يوجد من أهل البيت عليهم السلام مَنْ يمثِّلهم ويكون قريناً وعدلاً للقرآن ، معناه أنه وقع الافتراق بينهم وبين القرآن ، وهذا خلاف قوله صلى الله عليه وآله {ولن يفترقا} ، فثبت وجود الإمام عليه السلام .
وقد مرَّ سابقاً أنّ الجعل موجود في قوله تعالى { إني جاعل في الأرض خليفة } فالجعل موجود ، فعلى الشخص الذي ينكر أن يثبت ان الجعل قد انقطع .
نعم قد حرم الناس أنفسهم من كثير من منافع الظهور وإقامة العدل بظلمهم ، ولكنه غائب فلو ظهر عليه السلام وانقاد له الخلق لظهرت أعظم المنافع .
والحمد لله رب العالمين

تنبيه : تم تصحيح المحاضرة بصورة أولية سريعة ، ولم يتم التدقيق . وشكراً


توقيع : علي الفاروق
اللهم صل على محمد وآل محمد
من مواضيع : علي الفاروق 0 شرح كافية ابن الحاجب ـ الرضي الاسترآبادي
0 الإمامة والخلافة الإلهية ـ الشيخ حبيب الأسدي
0 فلسفة الشعائر الحسينية ـ الشيخ محمد السند
0 مشاهد الفداء والفناء
0 حركة تصحيحية لمنهج السيد كمال الحيدري ـ الشيخ أحمد سلمان
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 05:51 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية