الفرق بين أجسامكم وأجسادكم في زيارة الإمام الحسين (ع)
بتاريخ : 26-11-2013 الساعة : 08:14 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وله الحمد
جاء في بعض زيارات الإمام الحسين ع المقطع التالي:
«صلوات الله عليكم، وعلى أرواحكم، وعلى أجسادكم، وعلى أجسامكم، وعلى شاهدكم، وعلى غائبكم، وعلى ظاهركم، وعلى باطنكم». (مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص721 بتحقيق: علي أصغر مرواريد، الطبعة الأولى 1411هـ، مؤسسة فقه الشيعة – بيروت)
والسؤال مرتبط بالفرق بين الأجسام والأجساد، وهل لهما معنى واحد أم لهما معنيان متغايران؟
بداية لابد من الإشارة إلى أمرين:
الأمر الأول: إن المقطع السابق أو ما يقاربه قد ورد في زيارتين للإمام الحسين (ع) فقط (وفي حدود التتبع)، أما الزيارة الأولى فهي المعروفة بزيارة وارث، والثانية هي زيارة ليلة عرفة ويومها.
أما زيارة وارث فقد رواها الشيخ الطوسي في المصباح بإسناده عن صفوان بن مهران الجمال، وتبعه على ذلك الشهيد الثاني في المزار. (مصباح المتهجد ص717، والمزار ص152)
أما زيارة ليلة عرفة ويومها فقد نقلها العلامة المجلسي عما رواه الشيخ المفيد والشهيد الثاني والسيد ابن طاووس. (البحار ج98 ص360، وراجع المزار للشهيد الثاني ص198، وإقبال الأعمال ج2 ص63، أما كتاب المزار للشيخ المفيد فلم أجد فيه زيارة عرفة!!)
وللتمييز بين الزيارتين فقد نقل الشهيد الثاني والعلامة المجلسي الزيارة الأولى ضمن الزيارات المطلقة بينما نقلا الثانية ضمن الزيارات المخصوصة بزمان معين، ولكن من المحتمل قويا أن كلتا الزيارتين تعودان إلى زيارة واحدة لتقارب النصين في كثير من المواضع، ولأن الشيخ الطوسي أورد زيارته التي جعلها العلامة المجلسي ضمن الزيارات المطلقة ضمن أعمال شهر ذي الحجة وبالتحديد بعد تعرضه للروايات التي تذكر فضل التواجد عند الإمام الحسين ع في يوم عرفة.
الأمر الثاني: إن الاتيان بكلمة "أجسامكم" بعد "أجسادكم" موجود في زيارة وارث كما هو في مصباح المتهجد وفقا للنسخة التي اعتمدها محقق الكتاب وهي نسخة المكتبة الرضوية على مجاورها آلاف الصلاة والسلام، ويظهر أن بعض النسخ خالية منها، فإن العلامة المجلسي نقل الزيارة عن مصباح الشيخ الطوسي بالشكل التالي:
«صلوات الله عليكم، وعلى أرواحكم، وعلى أجسادكم، وعلى شاهدكم ...الخ». (البحار 98 ص200)
أي بحذف كلمة "أجسامكم".
ومن المحتمل أن الزيارة قد وردت بلفظ واحد إما أجسامكم أو أجسادكم ولكن حيث اختلط الأمر على النساخ وخصوصا مع تقارب شكل كتابة الكلمتين فقد أدرجوها ضمن متن الزيارة بدلا من أن يشيروا إلى أنها واردة كنسخة بدل.
غير أن الشهيد الثاني أورد نفس الزيارة الموجودة في مصباح المتهجد بالإبقاء على كلمة "أجسامكم". (المزار ص158 ، بتحقيق: محمود البدري، ط مؤسسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الأولى 1416هـ، وقد اعتمد المحقق على ثمان نسخ خطية مضافا إلى الاعتماد على النسخة المحققة والمعتمدة على نسخة مكتبة الصفائي الخونساري وبما يصل إلى تسع نسخ)
ولعل هذا يعزز وجود كلمة "أجسامكم" في النص الأصلي للزيارة، وإن كان يحتمل أن النسخة التي اعتمدها الشهيد الثاني من مصباح المتهجد كانت فيها كلمة "أجسامكم".
أما الزيارة الثانية ليوم عرفة فقد نقلها السيد ابن طاووس والشهيد الثاني مع حذف كلمة "أجسامكم". وكذلك نقلها المشهدي في المزار الكبير ص463 مع حذف الكلمة.
إذا تبين هذا فنقول:
إن لم تثبت زيادة كلمة "أجسامكم" فالأمر هين، وكذا إذا ثبت إحدى الكلمتين إما أجسامكم وإما أجسادكم.
أما إذا ثبت وجودها في أصل الزيارة في نفس الأمر والواقع فمما لا شك فيه أن أهل البيت (ع) وهم سادة الفصحاء والبلغاء لم يأتوا بهذا الكلام لمجرد الترادف والتكرار، والمتأمل في أسلوبهم وطريقة كلامهم في الخطب والأحاديث والأدعية لا يرتاب في ذلك، وخصوصا مع ملاحظة التقابل الموجود بين كلمات الزيارة: فباطنكم في مقابل ظاهركم، وشاهدكم في مقابل غائبكم، ومثل هذا التقابل يقتضي تغاير المعاني بين كلمة الأجسام والأجساد.
وإذا رجعنا للكلمتين من الجانب اللغوي نجد العالم اللغوي الشيعي وواضع علم اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 175 هـ وهو من أصحاب أقدم الكتب اللغوية يقول:
"الجسد للإنسان، ولا يقال لغير الإنسان جسد من خلق الأرض، وكل خلق لا يأكل ولا يشرب من نحو الملائكة والجن مما يعقل فهو جسد". (ترتيب كتاب العين ج1 ص290، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، انتشارات أسوه - قم، الطبعة الأولى – 1414هـ)
"الجسم يجمع البدن وأعضاءه من الناس والإبل والدواب ونحوه مما عظم من الخلق الجسيم". (المصدر السابق ص291)
والفلاسفة وإن كان لهم تعريف آخر للجسم لا يلحظ فيه كبر الحجم من صغره بل يلاحظه كجوهر يمكن أن يفرض فيه امتدادا في ثلاث جهات إلا أن من اللازم ملاحظة الوضع اللغوي أو الاستعمال اللغوي على أقل تقدير لأنه أقرب إلى فهم العبارة بلحاظ المدلول المتداول بين العرب.
ويمكن أن نرسم صورة إجمالية للفرق بين الكلمتين من خلال التعريفين السابقين، أن الجسد كشيء عنصري لوحظ من خلال ارتباطه بما يعقل كالإنسان بينما الجسم لوحظ كشيء عنصري محض.
يقول المجتهد الكبير الملا حبيب الله الشريف الكاشاني (قد) في بيان الفرق بينهما:
"وجسم الإنسان وجسده وجثمانه هو مجموع أعضائه المؤلفة من العناصر
وربما يفرق بين الجسم والجسد باحتمالات:
الاحتمال الأول: اختصاص الجسم بما فيه روح أو تعميمه لذي الروح وغيره، واختصاص الجسد بما خلا عن الروح.
الاحتمال الثاني: المراد من أجسامهم أشباحهم النورانية لأنها من مراتبهم ومنازلهم وكما دلت عليه بعض الأخبار ، ففي بعضها: "إن آدم رأى على العرش أشباحا يلمع نورها"، وفي بعضها: "ثم بعثهم في الظلال، قال: قلت: أي شيء الظلال؟ قال: ألم تر إلى ظلك في الشمس شيء وليس بشيء".
قال الطريحي: (ثم بعثهم في الظلال أي في عالم الذر والتعبير بعالم الذر والمجردات واحد، وإنما عبر عنه بذلك لأنه شيء لا كالأشياء).
وفي بعضها : "كيف كنتم في الأظلة؟ قال: يا مفضل كنا عند ربنا في ظلة خضراء".
الاحتمال الثالث: أن يراد بالأجسام الأجساد الأصلية اللطيفة التي لا تتغير بمضي الدهور وورود الآفات، وبالأجساد العنصرية الزمانية التي تنقص وتزيد.
الاحتمال الرابع: أن يراد بأحدهما الأجساد المثالية البرزخية، وبالآخر هذا الهيكل المحسوس في هذا العالم".
(انتهى كلامه قدس سره مع تصرف بسيط في العبارات لأداء الغرض بشكل أفضل، فراجع جنة الحوادث في شرح زيارة وارث ص181، تحقيق: نزار الحسن، الطبعة الأولى 1423 هـ ، دار جلال الدين، قم)
وكما ترى فإن هذه الاحتمالات وإن كانت واردة لكن لا دليل يعضدها ولا شاهد يؤيدها، ولعل ملاحظة ما يستشف من الفارق اللغوي يكون أقرب من جهة أن فيه بعض الظهور.
ولا يعني هذا التنقيص مما ذكره الكاشاني قدس سره فإن علماءنا الأجلاء دأبوا على ذكر المحتملات الممكنة في مراد الأحاديث، وما ذكره محتمل ووارد، وما ذكرناه من الفرق اللغوي لا يعني أن لا محتملات أخرى في البين، سواء مما ذكره الكاشاني أو ما لم يذكره، فإنه قد تمضي قرون وقرون حتى يتوصل العلماء إلى فهم بعض المعاني المرتبطة بأحاديث أهل البيت، فهم عدل القرآن وكلماتهم هي أقرب الكلمات لكلمات الله عز وجل، وكما القرآن فيه معاني كثيرة وكلما تقادم الزمان اكتشف البشر شيئا منها، وقد جاء في الحديث الذي رواه الكليني والشيخ الصدوق أنه سئل علي بن الحسين ع عن التوحيد فقال:
«إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله عز وجل: ﴿ قل هو الله أحد الله الصمد ﴾ ، والآيات من سورة الحديد إلى قوله:﴿ وهو عليم بذات الصدور، ﴾فمن رام وراء هنالك هلك». (الكافي ج1 ص91، التوحيد ص283 ح2)
وكذلك الأمر في كلمات أهل البيت (ع).
ونحن وإن كنا نجهل الفارق الدقيق والذي لا غبار عليه بين الكلمتين، غير أن معرفتنا وعلمنا بأسلوب الأئمة وطريقتهم تجعلنا نجزم بوجود فارق بينهما، ونسعى بإمكانياتنا البشرية المحدودة لاستكشاف شيء من كنوز كلماتهم.
ومما تجدر الإشارة إليه أن أجساد الأئمة (ع) كجسد النبي (ص) اختصت ببعض المميزات، ومن هنا جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة: "وأجسادكم في الأجساد" أي أنها في الأجساد المتميزة عن بقية الأجساد، وليس المقام هو مقام ذكرها وتناولها، ولكن من جهة ارتباط تلك الأجساد بتلك الأرواح الطاهرة فقد ميزها الله عز وجل بخصائص غير موجودة في غيرها، وجاءت الصلوات الإلهية عليها في زيارة وارث.