أقوال بعض كبار المفسِّرين في هذه الآية :
1- قال الطبري في تفسيره (ج19 ص14-15) :
"يقولُ تعالى ذكرُه : (النَّبِيُّ) محمدٌ (أَولى بالمؤمنين). يقولُ : أحقُّ بالمؤمنين به مِن أنفسِهم ، أن يَحْكُمَ فيهم بما يَشاءُ مِن حكمٍ ، فيَجوزَ ذلك عليهم.
كما حدَّثني يونُسُ ، قال : أخبرنا ابنُ وهبٍ ، قال : قال ابنُ زيدٍ : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) : كما أنت أولى بعبدِك ، ما قضَى فيهم مِن أمرٍ جاز ؛ كما كلما قضَيْتَ على عبدِك جاز.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو ، قال : ثنا أبو عاصمٍ ، قال : ثنا عيسى ، وحدَّثنا الحارثُ ، قال : ثنا الحسنُ ، قال : ثنا ورقاءُ ، جميعاً عن ابنِ أبي نجيحٍ ، عن مجاهدٍ : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) . قال : هو أبٌ لهم.
حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى ، قال : ثنا عثمانُ بنُ عمرَ ، قال : ثنا فُلَيْحٌ ، عن هلالِ بنِ عليٍّ ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي عَمْرةَ ، عن أبي هريرةَ ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : "ما مِن مؤمنٍ إلا وأنا أَولى الناسِ به في الدنيا والآخرةِ ، اقْرَءُوا إن شئْتُم : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ، وأيُّما مؤمنٍ ترَك مالاً فلورثتِه وعَصَبتِه مَن كانوا ، وإن ترَك دَيْناً أو ضَياعاً فلْيَأْتِني وأنا مولاه".
2- قال البغوي في تفسيره (ج3 ص532 طبعة دار طيبة الطبعة الثالثة 1431هـ - 2010م) :
"قوله عزَّ وجلَّ: (النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم) يعني: من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه عليهم ووجوب طاعته عليهم، وقال ابن عباس وعطاء: يعني: إذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهم من طاعتهم أنفسهم، وقال ابن زيد: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى فيهم، كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه، وقيل: هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه".
وعلى هذا الرابط في (ج6 ص318).
3- قال ابن الجوزي في (زاد المسير ج6 ص352) :
"قوله تعالى : ( النَّبيُّ أَولى بالمؤمِنين مِنْ أنفُسهم ) أي : أحقُّ ، فله أن يحكُم فيهم بما يشاء ، قال ابن عباس : إذا دعاهم إلى شيء ، ودعتْهم أنفسهم إلى شيء ، كانت طاعتُه أولى من طاعة أنفُسهم ؛ وهذا صحيح ، فإن أنفُسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم ، والرسول يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم".
4- قال ابن كثير في تفسيره (ج11 ص118 طبعة دار عالم الكتب) :
"قد علم الله شفقة رسوله على أمته ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم كان مقدماً على اختيارهم لأنفسهم، كما قال تعالى: (فلا ورَبِّكَ لا يؤمنونَ حتَّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حَرَجاً مما قضيتَ ويُسَلِّموا تسليماً).
وفي الصحيح أيضاً أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، والله لأنتَ أحبُّ إِليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يا عمر حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك" فقال: يا رسول الله، والله لأنتَ أحبُّ إليَّ من كل شيء حتى من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر". ولهذا قال تعالى في هذه الآية (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)".
أقول : تبيَّن أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وحكمه نافذٌ فيهم وجائزٌ عليهم كنفوذ حكم السادة على عبيدهم، وطاعتُه مقدَّمةٌ على طاعتهم لأنفسهم، وإرادته مقدَّمةٌ على إرادتهم، ويجب عليهم أن تكون محبَّتُهم له أشدَّ من محبَّتِهم لأنفسهم وأولادهم والناس أجمعين.
5- قال ابن قيِّم الجوزية في (الرسالة التبوكية ص31-33 ، طبعة دار عالم الفوائد) :
"وقال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِن أَنفُسِهِمْ) . وهذا دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين، وهذه الأولوية تتضمن أموراً:
منها: أن يكون أحبَّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكونَ الرسول أولى به منها، وأحبَّ إليه منها؛ فبذلك يحصل له اسم الإيمان.
ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمالُ الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على كل من سواه.
ومنها: أن لا يكون للعبد حُكْمٌ على نفسه أصلاً، بل الحكمُ على نفسه للرسول، يحكمُ عليها أعظمَ من حُكْمِ السيد على عبده، والوالد على ولده؛ فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها.
فيا عجباً كيف تَحصُلُ هذه الأولوية لعبد قد عَزَلَ ما جاء به الرسول عن منصب التحكيم، ورَضِيَ بحكم غيره، واطمأن إليه أعظمَ من طمأنينته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وزعم أن الهدى لا يُتَلَقَّى من مشكاته، وإنما يتلقى من دلالات العقول، وأنَّ ما جاء به لا يفيد اليقين، إلى غير ذلك من الأقوال التي تتضمن الإعراضَ عنه وعما جاء به، والحوالةَ في العلم النافع على غيره، وذلك هو الضلال المبين.
ولا سبيلَ إلى ثبوت هذه الأولوية إلاّ بعَزْلِ كل ما سواه، وتوليتِه في كل شيء، وعَرْضِ ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قَبِلَه، وإن شهد له بالبطلان ردَّه، وإن لم تتبينْ شهادتُه له بصحةٍ ولا بطلانٍ جَعَلَه بمنزلة أحاديث أهل الكتاب، وَوَقَفَه حتى يَتَبَيَّن أي الأمرين أولى به؟
فمن سلكَ هذه الطريقةَ استقامَ له سَفَرُ الهجرة، واستقام له علمُه وعملُه، وأقبلتْ وجوهُ الحقِّ إليه من كلِّ جهة.
ومن العجب أن يَدّعي حصولَ هذه الأولوية والمحبة التامة مَن كان سعيه واجتهاده ونَصَبه في الاشتغال بأقوال غيره وتقريرها، والغضب والحمية لها، والرضى بها والتحاكم إليها، وعرض ما قال الرسول عليها؛ فإن وافقها قَبِلَه، وإن خالفها التمسَ وجوهَ الحيل، وبالغَ في رَدِّه لَيًّا وإعراضاً؛كما قال تعالى: (وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)".
أقول : نستفيد مما قاله ابن القيم عدة مقامات للنبيِّ صلى الله عليه وآله من حيث كونه (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) :
1- أن من لم يكن النبيُّ أولى به من نفسه فليس من المؤمنين.
2- أن يكون الأولى بالمؤمنين من أنفسهم أحبَّ إلى العبد من نفسه.
3- يلزم من هذه الأولوية (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه والتسليم لأمره وإيثاره على كل من سواه.
4- أنَّ الأولى بالمؤمنين من أنفسهم حكمه على المؤمنين أعظم من حُكْم السيد على عبده، والوالد على ولده، وأنَّ المؤمنين ليس لهم حُكْمٌ على أنفسهم إلا بما حَكَمَ به من هو أولى بهم من أنفسهم.
5- وجوب عَزْلِ كل من سوى الأولى بالمؤمنين من أنفسهم، وتوليةِ الأولى في كل شيء، وعَرْضُ ما جاءَ به كلُّ أحدٍ على ما قاله الأولى بالمؤمنين من أنفسهم، فما شهد له بالصحة قُبِلَ، وما شهد له بالبطلانِ رُدَّ.
وهنا سؤال : هل أعطى رسولُ الله صلى الله عليه وآله هذه الولاية وهذا المقام (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) لأحدٍ؟
لنقرأ هذه الروايات :
1- أخرج أحمد في مسنده (ج32 ص55-56 ح19302) :
حدثنا حُسين بن محمد وأبو نعيم، المعنى، قالا: حدثنا فِطْرٌ، عن أبي الطُّفيل قال:
جمع عليٌّ رضي الله عنه الناسَ في الرَّحْبة، ثم قال لهم: أنْشُدُ اللهَ كلَّ امرىءٍ مسلمٍ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم غَديرِ خُمٍّ ما سمع، لَمَّا قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناسٌ كثير، فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: "أتَعْلَمُونَ أنِّي أوْلَى بالمؤمنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟" قالوا: نعم يا رسولَ الله. قال: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ، فَهذَا مولاهُ، اللّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عادَاهُ" قال: فخرجتُ وكأنَّ في نفسي شيئاً، فلَقِيتُ زيدَ بنَ أرقم، فقلتُ له: إني سمعتُ علياً رضي الله عنه يقول كذا وكذا. قال: فما تُنكر؟ قد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
وأخرج في مسنده (ج38 ص32 ح22945) :
حدثنا الفضلُ بن دُكَينٍ، حدثنا ابن أَبي غَنِيَّةَ، عن الحَكَم، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس
عن بُرَيدةَ، قال: غَزَوتُ مع عليٍّ اليمنَ، فرأَيتُ منه جَفْوةً، فلما قَدِمْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرْتُ عليّاً، فتَنَقَّصتُه، فرأَيتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتغيَّرُ، فقال: "يا بُرَيدةُ، أَلستُ أَوْلى بالمُؤمنِينَ من أَنفُسِهم؟" قلت: بلى يا رسول الله. قال: "من كنتُ مَوْلاه، فعليٌّ مَوْلاه".
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
2- أخرج ابن أبي عاصم في (السُّنَّة ج2 ص911 ح1403) :
(حدثنا أبو مسعود، ثنا عاصم بن مهجع، ثنا يونس بن أرقم، عن الأعمش، عن أبي ليلى الحضرمي ، عن زيد بن أرقم) قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "ألست أولى بكم من أنفسكم ؟" قالوا : بلى، فقال : "من كنت مولاه فعلي مولاه".
قال الدكتور باسم بن فيصل الجوابرة : حديث صحيح.
3- أخرج ابن حبان في صحيحه (ج15 ص375-376 ح6931) :
أخبرنا عبدُ الله بنُ محمد الأزديُّ، حدثنا إسحاقُ بنُ إبراهيم، أخبرنا أبو نعيم، ويحيى بنُ آدم، قالا: حدثنا فِطْرُ بنُ خليفة
عن أبي الطُّفَيل قال: قال عليٌّ: أَنشُدُ الله كُلَّ امرىءٍ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ في غَدِيرِ خُمٍّ لَمَا قامَ، فقامَ أُناسٌ فشَهِدوا أَنَّهمْ سَمِعوه يقولُ: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي أَوْلَى النَّاسِ بالمُؤمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهمْ؟" قالوا: بَلى يا رَسُولَ الله، قالَ: "مَنْ كُنتُ مَوْلاهُ فإنَّ هذا مَولاَهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ"، فخرجتُ وفي نفسي من ذلك شيءٌ ، فلقيتُ زيدَ بنَ أرقم ، فذكرتُ ذلك له، فقالَ: قَدْ سمِعناهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ ذلكَ لهُ.
قال أبو نُعيم: فقلتُ لِفِطر: كم بينَ هذا القول وبينَ موتِهِ؟ قال: مئة يوم.
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
4- أخرج الضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة ج2 ص173-174 ح553) :
أخبرنا عبد الله بن أحمد الحربي - بها - أن أبا القاسم هبة الله بن الحصين أخبرهم - قراءةً عليه - أنا أبو علي بن المُذْهِب، أنا أبو بكر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا حسين بن محمد، وأبو نُعْيم المعني، قثنا فِطْر، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الناس في الرَحْبة ثم قال: أنشد بالله كل امرىء مسلم، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خُمّ ما قال. فقام إليه بعض الناس. قال أبو نعيم: فقام ناس كثير، فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: "مَنْ كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه".
قال: فخرجتُ كأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيدَ بن أرقم فقلت له: إني سمعت علياً يقول كذا وكذا. قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك له.
قال عبد الملك بن عبد الله بن دهيش في حاشية ص173 : إسناده حسن.
5- قال ابن كثير في (البداية والنهاية ج7 ص676) :
"وقال الإمامُ أحمدُ: حدثنا عفانُ ، ثنا أبو عَوانةَ ، عن المغيرةِ ، عن أبي عُبَيدٍ ، عن ميمونٍ أبي عبدِ اللهِ قال : قال زيدُ بنُ أرْقَمَ وأنا أسْمَعُ: نزَلْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم منزلاً يقالُ له : وادي خُمٍّ. فأمَر بالصلاةِ فصلاَّها بهَجِيرٍ. قال : فخطَبَنا وظُلِّل لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بثوبٍ على شجرةِ سَمُرٍ مِن الشمسِ، فقال : "ألسْتُم تعلَمون - أو: ألسْتُم تشْهَدون - أني أوْلَى بكلِّ مؤمنٍ مِن نفسِه ؟" قالوا : بلى. قال : "فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه". قال ميمونٌ : حدثني بعضُ القومِ عن زيدٍ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه". وهذا إسنادٌ جيدٌ رجالُه ثقاتٌ على شرطِ السننِ ، وقد صحَّح الترمذيُّ بهذا السندِ حديثاً في الزيتِ".
6- قال الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص331) :
"عن أبي الطفيل قال: "جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم : أنشد الله كل امرىء مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام ، فقام ثلاثون من الناس ، (وفي رواية : فقام ناس كثير) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس :
" أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ " قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : " من كنت مولاه ، فهذا مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ".
قال : فخرجت وكأن في نفسي شيئاً ، فلقيت زيد بن أرقم ، فقلت له : إني سمعت علياً يقول كذا وكذا ، قال : فما تنكر ، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له".
أخرجه أحمد (4 /370) وابن حبان في "صحيحه" (2205 - موارد الظمآن) وابن أبي عاصم (1367 و 1368) والطبراني (4968) والضياء في "المختارة" (رقم -527 بتحقيقي).
قلت : وإسناده صحيح على شرط البخاري".
وقال في المجلد نفسه (ص336) :
"3- حديث بريدة ، وله عنه ثلاث طرق :
الأولى: عن ابن عباس عنه قال :
خرجت مع علي رضي الله عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة ، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت علياً ، فتنقصته ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه ، فقال : " يا بريدة ! ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ " قلت : بلى يا رسول الله ، قال :
" من كنت مولاه ، فعلي مولاه " .
أخرجه النسائي والحاكم (3/110) وأحمد (5/347) من طريق عبد الملك بن أبي غَنِيَّة قال : أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .
قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده قصور".
7- قال مقبل بن هادي الوادعي في (الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين ج4 ص51 ح2456 طبعة دار الآثار) :
"قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص347): حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ دُكَينٍ، حدَّثنا ابنُ أبي غَنِيَّةَ، عن الحَكَم، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن بُرَيْدةَ، قالَ: غَزَوْتُ مع عليٍّ اليَمَنَ فرَأيتُ منهُ جَفْوَةً، فلمَّا قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرْتُ عَلِيّاً فَتَنَقَّصْتُهُ، فرأيتُ وجهَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَتَغَيَّرُ فقالَ: "يا بُرَيْدَةَ، ألَسْتُ أَوْلَى بالمؤمنينَ مِنْ أنفسهم؟" قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: "مَنْ كُنْتُ مولاهُ فعليٌّ مولاهُ".
هذا حديث صحيح".
تجده على هذا الرابط في (ج4 ص42).
مجلد 4
أقول : نلاحظ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وَجَّهَ إلى المسلمين هذا السؤال : "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" ، "ألستُم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" ، ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟".
وبعد أن أخذ منهم الإقرار والاعتراف بأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم : "بلى يا رسول الله" ، "نعم يا رسول الله".
قال لهم : "من كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه".
ونلاحظ أيضاً أنَّ أبا الطفيل قد خرجَ بعد سماع هذا الحديث من علي بن أبي طالب وفي نفسه شيءٌ، فلو كان الحديث بمعنى المحبة والنصرة فقط فهل سيخرج وفي نفسه شيءٌ ليسأل زيد بن أرقم عن ذلك؟
ونجمع هذا مع ما جاء عن أحمد بن حنبل في كتاب (السُّنَّة) لأبي بكر الخلال مجلد1 ج2 ص346- 347 ح458 :
وأخبرني زكريا بن يحيى أن أبا طالب حدثهم أنه سأل أبا عبد الله عن قول النبي صلى الله عليه وسلم عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه ما وجهه؟ قال: لا تكلم في هذا دع الحديث كما جاء.
قال الدكتور عطية بن عتيق الزهراني: إسناده صحيح.
وأخيراً أختم بهذه الرواية :
أخرج ابن ماجة في سننه (باب في فضائل أصحاب رسول، فضائل علي بن أبي طالب) :
عن البراءِ بنِ عازبٍ ، قال :
أقبلْنا معَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّتِه التي حجَّ ، فنزلَ في بعضِ الطريقِ ، فأمرَ : الصلاةَ جامعةً ، فأخذَ بيدِ عليٍّ - رضي الله عنه - ، فقالَ : " ألستُ أولى بالمؤمنينَ من أنفسهم ؟ " ، قالوا : بلى ، قالَ : " ألستُ أولى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه ؟ " ، قالوا : بلى ، قالَ : "فهذا وليُّ مَنْ أنا مولاهُ ، اللَّهمَّ ! والِ من والاهُ ، اللَّهمَّ عادِ من عاداهُ".
قال الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه ج1 ص56 ح115) : صحيح.
النتيجة : أنَّ علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
فائدة : هل وَرَدَ لفظ (المولى) بمعنى (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) في الأحاديث النبوية؟
الجواب : أخرج البخاري في صحيحه (كتاب تفسير القرآن، سورة الأحزاب، باب النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِن أَنفُسِهِمْ، ح4781) :
حدَّثني إبراهيم بن المنذر، حدَّثنا محمد بن فُلَيحٍ، حدَّثنا أبي، عن هِلال بن عليٍّ، عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرةَ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "ما من مُؤْمِنٍ إلَّا وأنا أولَى الناس به في الدُّنْيا والآخرةِ، اقرَؤوا إنْ شِئْتُم: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِن أَنفُسِهِمْ)، فأيُّما مُؤْمِنٍ تَرَكَ مالاً، فلْيَرِثْه عَصَبَتُه مَن كانوا، فإنْ تَرَكَ دَيناً أو ضَياعاً فلْيَأْتِني، وأنا مَوْلاه".
وأخرج في صحيحه (كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحَجْر والتفليس، باب الصلاة على من تَرَكَ دَيناً، ح2399) :
حدَّثنا عبد الله بن محمد، حدَّثنا أبو عامرٍ، حدَّثنا فُلَيحٌ، عن هِلال بن عليٍّ، عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرةَ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مُؤْمِنٍ إلَّا وأنا أولَى به في الدُّنْيا والآخرةِ، اقرَؤوا إنْ شِئْتُم: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِن أَنفُسِهِمْ)، فأيُّما مُؤْمِنٍ ماتَ وتَرَكَ مالاً، فلْيَرِثْه عَصَبَتُه مَن كانوا، ومَن تَرَكَ دَيناً أو ضَياعاً فلْيَأْتِني، فأنا مَوْلاه".
فائدة أخرى : قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في (القول المفيد على كتاب التوحيد ص343-344، باب لا يقول عبدي وأمَتِي، طبعة دار ابن الجوزي) :
"وعليه يعرف أنه لا وجه لاستنكار بعض الناس لمن خاطب مَلِكاً بقوله: مولاي؛ لأن المراد بمولاي أي متولي أمري، ولا شك أن رئيس الدولة يتولى أمورها؛ كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)".
وهو موجودٌ أيضاً في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج10 ص929-930.
(17.6
M)
PDF
للباحث الفاضل ((عاشق امير المؤمنين))