نعم، قد يبدو هذا الكلام مستغرباً من فضيلة الشيخ حسين زين الدين، كيف يمكن صنع علامات ظهور الإمام الحجة الموعود (عج)، أوليست العلامات هي عبارة عن الأحداث التي تقع في العالم ونستدل من خلالها على قرب الظهور المبارك؟!!.. يعني هل من الممكن التدخل للمشاركة في صنع هذه العلامة او تلك بشكل أو بآخر؟.. هذا يفضي إلى فهم مراده بأن التعجيل بظهور الإمام الموعود هو بأيدينا نحن التواقون إليه وإلى حكمه العادل..
كنا قد تعرّضنا في المقال التحقيقي السابق إلى الحديث عن مفهوم الانتظار، في مقابلة سابقة مع الشيخ حسين زين الدين، وعن أسباب غيبة الإمام المهدي (عج)، نأتي اليوم لنعرّج في هذه العجالة على أسباب الظهور الشريف، وكيف يمكن أن نقوم نحن بصنع تلك العلامات؟..
انتفاء أسباب الغيبة هي نفسها أسباب الظهور :
يبيّن الشيخ حسين زين الدين أن أبرز الأسباب التي تمهّد للظهور المبارك، تنحصر بثلاث مراحل تاريخية كبرى، تتمثل باستعادة الأدوار المناطة بأهل بيت النبوة (ع)، أي إذا تمّ استعادتها ستؤدي إلى الظهور المبارك. وهي حركة التغيير الإرتدادية.
في المرحلة الأولى، تمّ إبعاد أهل بيت النبوة (ع) عن الحكم السياسي، وفي المرحلة الثانية تمّ تشتيت الناس عن الأعلم وهي المرجعية العلمية، التي كان يجيدها أئمة اهل البيت بكل جدارة لا ينازعهم عليها أحد من الخلق. وفي المرحلة الثالثة كان خلق مذهب التصوف والزهد لإبعاد الناس عن المرجعية التربوية والأخلاقية والإيمانية لأئمة أهل الرسول (ص)، التي كانت تستحوذ على مشاعر الناس ويكبرون بالائمة هذه الخصال وأحد الأسباب التي كانوا يحترمونهم لأجلها.
في المرحلة الأخيرة نصل إلى الحرمان من شخص الإمام نفسه بين الناس. وفي ظل هذا الغياب وحتى قبله أهل البيت (ع) ربوا اتباعهم على صدق الحديث وأداء الأمانة وأن يكونوا أهل صلاة الليل والعبادة والدعاء والزهد وعدم اتباع السلطان الظالم، وأبعدوا شيعتهم عن أن يكونوا علماء البلاط ومنعوا التحاكم عند قضاة السلطان..وجعلوا قضاة بين المؤمنين حتى يفصلوا ثقافة أهل بيت النبوة (ع) عن الارتباط بالسلطة الظالمة حتى لا تؤثر هذه السلطة بالبنية المعرفية والأخلاقية عندهم..
إستعادة الأدوار العقائدية في معطى تاريخي :
هذا الأمر في بداية الغيبة الصغرى والكبرى، والتي ظهر فيها نماذج عرفوا بأنهم هم الأعبد والأتقى مثل الشيخ المفيد والشريف الرضي والمرتضى وغيرهم.. وبهؤلاء تمّ استعادة الدور التربوي والأخلاقي لخط الإمامة والعصمة، ثم توالت الحركة الارتدادية أي استرجاع أدوار الإمامة في حركية المجتمع، حيث استعديت المرحلة الثانية، وهي المرجعية، ببناء الحوزة العلمية على يد الشيخ الطوسي رحمه الله .. ثم بعد ذلك أتى العلامة الحلي والمحقق الحلي .. ثم الشهيد الأول والشهيد الثاني. وصار بامكانك عندما تسئل عن مذهب أهل البيت (ع) أن تقول أصبح له كيان مستقل يعبر عنه ..وبقي منصب القيادة السياسية.. هنا تمثل الثورة الإسلامية في إيران استعادة لهذا المنصب السياسي في الأمة ولذلك إقامة الحكومة الإسلامية على يد الإمام الخميني (قده) وعودة العلماء لقيادة الأمة الاجتماعية والسياسية هي من شروط رفع أسباب الغيبة.
علامات الظهور المبارك مهمة إنما صنعها هو الأهم :
يفاجئنا فضيلة الشيخ حسين زين الدين بجوابه عندما سألناه عن أهم علامات الظهور المبارك للإمام الحجة (عج)، بقوله إن هناك رؤية جديدة في هذا المضمار والتي تفيد بأن الحديث عن وظائف علامات الظهور أهم من الحديث عن تفاصيلها ومعالمها. ونسأله : لماذا؟!...
يقول فضيلة الشيخ إن العلامة غير المعلّمة، تعني انه يجب أن نجتاز العلامة نحو الغاية التي أشارت إليها ..لا الوقوف عند الإشارة بل الذهاب إلى ما تشير إليها هذه الإشارة.. "لذلك هناك مدرستان في فهم العلامات .. مدرسة ترى في العلامات أموراً قطعية لا بد أن تحصل سواء أنجز الإنسان ما عليه أم لم ينجز. وأغلبهم يراهن على أنها أمور تكوينية، فيهتم كثيرا مثلا بالكسوف والخسوف والزلازل والكوراث وانتشار الأمراض والحروب والمجاعات.. وغيرها من هذا القبيل.. وهذا برأي تعويض عن عدم وضوح الرؤية في مسألة العلامات وعجز الإرادة.. الذي يتبنى هذا التفكير يقول لله :"اعمل شغلك أنا مش قادر أعمل شغلي".. نتيجة جهل أو جهل مركب مع احساس بالعجز ..
وماذا عن المدرسة الثانية؟.. يبيّن الشيخ زين الدين:" المدرسة الثانية تتوجه نحو صناعة العلامات .. والتي تفيد أنه حين تسمع أن هناك رجلاً من أهل قم يدعو الناس إلى الحق "يخرج معه قوم قلوبهم كزبر الحديد" ..إذهب وكن أنت هذا الرجل .. حين تمسع أن هناك أبدالاً في الشام، اذهب وكن واحدا منهم واصنع لنفسك صفات مثل صفاتهم ..(الأبدال هم الذين يستبدل الله بهم غيرهم الذين يتخاذلون عن انجاز التكليف).
وظائف العلامات :
وأول وظيفة للعلامات هي الربط بالغيب الالهي، لأن الإنسان قد يظن في كثير من الأحيان أن العوامل المادية هي العوامل الحاسمة فتأتي العلامة كي تذّكره بأن الذي أخبر عن هذا الحدث منذ قرون هو الذي يستطيع التصرف بالأحداث .. ومن الإيمان بالغيب تصديق النبي (ص) يعني حين يحصل حدث ما يشبه ما قاله النبي (ص) نقول صدق رسول الله. وهذا يقوي من ارتباط العلاقة مع الرسول وثقة بقوله وتالياً يشتد الاعتقاد بوجود المهدي (عج) لأن النبي (ص) أخبر عن علمه وهو بنفسه بشّر بالمهدي ..
الوظيفة الثانية هي المسارعة في التوبة . نحن نعرف أن الإمام حين يخرج لا يستتيب. وهذه العبارة يجب فهمها بشكل دقيق .. تارة يكون لا يستتيب بمعنى الأعمال الفردية يكون معها باب التوبة مفتوحا حتى تخرج الروح من الجسد .. وليس هذا المقصود بل المقصود هو في الانتماءات والولاءات .. فمن كان مع معسكره الذي دلّ عليه اليماني والخراساني هو معه وكان ضد معسكره لن يوفق لنصرته .. وبذلك يجب أن يهيء الإنسان ولائه .. إذا التوبة تعني التوبة في الولاءات والانتماءات وتحديد الولي المتبع ..
الوظيفة الثالثة هو التهيئة والجهوزية بما يليق مع مستوى الحدث الكبير .. بمعنى أنه لو وقعت أحداث وتسارعت، وأنا في دين لأحد أو غاصب لحق أو مقصر في عبادة أو عندي صفة أخلاقية سيئة .. فعلى أي وجه أريد أن ألقى الإمام؟!.. نحن نعتقد أن الإمام المهدي(عج) له مقام الشهادة والرقابة وهو واصف في الرقابة الإلهية .. هو عين الله.. فإذا الله سيكشف سري ويبتلي سرائري يوم القيامة فالله أعطاني مهلة لكي أصلح سريرتي تحت نظر هذا العبد.. هو الإمام المهدي.. وبالتالي تهيئة النفس وإصلاحها حتى ألقى الإمام كما يسرّه أن يلقى ..
الوظيفة الرابعة للعلامات منع اليأس حين التمحيص. لأن العلامة هي كالضوء الذي تراه حين الغرق يتجه نحوك ..فأقوى على المقاومة أم إذا لم يكن هذا الضوء موجودا فإني استسلم مبكراً ..
من وظائف العلامات منع الإنحراف :
الوظيفة الخامسة والمهمة جدا جدا .. هي منع الانحراف في العقائد. لأن بعض الروايات تتحدث "أين هلك وفي أي واد سلك؟.." وحتى يرجع عن الأمر أكثر القائلين به.. فإن الناس تمحص وتغربل وتختبر لأن مقام نصرة الإمام الذي يتمناه الأنبياء والرسل لا يناله أي أحد إنما يناله من اختبرت طينته .... فيجب أن نختبر أنفسنا بشكل دائم.. عندما يبدأ الإذن بالظهور نعلم أن الشروط اكتملت .. وهذا معناه أيضاً أنه ستكثر الادعاءات مثلا سيخرج من يقول أنه تحت راية المهدي كما حصل في العصر العباسي جلبوا الخراساني وحمّلوه رايات المشرق .. "رايات سود من المشرق تدعو إلى الحق وإلى الرضا من أل محمد"، ماذا قال لهم الإمام الصادق :"ألآ يعلمون إنما يقتل السفياني؟!" فلما يخرج السفياني بعد فكيف أنتم تخرجون ..؟!! لأن خروج السفياني من العلامات الحتمية حتى نعرف أن من سيكون في مقابله هو جيش الإمام المهدي ..
إذا كان السفياني خروجه حتمياً فمن هو السفياني ..؟!
"السفياني هو شخص اسمه عثمان بن عنبسة"، يخرج من الوادي اليابس من سلالة خالد بن يزيد بن ابي سفيان، تقول الرواية:" إذا رأيته رأيت أقبح الناس وجها لم يؤمن بالله طرفة عين يأتي وفي رقبته صليب وهو حليف اليهود يأتون به بعد زوال دولتهم".
هل يعني هذا إن وجود دولة لليهود واحتلال فلسطين موجود ذكره في العلامات؟!..
الأمر ليس مذكورا بشكل صريح، ولكنها إشارات تدل على ذلك، منها قوله تعالى :"وإن عدتم عدنا وجعلنا جنهم للكافرين حصيرا". ويقول الإمام الصادق (ع) حسب الرواية :" وإن عدتم بالسفياني عدنا بالمهدي". فلسطين موجودة مثلاً في إعلان النصر النهائي يكون بالدخول إلى بيت المقدس على الجيش السفياني، لأن الإمام (عج) يقتل السفياني عند بحيرة طبرية بعد تحريره لبلاد الشام. وينزل السيد المسيح (عليه السلام) في هودج من نور ويأخذ بيده الإمام ويدخل معه إلى بيت المقدس لكي يصلي به إماما .. فإذا لم يكن لبيت المقدس هذه الرمزية في الصراع ما معنى أن يكون إعلان النصر النهائي هناك.. ؟. وحيثية الأية الكريمة "سبحانه الذي أسرى بعبده ليلاً"، وحيثية أنها القبلة الأولى لها مدخلية باعتبار أن الصراع هو صراع إيديولوجي ..ولا شيء في الرواية اسمه زوال اسرائيل الدخول الأول يُعلن بعد الدخول الثاني بمقتضى السرية..
ما معنى أن البداء في العلامات، ولماذا تقول بمقتضى السرية؟.
تقسيم العلامات إلى محتوم وغير محتوم موجود في الروايات ..
علامات خمس هي من العلامات المحتومة المعروفة وهي : السفياني؛ اليماني؛ الخسف في البيداء؛ والصيحة وقتل النفس الزكية .. ولكن جريان البداء أيضا في كل شيء حتى المحتوم في الروايات. وليس أصل العلامة هو من يتغير بل خصوصيات العلامة ...."وفي كل ذلك يجري البداء" وليست الرواية "وبكل ذلك يجري البداء"، ففي المعنى اللغوي عندما يقول هذا الأمر "صحيح في الجملة" يختلف عما هو الحال غير عندما يقول "هذا أمر صحيح بالجملة". بالجملة يعني كلها مع تفاصيله صحيح، اما في الجملة تعني أنه صحيح في الاتجاه العام وإن كان هناك نقاش في التفاصيل .. فحين نقول وفي كل ذلك يجري البداء يعني ليس في أصل العلامة بل في خصائصها وفي توقيتها ..
- من هنا لدينا مجموعة من المؤشرات تدل على أنه لا يوجد دولة اسمها إسرائيل ولا يوجد شوكة لليهود عند ظهور الإمام الحجة عليه السلام .. أولا خريطة حركة الإمام المهدي .. فالإمام لا يواجه امبراطوريات أو دولة عظمى أو دولة لليهود عندما يخرج.. إنما اليهود يكونون حلفاء لمن يحاربهم الإمام.. وهذا دليل على أنهم لا يستطيعون المواجهة بشكل مباشر ..الأمر الثاني الأية التي فسرت بأنها "وإن عدتم عدنا بعد تتبيرهم" ألا يعني الدخول الثاني؟.. "إن عدتم بالسفياني" يعني بعد الدخول الثاني .. "عدنا بالمهدي".. وهذا يعني أن الإمام لا يقاتل هؤلاء إنما من عادوا به .. الأمر الثالث أن الروايات تتحدث عن "عباد لنا أولي بأس شديد" تتحدث عن أهل قم "والله هم أهل قم الذين يدخلون المسجد "..
وهناك شرط أساسي، من الضروري الالتفات إليه جيدا، وهو يجب أن يحترم في العلامات شرط السرية. ماذا تعني السرية؟. بالنهاية هذه العلامة تؤشر إلى قدوم الإمام أو إلى راياته أو إلى شيعته فإذا كشفت عن حقيقة هذا الربط قويّت الإعداء عليك.. أو كشفت له نقاط قوتك إذن هناك سرية يجب أن تؤدي دورها هنا و"البداء" يساعد على التغيير ..