وحامل مفاتيح أمير المؤمنين علي ،
وحارس بوابة العراق من الشر .
هادئ كقمر في برية
وعذب كالفرات
وفي يده راية الحسين
وفي كفه وصية قمر بني هاشم .
ليس سياسيا ،
ولا مصرفيا ،
ولا زعيم حزب ،
لكي يبيع ويشتري .
يتهالك السياسيون على المناصب ،
ويتلمسون الأحذية ،
ويصلّون على أبواب الملوك والمقاولين وأصحاب الخزائن ،
أما هو فلا يصلي إلا في محراب أمير الفقراء علي بن أبي طالب ،
ولا يركع إلا لله .
عملاق لا يقاس بالأقزام ،
بل بالجبال ،
وهو القامة التي تشمخ يوم تتصاغر القامات
حتى لا تكاد ترى بكل أنواع المجاهر والمكبرات والمراصد الفلكية .
كبير بلا تكبر ،
وزعيم أمة بلا جيوش ،
وقائد حشود الفقراء يوم تنتفض العمامة على السيف .
يجلس خبراء السياسة ،
وخبراء المال والمصارف ،
وأنصاف الرجال ،
وربعهم ،
لتجهيز وليمة دفن الوطن ،
وحرقه ،
وتقطيعه ،
لكنه في النهاية المتكلم الوحيد حين تصرخ عراقية على أبواب كربلاء
يا سيدي ما تسقط نجوم السما ما دام عدنه تُفك!).
أي أننا نرفع نجوم السماء بالطلقات .
شاحب كهلال فوق مئذنة موسى بن جعفر ،
ونحيل مثل سيف قمر بني هاشم ،
وحين يتكلم تتكلم معه قرون من التمرد والعصيان والثورة والرفض .
آخر سلالات الفرسان على باب "أبو الفضل" ،
وآخر قامة عطرة تدخل محراب أمام الفقراء ،
وآخر السيوف الممتشقة يوم تنكس الرؤوس.
آخر من يتكلم ،
وأول من يحسم ،
وهو رجل الحسم ،
وآخر من يرفع كفه بحكمة الكبار ،
فلا تسقط نجوم السماء ما دام عدنا "تُفك" .
حكيم بلبدة أسد عند باب الضريح ،
وحارس بوابة الأمل من الدخيل ،
والطارئ ،
والمتنكر ،
والقاتل ،
والجبان ،
والصغير .
يأنف من معارك الأشباه ،
وفمه مغسول بعطر عباءة فاطمة الزهراء ،
وحين تتزاحم أقدام الشر على باب بيته ،
يلوذ بقرون من حكمة الصمت لكي تمر العاصفة ،
لكنه سيد الخطى الباسلة يوم تتزاحم المناكب نحو خيارات الحرية أو الموت .
سيد في المناورة ،
لكنه سيد في الحكمة ،
وفي كفه يمتد شريط من أسماء الشهداء لا يبدأ ولا ينتهي .
يجلس الجنرالات على مناضد الرمل وخلف الأجهزة
ويحشدون الجيوش لمعارك مقبلة ،
وهو يجلس على سجادة صلاة تليق بإمام عملاق ،
وليس عنده غير كتاب الله ،
ومسبحة أن اهتزت ،
يهتز معها تاريخ من التمرد على السلاطين والملوك والأشباه.
تشرّق الدنيا وتغرّب ،
توضع الخطط والبرامج ،
يبيع الساسة ويشترون ،
تكتب الأقلام ما تكتب ،
يتخاصمون على هذه الأسمال أو تلك ،
يزحفون ،
أو ينبطحون ،
ترتعش القلوب خوفا ،
أو قلقا على الوطن ،
لكنه هادئ كبوابة الأمير ،
وصامت صمت خيول الأنبياء ،
وحين تسقط دموعه على سجادة صلاته ،
تتساقط عروش ،
وتهرب جيوش ،
وتنكشف أقنعة ،
وتنهار مصارف ،
وتمطر الدنيا حجرا .
14 قرنا من الثورة .
14 قرنا من سلالات العصيان .
14 قرنا من المقابر الجماعية حتى أن خلفاء بني أمية
كانوا يتباهون بعدد الجماجم التي يورثونها في الخزائن لأحفادهم .
14 قرنا من جنود العسل ،
والسم ،
والسجون ،
وما ركعت هذه السلالة .
لم نسأله من أين جاء ،
من خراسان أو سمرقند أو كراشي أو أبعد قرية في تركيا ،
لأننا لسنا عنصريين متنكرين ،
ولأننا نعرف أن نبينا الكريم كان محاطا بالحبشي والفارسي واليمني .
لم نسأله ماذا نفعل لأننا نعرف ماذا يفعل .
وحين يتكلم هذا الهلال النجفي ،
ستتكلم معه قرون من الرمل والدم والحب والخير والخصب .