بسْمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمّدُ للهِ ربّ العالمين .. عليه نتوكلُ وبه نستعين
وصلّى الله على خير خلقه محمّدٍ وآله الطّاهرين
-------------------
« الصلاة من جلوس وحكم الصلاة على الكرسي »
من أركان الصلاة وواجباتها : القيام ، فهو ركن في موضعين :
الأول / في تكبيرة الإحرام ، فيجب أداء تكبيرة الإحرام حال القيام .
الثاني / قبل الركوع وهو المسمى القيام المتصل بالركوع بمعنى أن يركع المصلي عن قيام ، أي يكون ركوعه مسبوقاً بالقيام فيتحول من القيام الى الركوع .
ومعنى ركنية القيام في هذين الموضعين بطلان الصلاة بتركه عمداً أو سهواً ، فمن سها وكبّر تكبيرة الإحرام جالساً بطلت صلاته فضلاً عن المتعمد ، ومن أمثلة ذلك أن يكون الشخص جالساً ثم يقوم ليبدأ الصلاة فيكبر تكبيرة الإحرام أثناء نهوضه قبل أن يستوي قائماً ، فلو وقع حرف واحد من تكبيرة الإحرام أثناء النهوض وقبل تحقق القيام الشرعي بطلت تكبيرة الإحرام ، ولذا ذكر الفقهاء أنه لا بد من تحقق القيام قبل الشروع بتكبيرة الإحرام من باب المقدمة للقيام المعتبر في تكبيرة الإحرام .
وكذا من سها وترك القيام قبل الركوع فركع عن جلوس بمعنى أنه تحول من الجلوس الى الركوع فصلاته باطلة ، وليس المقصود أنه ركع وهو جالس فهذه مسألة أخرى بل ركع وهو واقف لكن قبل الركوع كان جالساً وتحول من الجلوس الى هيئة الركوع ، كما لو كان واقفاً حال القراءة وبعد فراغه هوى للسجود سهواً وقبل وضع جبهته على الأرض تذكر أنه لم يركع فنهض الى هيئة الركوع مباشرة من دون أن يقف ، فهنا يكون ركوعه عن جلوس وليس عن قيام أي تحول من حالة الجلوس الى هيئة الراكع مباشرة فتبطل الصلاة لفوات الركن وهو الركوع عن قيام أي القيام قبل الركوع ، وكان عليه أن يقف ثم يركع لا أن ينهض الى الركوع مباشرة .
وما عدا هذين الموردين فالقيام واجب فيما يشترط فيه القيام وذلك في أربعة مواضع :
الأول / أثناء قراءة الفاتحة والسورة التي بعدها في الركعتين الأولى والثانية .
الثاني / أثناء الركوع ، لأنه عبارة عن الانحناء حالة الوقوف على القدمين .
الثالث / القيام بعد رفع الرأس من الركوع وقبل السجود بمعنى أن يسجد عن قيام وإن شئت سمّه القيام المتصل بالسجود ، فهذا واجب وليس بركن كالقيام السابق على الركوع .
فتحَصّلَ أنه لدينا قيام قبل الركوع وقيام أثناء الركوع وقيام بعد الركوع ، والأول ركن دون الآخرَين فهما واجبان فقط .
الرابع / القيام أثناء التسبيحات الأربع في الركعة الثالثة والرابعة .
ففي هذه المواضع الأربعة القيام واجب وليس بركن بمعنى أن الصلاة تبطل بتركه فيها عمداً فقط لا سهواً .
ومعنى أن القيام من أركان الصلاة وواجباتها أن المصلي يجب عليه القيام في هذه المواضع الستة من الصلاة ، فمن ترك القيام في أحد هذه المواضع فإن كان متعمداً بطلت صلاته ، وإن كان ساهياً بطلت الصلاة في الموضعين الأولين لأن القيام فيهما ركن ولم تبطل في المواضع الأربعة الأخرى لأن القيام فيها ليس بركن .
هذا مع القدرة على القيام أما مع عدم القدرة على القيام فحينئذٍ يسقط التكليف به كأي واجب آخر يسقط التكليف به مع عدم القدرة على امتثاله ، ولا يلزم من العجز عن القيام سقوط التكليف بالصلاة بل يؤديها المكلف من جلوس ، فيكبر تكبيرة الإحرام وهو جالس ، ويركع من جلوس ، عن جلوس ، ويسجد عن جلوس ، ويأتي بالقراءة والتسبيحات وهو جالس .
لكن هنا يوجد تفصيل ، حاصله : أن سقوط التكليف بالقيام وتحوله الى التكليف بالجلوس يمر بعدة مراحل وليس مباشرة ، بمعنى أن المصلي لا يصح أن يأتي بكل الصلاة وهو جالس بمجرد عجزه عن القيام كما يتوهم كثير من المكلفين ، بل توجد عدة مراحل متى ما تحقق العجز فيها جميعها فحينئذٍ يصلي من جلوس .
وتوضيح ذلك أن أداء الصلاة من حيث القيام والجلوس له عدة مراحل وصور مترتبة ، بمعنى أنه لا تصل النوبة الى المرحلة اللاحقة الا بعد العجز عن السابقة ، وهذه المراحل هي :
المرحلة الأولى / أداء الصلاة من قيام في جميع المواضع الستة المذكورة ، فيكبّر تكبيرة الإحرام أثناء القيام ، ويركع عن قيام ، ويكون ركوعه وهو قائم ، ويسجد عن قيام ، ويقرأ الفاتحة والسورة والتسبيحات أثناء القيام ، فمن كان قادراً على ذلك وجب عليه القيام في جميع مواضع وجوب القيام ، والمقصود بالقيام هنا الحالة الاعتيادية المتعارفة لغالب المكلفين ، وهي ما كان القيام فيها مشتملاً على أمور :
1. انتصاب الجسد واعتداله أي إقامة فقار الظهر فلا ينحني ، يستثنى من ذلك القيام حال الركوع فلا بد من الانحناء فيه .
2. الاستقرار أي السكون والاطمئنان حال القيام فلا يضطرب ولا يتمايل ولا يتحرك ، يستثنى القيام المتصل بالركوع وهو الذي يسبق الركوع فإنه يكون حال الهوي والانحناء الى الركوع .
3. الاستقلال فلا يعتمد المصلي حال قيامه على شئ بحيث لو زال ذلك الشئ سقط المصلي كحائط أو عمود ، بل يكون مستقلاً في قيامه عن أي شيء يُعِينه على القيام .
4. الوقوف والاعتماد على كلتا القدمين ولا يكفي الواحدة بأن يضع رجلاً ويرفع الأخرى كما لا يكفي الوقوف على أصابع القدمين ، نعم لا يضر أن يقف على كلتا القدمين مع اعتمادٍ أكبر على إحداهما .
وفي هذا الشرط وما قبله أي الشرط الثالث خلاف بين الفقهاء فمنهم من لم يشترطهما ؟ ولكن اتفقوا على أن مراعاتهما أوفق بالاحتياط - وجوباً أو استحباباً - ولذا ذكرناهما ، خصوصاً أن الوقوف على إحدى القدمين ينافي الاستقرار غالباً وهو الشرط الثاني المتفق على اشتراطه .
فإذا استطاع المكلف القيام في مواضع القيام الستة بهذه الكيفية من اعتدال الجسد والاستقرار والاستقلال والوقوف على كلا القدمين وجب ولا يصح الإخلال بشيء من ذلك ، وعندما يقول الفقهاء يجب القيام في الصلاة يقصدون منه هذا القيام المشتمل على هذه الأمور الأربعة ، ونستطيع أن نسميه بالقيام الاختياري في مقابل القيام الاضطراري في المرحلة الثانية .
ولوجوب القيام بهذه الشروط الأربعة تبطل الصلاة مع الإخلال بأحدها عمداً فلو كان قيامه مفتقداً لأحد هذه الشروط كما لو وقف على إحدى رجليه فقط أو أخل بالاستقرار أو الاستقلال أو الاعتدال متعمداً بطلت صلاته لأن القيام الواجب لا يتحقق الا بها مجتمعة ، نعم يستثنى الإخلال بالشرطين الثالث والرابع عند من لم يشترطهما كالسيد الخوئي .
خلاصة الكلام /من استطاع القيام مع اعتدال الجسد واستقلاله واستقراره والوقوف على كلا القدمين وجب عليه ذلك في جميع مواضع القيام الواجب الستة .
المرحلة الثانية / أن لا يمكنه القيام الاختياري بتوفر كل الشروط السابقة لكن يمكنه القيام من دون توفر هذه الشروط أو بعضها ، كما لو أمكنه القيام ولكن بالاعتماد على شيء وليس مستقلاً ، أو منحنياً من دون اعتدال ، أو مضطرباً من دون استقرار واطمئنان ، أو استطاع الوقوف على إحدى قدميه فقط دون الأخرى ، فهنا يكتفي بهذا القيام ويسمى بالقيام الاضطراري ، ولا يصح أن ينتقل الى الصلاة من جلوس بمجرد عجزه عن القيام الاختياري ، فمن استطاع الصلاة من قيام بالاتّكاء على حائط مثلاً وجب عليه ذلك ولا يصلي جالساً ، بل لو أمكن الاعتماد على شخص يقوم بإمساك المصلي وحفظه من الوقوع وجب ذلك ولا ينتقل المصلي الى الجلوس .
خلاصة الكلام / إذا لم يمكن الوقوف الاختياري بالشروط المتقدمة وجب الوقوف الاضطراري وهو الوقوف بأي طريقة ممكنة وإن استلزم منها فقدان كل شروط القيام ، كما لو وقف على إحدى قدميه ، منحنياً ، مضطرباً ، متكئاً على حائط ، فهذه الصورة مقدمة على الصلاة من جلوس .
وللفقهاء كلام هنا في ما لو دار الأمر بين مراعاة شرط على حساب شرط آخر ، ويذكرون لذلك عدة صور ، منها / ما لو دار الأمر بين أن يقف معتدلاً بلا استقلال أو مستقلاً بلا اعتدال فأيهما يقدم ؟ الى غير ذلك من الافتراضات ، ولا داعي للتعرض لها خوفَ الإطالة ، خصوصاً مع وجود الخلاف في بعض الصور .
تنبيه / إذا أمكنه القيام الاختياري في بعض الصلاة والاضطراري في بعضها الآخر وجب ذلك وقدّمه على القيام الاضطراري في كل الصلاة ، مثال ذلك / أن يصلي الى جانب حائط فيتكأ عليه متى ما شعر بالتعب ويتجنبه متى ما شعر بالقدرة على الاستقلال ، فهذه الصورة مقدمة على الاتكاء في كل الصلاة .
المرحلة الثالثة / أن لا يمكنه القيام في جميع الصلاة ولكن يمكنه القيام في بعضها والجلوس في بعضها الآخر ، فهنا يقدم هذه الكيفية على الجلوس في كل الصلاة ، فيبدأ بتكبيرة الإحرام وهو قائم ويستمر في صلاته قائماً ومتى ما شعر بعدم القدرة على القيام جلس واستمر في صلاته ثم بمجرد شعوره بالقدرة على القيام قام وهكذا ، فلا يصح الجلوس في جميع الصلاة مع القدرة على القيام في بعضها ولو تكبيرة الإحرام والقيام قبل الركوع فقط لأنهما ركنان .
ولا فرق هنا بين القيام الاختياري والاضطراري فأيهما كان قادراً عليه مع الجلوس وجب ، فيجلس متى ما عجز عن القيام ويقوم متى ما قدر على القيام اختيارياً كان او اضطرارياً .
وذكر الفقهاء أنه عليه في هذا الحال أن يتوقف عن الصلاة أثناء التحول والانتقال من القيام الى الجلوس أو العكس فإذا كان قائماً يقرأ الفاتحة فشعر بعدم القدرة على القيام سكت حتى يجلس ويستقر ثم يكمل القراءة من حيث توقف ولا يقرأ أثناء الهويّ الى الجلوس وكذا العكس .
المرحلة الرابعة / أن لا يستطيع القيام بكلا قسميه الاختياري والاضطراري في جميع أحوال الصلاة ولو في تكبيرة الإحرام فقط فضلاً عما هو أكثر ، وذلك كالمُقعد مثلاً ، فهنا يصلي من جلوس في تمام الصلاة .
يتبين مما تقدم أن الصلاة من جلوس مرحلة أخيرة ، ولا يصح الانتقال الى الصلاة من جلوس مع إمكان أدائها بإحدى الكيفيات السابقة عليها ، لعدم التكليف بها حينئذٍ فلا تصح الصلاة .
تنبيهان :
التنبيه الأول / حتى يتحول التكليف من القيام الى الجلوس أو أحد هذه المراحل المذكورة لا بد أن يكون هناك عذر حقيقي يمنع عن القيام ، فلا يصح ترك القيام والصلاة من جلوس لمجرد الصداع مثلاً أو الشعور بالتعب والإرهاق ونحو ذلك كما يفعل بعض المكلفين ، نعم لا تتوقف الصلاة من جلوس على العجز عن القيام بل تجب حتى مع القدرة على القيام الموجب للضرر ، فقد يكون المكلف قادراً على القيام لكن يتضرر منه كما لو كان موجباً لمضاعفة المرض أو تأخير البرء ونحو ذلك ، فهنا يكون بحكم العاجز عن القيام .
التنبيه الثاني / مهما أمكن المكلف أن يصلي من قيام وجب عليه ذلك ولو بالاقتصار على الواجبات أو الإسراع في الصلاة وأدائها مُخفّفة ، ففعل المستحبات ليس مسوّغاً لأداء الصلاة من جلوس ، وكذا بالتفريق بين الصلاتين مثلاً ما دام يمكّنه ذلك من القيام فيهما ، فيصلي الظهر مثلاً ثم يستريح وبعد ذلك يصلي العصر ، وهكذا .
سؤال / إذا لم يمكنه القيام في أول وقت الصلاة فهل يجب عليه تأخير الصلاة الى آخر الوقت رجاءَ تمكنه من القيام أم تجوز له المبادرة وأدائها من جلوس في أول الوقت ؟
الجواب / توجد صورتان :
الأولى / أن يكون المكلف في أول وقت الصلاة يائساً من قدرته على القيام فيها حتى آخر وقتها كالمُقعد والمُعاق ونحوهما ، وهنا يجوز له الصلاة من جلوس في أول الوقت ولا يجب عليه الانتظار الى آخر الوقت .
الثانية / أن لا يكون يائساً من القدرة على القيام في آخر الوقت بل كان يحتمل أو يظن القدرة على أداء الصلاة من قيام في آخر وقتها ، وفي هذه الصورة خلاف فقيل بجواز البِدار ، فما دام في أول الوقت غير قادر على القيام جاز له أن يبادر الى الصلاة من جلوس ولا يجب عليه الانتظار الى آخر الوقت وإن كان يظن أو يحتمل تمكّنه من القيام بعد ذلك وهو الرأي المعروف ، وقيل لا يجوز بل يجب الانتظار الى آخر الوقت فإن تمكن من الصلاة قائماً فبها والا صلّى من جلوس وهو رأي بعضهم كالسيد السيستاني .
سؤال / إذا صلى من جلوس في أول الوقت وبعد ذلك تمكن من الصلاة قائماً مع بقاء الوقت ، هل تجب عليه إعادة الصلاة ؟
الجواب / في الصورة الأولى أي إذا كان يائساً من تمكنه من القيام فصلى ثم تمكن لم تجب عليه الإعادة ، وأما في الثانية وهي ما إذا لم يكن يائساً وجبت عليه الإعادة بعد التمكن من القيام في الوقت ولا يجب عليه القضاء إذا تمكن بعد الوقت .
ملاحظة / هذا الكلام المتقدم كله مختص بالفرائض دون النوافل والصلوات المستحبة ، فالقيام فيها ليس بواجب ، فيجوز أدائها من جلوس ولو مع القدرة على القيام ، لكن القيام أفضل ، ويستحب إذا صلّى المستحبات من جلوس أن يحتسب كل ركعتين بركعة فيتضاعف عدد ركعات كل صلاة الى ضعف عددها فتصير نافلة الصبح أربع ركعات ونافلة الظهر ست عشرة ركعة وكذا نافلة العصر ، وتصير نافلة المغرب ثمان ركعات ، وصلاة الليل ست عشرة ركعة والشفع أربع ركعات ويصلي الوتر مرتين ركعة بركعة ، وأما نافلة العشاء فتبقى على حالها لأن حكمها أن تؤدى من جلوس .
والنوافل تؤدى ركعتين ركعتين حتى بعد تضاعف أعداد ركعاتها فنافلة الصبح تؤدى ركعتين ركعتين وليس أربع ركعات سوية ، وهكذا .
« الصلاة على الكرسي »
شاع في الآونة الأخيرة ظاهرة الصلاة على الكرسي ، المشتمل على مقعد وجزء أمامي للسجود ، وهذا شيء جيد بحد ذاته لما فيه من إعانة المصلين من ذوي الأعذار على أداء صلاتهم ، الا أن استعمالها في كثير من الأحوال ليس وفق الضوابط الشرعية ، فقد يستخدمها القادر على أداء الصلاة من قيام لمجرد شعوره بالتعب ، وقد يستخدمها القادر على القيام لمجرد عجزه عن الهويّ الى السجود ، وقد يستخدمها القادر على القيام الاضطراري لمجرد عجزه عن القيام الاختياري ، وقد يستخدمها في كل أحوال الصلاة من هو قادر على القيام في بعض الصلاة ، وقد يستخدمها القادر على السجود على الأرض لمجرد عجزه عن القيام وجواز الجلوس له مع أنها لا تتيح الانحناء الكامل للسجود ووضع المساجد السبعة على الأرض ، وهكذا . مع إن استعمال الكرسي في كل هذه الحالات المذكورة وغيرها غير صحيح لما فيه من مخالفة للضوابط المتقدمة في كيفية أداء الصلاة من قيام أو جلوس والتي من أهمها عدم جواز الجلوس في تمام الصلاة مع القدرة على القيام في بعضها ولو قياماً اضطرارياً ، فقد تقدم أن الجلوس في تمام الصلاة هو مرحلة أخيرة لا يُصار إليها الا بعد العجز عما قبلها من الكيفيات لأداء الصلاة .
وعليه فمن يريد استخدام الكرسي فعليه مراعاة الضوابط والأحكام لأداء الصلاة من قيام أو جلوس ، مضافاً الى أحكام العاجز عن الانحناء الكامل للركوع والسجود ، وعلى ضوء ذلك نستطيع إجمال بعض أحكام الصلاة على الكرسي ضمن نقاط :
1. القادر على القيام الاختياري أو الاضطراري فيما يشترط فيه القيام وهو المواضع الستة المتقدمة لا يجوز له استخدام الكرسي للجلوس في تلك المواضع ، فما دام قادراً على الإتيان بتكبيرة الإحرام والقراءة مثلاً قائماً ولو قياماً اضطرارياً لا يصح استخدام الكرسي فيهما .
2. من كان قادراً على القيام في بعض الصلاة لم يجز له استخدام الكرسي في تمام الصلاة ، فقد تقدم أن تكليفه أن يبدء الصلاة قائماً ويجلس متى ما عجز عن القيام ويقوم متى ما استطاع القيام ، ولا يصح الجلوس في كل الصلاة سواء على الأرض أو الكرسي ، نعم يمكنه أن يصلي قائماً الى جانب الكرسي ويجلس عليه متى ما عجز عن القيام ثم يقوم متى ما استراح وهكذا .
3. من كان تكليفه الجلوس في كل الصلاة أو بعضها جاز له الجلوس على الكرسي ، لكن هذا لا يعني جواز الركوع والسجود عليه ، فمن كان قادراً على الانحناء التام للركوع وكان قادراً على السجود بوضع المساجد السبعة على الأرض لم يجز له استخدام الكرسي في الركوع والسجود وإن جاز له استخدامه في الجلوس في ما عجز عن القيام فيه .
4. عكس الحالة السابقة ، فقد لا يتمكن المصلي من السجود الواجب لعدم قدرته على الانحناء ، فله استخدام الكرسي للانحناء للسجود بالمقدار الممكن لكن هذا لا يعني جواز الجلوس على الكرسي فيما يشترط فيه القيام ما دام قادراً على القيام ، فيصلي من قيام ومتى ما وصل الى السجود جاز له استخدام الكرسي .
5. ذكر الفقهاء أن المصلي إذا عجز عن السجود التام بوضع الجبهة على الأرض انحنى بالمقدار الممكن ورفع المسجد إلى جبهته ويجب عليه وضع باقي المساجد في محالّها أي على الأرض ما دام قادراً على ذلك ، وعليه لا يجوز له استخدام الكرسي للسجود بمجرد العجز على الانحناء للسجود ما دام قادراً على وضع بقية المساجد على الأرض لأنه لا يستطيع فعل ذلك بالسجود على الكرسي ، نعم مع عجزه عن وضع باقي المساجد على الأرض أيضاً جاز له استخدام الكرسي للسجود .
6. من صلّى على الكرسي سواء لعدم قدرته على القيام أو لعجزه عن السجود التام إذا تمكن من الجلوس على الأرض للتشهد وجب عليه ذلك ولا يجوز له التشهد على الكرسي ، وإن لم يمكنه ذلك كالمُعاق الذي يحتاج الى الغير لحمله ونقله من الكرسي الى الأرض فهنا يكتفي بالتشهد على الكرسي .
7. بناء على كل ما تقدم ينبغي على من يستخدم الكرسي الالتفات الى أمر مهم وهو أن جواز استخدام الكرسي في حالة وجزء من الصلاة لا يعني جواز استخدامه في كل الصلاة ، فإذا جاز له الجلوس على الكرسي لعجزه عن القيام في بعض الصلاة فهذا لا يعني جواز استخدامه في كل الصلاة ما دام قادراً على القيام في بعضها الآخر ، وإذا جاز له الجلوس أيضاً لعجزه عن القيام فهذا لا يعني جواز السجود على الكرسي ما دام قادراً على السجود على الأرض ، وكذا العكس فقد يكون عاجزاً عن الانحناء والسجود التام لكنه يستطيع الوقوف فحينئذٍ يستخدم الكرسي في السجود فقط ولا يصح الجلوس عليه للصلاة مع القدرة على القيام ، وعليه الاهتمام بالوقوف الركني فما دام قادراً على تكبيرة الإحرام من قيام وجب عليه ذلك وإن عجز عن القيام في غيرها ، كما أنه إذا صلى من جلوس وجب عليه القيام قبل الركوع لكي يركع ما دام قادراً على ذلك لأن هذا القيام أيضاً ركن ، وهكذا .
8. نستطيع حصر الحاجة الى الكرسي لأداء الصلاة في حالتين :
الأولى / أن يكون عاجزاً عن القيام بقسميه الاختياري والاضطراري ، أو قل أن يكون تكليفه الصلاة من جلوس ، فحينئذٍ يجوز له استخدام الكرسي لأداء الصلاة من جلوس سواء في كل الصلاة أو في بعضها حسب عجزه عن القيام ، وليس ذلك بلازم فله الجلوس على الأرض .
الثانية / أن يكون عاجزاً عن السجود التام بوضع الجبهة على الأرض ، وعاجزاً وعن السجود الناقص بوضع المساجد الستة عدا الجبهة على الأرض ، مع قدرته على الانحناء بمقدار يصدق عليه السجود عرفاً ، فحينئذٍ يجوز له استخدام الكرسي للانحناء للسجود بالمقدار الممكن له ، وليس ذلك بلازم أيضاً فله أن يسجد وهو جالس على الأرض مع رفع موضع الجبهة بمقدار ما يستطيع الانحناء ، نعم إن كان قادراً على السجود بوضع ما عدا الجبهة على الأرض لم يجز استخدام الكرسي كما تقدم في النقطة الخامسة وتعين السجود على الأرض .
وقد تجتمع الحالتان فيكون المكلف عاجزاً عن القيام وعاجزاً عن الانحناء للسجود فيجوز له استخدام الكرسي لأداء الصلاة من جلوس والسجود بالمقدار الممكن من الانحناء ، كما يجوز له الجلوس على الأرض للصلاة مع رفع مسجد الجبهة .
ما عدا ذلك لا يجوز استخدام الكرسي كما إذا أمكنه القيام الاختياري أو الاضطراري ولو في بعض الصلاة فلا يجوز الجلوس على الكرسي حينئذٍ ، وكذا إذا أمكنه السجود التام أو وضع المساجد على الأرض ولو بعضها فلا يجوز استخدام الكرسي للسجود ، وكذا إذا أمكنه التشهد على الأرض فلا يتشهد على الكرسي .
هذه أهم الأحكام في هذا الصدد
نسأل الله تعالى التوفيق وقبول الأعمال لنا ولسائر المؤمنين
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين