ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين:
انى أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان سبكم إياهم اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به * * * الشرح:
السب الشتم سبه يسبه بالضم والتساب التشاتم ورجل مسب بكسر الميم كثير السباب ورجل سبه أي يسبه الناس ورجل سببه أي يسب الناس ورجل سب كثير السباب وسبك الذي يسابك قال لا تسبنني فلست بسبي * إن سبى من الرجال الكريم والذي كرهه عليه السلام منهم انهم كانوا يشتمون أهل الشام ولم يكن يكره منهم لعنهم إياهم والبذاءة منهم لا كما يتوهمه قوم من الحشوية فيقولون لا يجوز لعن أحد ممن عليه اسم الاسلام وينكرون على من يلعن ومنهم من يغالي في ذلك فيقول لا العن الكافر والعن إبليس وإن الله تعالى لا يقول لأحد يوم القيامة لم لم تلعن وإنما يقول لم لعنت.
واعلم أن هذا خلاف نص الكتاب لأنه تعالى قال ﴿إن الله لعن الكافرين واعد لهم سعيرا﴾ .
وقال (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون).
وقال في إبليس ﴿وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين﴾ .
وقال ﴿ملعونين أينما ثقفوا﴾ .
وفى الكتاب العزيز من ذلك الكثير الواسع.
وكيف يجوز للمسلم أن ينكر التبرؤ ممن يجب التبرؤ منه ألم يسمع هؤلاء قول الله تعالى ﴿لقد كان لكم أسوة حسنه في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا﴾ .
وإنما يجب النظر فيمن قد اشتبهت حاله فإن كان قد قارف كبيرة من الذنوب يستحق بها اللعن والبراء فلا ضير على من يلعنه ويبرأ منه وإن لم يكن قد قارف كبيرة لم يجز لعنه ولا البراءة منه.
ومما يدل على أن من عليه اسم الاسلام إذا ارتكب الكبيرة يجوز لعنه بل يجب في وقت قول الله تعالى في قصه اللعان (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله انهلمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) .
وقال تعالى في القاذف ﴿إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم﴾ .
فهاتان الآيتان في المكلفين من أهل القبلة والآيات قبلهما في الكافرين والمنافقين ولهذا قنت أمير المؤمنين عليه السلام على معاوية وجماعة من أصحابه ولعنهم في أدبار الصلوات.
فان قلت فما صورة السب الذي نهى أمير المؤمنين عليه السلام عنه.
قلت كانوا يشتمونهم بالآباء والأمهات ومنهم من يطعن في نسب قوم منهم ومنهم من يذكرهم باللؤم ومنهم من يعيرهم بالجبن والبخل وبأنواع الأهاجي التي يتهاجى بها الشعراء وأساليبها معلومة فنهاهم عليه السلام عن ذلك وقال فقال إني أكره لكن أن تكونوا سبابين ولكن الأصوب أن تصفوا لهم أعمالهم وتذكروا حالهم أي أن تقولوا انهم فساق وانهم أهل ضلال وباطل.
ثم قال اجعلوا عوض سبهم أن تقولوا اللهم احقن دماءنا ودماءهم.
حقنت الدم أحقنه بالضم منعت أن يسفك أي ألهمهم الإنابة إلى الحق والعدول عن الباطل فان ذلك إذا تم حقنت دماء الفريقين.
فان قلت كيف يجوز أن يدعو الله تعالى بما لا يفعله أليس من أصولكم أن الله تعالى لا يضطر المكلف إلى اعتقاد الحق وإنما يكله إلى نظرة.
قلت الامر وأن كان كذلك الا أن المكلفين قد تعبدوا بان يدعوا الله تعالى بذلك لان في دعائهم إياه بذلك لطفا لهم ومصالح في أديانهم كالدعاء بزيادة الرزق وتأخير الاجل.
قوله " وأصلح ذات بيننا وبينهم " يعنى أحوالنا وأحوالهم ولما كانت الأحوال ملابسه للبين قيل لها " ذات البين " كما أنه لما كانت الضمائر ملابسة للصدور قيل " ذات الصدور " وكذلك قولهم اسقني ذا إنائك لما كان ما فيه من الشراب ملابسا له ويقولون للمتبرز قد وضع ذا بطنه وللحبلى تضع ألقت ذا بطنها.
وارعوى عن الغي رجع وكف.
لهج به بالكسر يلهج أغرى به وثابر عليه.