نقدم في هذا الفصل طائفة من رسائل الإمام المهدي (عليه السلام) إلى شيعته وأوليائه، كتب بعضها أجوبة لمسائل وردت عليه وبعضها ابتدأ بها بعض المخلصين من أنصاره وأعوانه. وهذه الرسائل إن دلت على شيء فإنّما تدل على اتصاله (عليه السلام) بشيعته، ووقوفه على أمورهم، ورعايته لشؤونهم منها:
1ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى محمد بن إبراهيم بن مهزيار:
قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم فقل لهم: أما سمعتم الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ). هل أمر إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة، أو لم تروا أنّ الله عز وجل جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (صلوات الله عليه)، كلما غاب عَلَمٌ بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله عز وجل قد قطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون إلى أن تقوم الساعة، ويظهر أمر الله عز وجل وهم كارهون. يا محمد بن إبراهيم لا يدخل الشك فيما قدمت له فإن الله عز وجل لا يخلو الأرض من حجة... الخ. (منتخب الأثر: 383)
2ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى أبي جعفر العمري (رضوان الله عليه) يعزيه بأبيه:
(إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليماً لأمره، ورضاً بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل، نظر الله وجهه، وأقاله عثرته).
وفي فصل منه: (أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رُزئت ورزئنا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره). (منتخب الأثر: 395)
3ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى إسحاق بن يعقوب جواباً عن كتاب كتبه إليه بواسطة محمد بن عثمان العمري يسأله عن بعض المسائل:
(أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنّه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام)، وأمّا سبيل عمي جعفر وولده فسبيل أخوة يوسف (عليه السلام).
وأمّا الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالسلماب، وأمّا أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فليصل، ومن شاء فليقطع، فما آتاني الله خير ممّا آتاكم.
وأمّا ظهور الفرج فإنّه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقّاتون.
وأمّا قول من زعم أنّ الحسين (عليه السلام) لم يقتل، فكفرٌ وتكذيب وضلال.
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم.
وأما محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) وعن أبيه من قبل، فإنّه ثقتي، وكتابه كتابي.
وأمّا محمد بن علي بن مهزيار، فسيصلح الله له قلبه، ويزيل عنه شكه.
وأمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر، وثمن المغنية حرام.
وأما محمد بن شاذان بن نعيم، فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأمّا أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم فإنّي منهم بريء، وآبائي (عليهم السلام) منهم بُراء.
وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران.
وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأما ندامة قوم قد شكوا في دين الله عز وجل على ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال، ولا حاجة لنا في صلة الشكاكين.
وأما علة ما وقع من الغيبة، فإن الله عز وجل يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إنه لم يكن أحد من آبائي (عليهم السلام) إلا وقد أوقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.
وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى). (كمال الدين 2/162)
4ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى جماعة من الشيعة وقع بينهم تشاجر في الإمامة، فكتبوا له (عليه السلام)، فورد جواب كتابهم بخطه (صلوات الله عليه):
(بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب، إنّه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا، يا هؤلاء ما لكم في الريب تتردون، وفي الحيرة تنعكسون، أو ما سمعتم الله عز وجل يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون ويحدث في أئمتكم، على الماضين والباقين منهم (عليهم السلام)، أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها، من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام)، كلما غاب عَلَم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله إليه ظننتم أنّ الله أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون.
وإنّ الماضي مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه (عليهم السلام)، حذو النعل بالنعل، وفينا وصيته وعلمه، ومنه خلفه ومن يسد مسدّه، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر، ولولا أنّ أمر الله لا يغلب، وسره لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبهر منه عقولكم، ويزيل شكوككم، لكنه ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب، فاتقوا الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين، وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة فقد نصحت لكم والله شاهد عليّ وعليكم، ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنا عن مخاطبتكم في شغل ممّا قد امتحنا من منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه، المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد عن حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب، وفي ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة، وسيردي الجاهل رداء عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء والعاهات كلها برحمته، فإنّه ولي ذلك والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم ولياً وحافظاً، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً). (بحار الأنوار 13/247)
5ـ من كتاب له (عليه السلام) إلى عثمان بن سعيد وابنه محمد بن عثمان (رحمهما الله):
(وفقكما الله لطاعته، وثبتكما على دينه، وأسعدكم بمرضاته. انتهى إلينا ما ذكرتما أنّ الميسمي أخبركما عن المختار ومناظرته من لقي، واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إيّاه، وفهمت جميع ما كتبتما به ممّا قال أصحابكم عنه وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء، ومن الضلالة بعد الهدى، ومن موبقات الأعمال، ومرديات الفتن، فإنّه عز وجل يقول: (ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) يكف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً، فارقوا دينهم، أم ارتابوا، أم عاندوا الحق، أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة، والأخبار الصحيحة، أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون، أن الأرض لا تخلو من حجة، إما ظاهراً وإمّا مغموراً، أو لم يروا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلّى الله عليه وآله) واحداً بعد واحد، إلى أن أفضي بأمر الله عز وجل إلى الماضي ـ يعني الحسن بن علي (عليهما السلام) ـ فقام مقام آبائه (عليهم السلام)، يهدي إلى الحق والى طريق مستقيم، كان نوراً ساطعاً، وشهاباً لامعاً، وقمراً ظاهراً، ثم اختار الله عز وجل له ما عنده فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذوا النعل بالنعل، على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عز وجل بأمره إلى غايته، وأخفى مكانه بمشيئته للقضاء السابق، والقدر النافذ، وفينا موضعه ولنا فضله، ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه عنه، وأزال عنه ما قد جرى به حكمه، لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حيلة وأبين دلالة، وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه وأقام الحجة، ولكن أقدار الله عز وجل لا تغلب، وإرادته لا ترد، وتوقيعه لا يسبق، فليدعوا عنهم اتباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا سر الله عز وجل فيندموا، وليعلموا أنّ الحق معنا وفينا، ولا يقول ذلك سوانا إلا كذاب منهمك، ولا يدّعيه غيرنا إلا ضال غوي، فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله). (كمال الدين 2/190)