سبق لنا الكتابة عن الشعر وقلنا ان اليوم اغلب الذين يكتبون الشعر
هو كتّاب شعر وليس شعراء؛ لانه بمجرد حفظ البحور مع استخدام الكلمات البلاغية يقوم بتصفيفها فيكون شعرا خاليا من المشاعر. وفي نفس الوقت اقول ان كتّاب اليوم هم شعراء يكتبون ما يختلج في صدورهم من تاييد او نقد او ذم. فالموضوع او الفكرة او الشخصية التي تروق لهم يطنبون في مدحها حتى ضمن الخيال والعكس بالعكس، فالذي لا يروق لهم يذمونه ويبحثون عن من يؤيدهم في ذمهم فيستشهدون به بعيدا عن البحث العلمي والكتابة الرصينة المؤيدة بالمصادر الموثقة. فالذي يرجو ان تكون كلمته مسموعة وقوية عليه التاكد من اي معلومة يريد تدوينها بعيدا عن عواطفه، ولربما السمعة والمكانة التي يتمتع بها الكاتب تلعب دورها في عدم رد اباطيلهم ودسائسهم.
ثلاث شخصيات محور حديثي هذا: السيد هبة الدين الشهرستاني والدكتور علي الوردي والكاتب عادل رؤوف.
السيد هبة الدين الشهرستاني اشهر من نار على علم ولا يسعنا الا الانحناء لعلمه ودوره العلمي في زمانه وما ترك من اثار علمية يستفيد منها القراء الكرام، وطبعا قد نختلف معه في راي ما وهذا لا يعني المساس بمكانته.
الدكتور علي الوردي المشهور بلمحات اجتماعية ومهزلة العقل البشري ووعاظ السلاطين فان ما يكتبه ضمن العلم الاجتماعي والثقافي يكاد يكون مصدر لمن يريد الكتابة عن الحالة الاجتماعية للحقبة الزمنية التي عاصرها او كتب عنها الدكتور الوردي.
اما الكاتب عادل رؤوف فانه يكتب بعواطفه وانه يضع الهدف قبل كتابته الكتاب على ان يسخّر الكلمات والحقائق باتجاه ما يريد من ذم او مدح لاصل موضوعه.
اقول:
للاسف ان كاتب كبير مثل علي الوردي يدس فيما يكتب ليمهد الطريق لعادل رؤوف حتى يطعن بالنجف وعلمائها لاسيما ان هذا الكاتب - اي رؤوف - له مواقف متشنجة اتجاه العلماء. فانّه الّف كتابا ضمّنه اقوال اصدقاء ابناء العلماء للطعن، ولعل السيد عباس ابن السيد ابي القاسم الخوئي لقمة دسمة استفاد منها كثيرا عادل رؤوف.
وقع بين يدي كتاب لعادل رؤوف بعنوان "حصارات عليـ النجف مدينة تعتاش على الموتى" الطبعة الاولى 2009 الناشر المركز العراقي للاعلام والدراسات، ومن العنوان علمت ان فيه مطاعن بالنجف، فتصفحته على عجالة، وشاءت الصدفة ان اقرا صفحة واحدة من الكتاب هي ص 471 وقد ذكر بها هذه الرواية:
"ان رجلا ايرانيا كان يحمل لحم ابيه في كيس وهو في طريقه الى النجف وشاءت الصدفة ان احد رفاقه في السفر شعر بالجوع واخذ يبحث عن شيء ياكله فوجد الكيس فاستخرجه وطبخه ثم اكله، غير انه لم يكد ينتهي من طعامه حتى اكتشف انه اكل لحم الميت! وصار ابن الميت يلطم وجهه ويصرخ يا ويلياه أكلت ابي!! ومصدرها لمحات اجتماعية الجزء الثاني ص260.
قمت بالمتابعة والبحث عن مصدر هذه الرواية وبالفعل وجدتها في المصدر بعينها وذكر مصدرها الدكتور علي الوردي هو"هبة الدين الشهرستاني (تحريم نقل الجنائز) بغداد 1329هـ ص16".
تابعت البحث والتدقيق، اتصلت بمكتبة الجوادين في العتبة الكاظمية طالبا منهم رسالة تحريم نقل الجنائز للسيد الشهرستاني فابدوا اهتمامهم ولعدم وجود نسخة قديمة قاموا بتصوير النسخة القديمة ورقة ورقة وارسلوها لي وهي نفس النسخة التي اعتمدها الدكتور الوردي في اقتباس الرواية، وجدت في المصدر الرواية التالية:
"ان في كرمنشاه جماعة مستعدون لهذا العمل الفجيع فياتون بالجنائز الطرية قبل المعاينة ويجردون جميع لحومها بالسكين والحجر ثم يذرون مقدارا من الزرنيخ والنورة على العظام ويتركونها على السطوح حتى تجفف الاهوية والادوية والشمس كل رطوبة في العظم لترى العظام كانها قد اذاب الدهر لحمها منذ اعوام ثم يعرضونها للمعاينة وهي مفسخة" ذكر هذه الرواية حسب الهامش (6) ذكرها الفاضل الجليل الشيخ بهاء الدين الطهراني نجل عميد المجتهدين حضرة الشيخ عبد النبي المازندراني (دام ظله) ص 16-17.
مع الاسف عليك يا دكتور علي الوردي في تمرير هكذا دس ضمن كتابك "لمحات اجتماعية" وايهام القارئ الكريم ان ما كتبته مصدره السيد هبة الدين الشهرستاني ومن المؤكد سيكون بينكما حساب عند الله عزوجل، والا اجزم لو كان السيد هبة الدين الشهرستاني على قيد الحياة لقاضاك على ما نسبت اليه، والجريمة الثانية التي اقترفها علي الوردي هي تسويغ الطعن من قبل عادل رؤوف بحق النجف لانه ما صدّق انه راى ضالته! ومثل هكذا معلومة دسمة لا يحقق فيها؛ لانها تتفق ونوازعه الشخصية وسلبياتها على علي الوردي.
التدليس في الرواية كان ظاهرا لابسط القرّاء:
منها: ان حملة الجنائز مهنتهم تهريب الجنائز، وما يقومون به من تعتيق الجنازة يتم في بيوتهم او محل عملهم، بدليل هذه العبارة"ويجردون جميع لحومها بالسكين والحجر ثم يذرون مقدارا من الزرنيخ والنورة على العظام ويتركونها على السطوح..." اي قبل الرحيل والتهريب وهذه الفترة كفيلة بان لا تبقي اللحم هذا اولا.
وثانيا: اين كانوا نقلة الجنائز من هذا الجائع الذي استخرج اللحم وطبخه؟!
وثالثا: ابن الميت هو ايراني ام عراقي؟
ورابعا: استخدام كلمة ياويلياه كانت في زمن الدولة الاسلامية اما الان فلا احد يستخدمها.
لماذا تشوهون الحقائق وتمنحون الاسباب للغير حتى يطعن بنا؟