يحكى أن سيدة عاشت مع ابنها الوحيد في سعادة ورضا حتى جاء الموت واختطفه منها فحزنت حزناً شديداً لذلك ، وذهبت الى حكيم القرية ، وطلبت منه أن يخبرها عن وصفة ضرورية لاستعادة ابنها الى الحياة مهما كلّفت تلك الوصفة .
أخذ الشيخ الحكيم نفساً عميقاً وشرد بذهنه ثم قال: “أنت تطلبين وصفة؟ حسناً.. أحضري لي حبة خردل واحدة بشرط ان تكون من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً “.
وبكل همة أخذت السيدة تدور على بيوت القرية باحثةً عن هدفها : حبة خردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً . وطرقت السيدة أول باب، ففتحت لها امراة شابة فسألتها السيدة : هل عرف هذا البيت حزناً من قبل؟ ابتسمت المرأة بمرارة ، وأجابت: وهل عرف بيتي هذا غير الاحزان؟ وأخذت تحكي لها أن زوجها توفي منذ سنة ، وترك لها أربعا من البنات ولا مصدر لإعالتهم سوى بيع أثاث الدار الذي لم يتبقّ منه إلاّ القليل ، وتأثرت السيدة جداً، وحاولت أن تخفّف عنها أحزانها ، وبنهاية الزيارة صارتا صديقتين ، ولم ترد أن تدعها تذهب إلاّ بعد أن وعدتها بزيارة اخرى ، فقد مرّت مدة طويلة منذ ان فتحت قلبها لأحد تشتكي له همومها ، وقبل الغروب دخلت السيدة بيتاً آخر ، وسألت عن المطلب ذاته ، وهو أن تجد حبة خردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً ولكن الاحباط سرعان ما أصابها عندما علمت من سيدة الدار أن زوجها مريض جداً، وليس عندها طعام كاف لأطفالها منذ فترة ، فخطر ببالها أن تساعد هذه السيدة فذهبت الى السوق واشترت لهم طعاما ورجعت الى الدار، وساعدتها في طبخ وجبة للأولاد واشتركت معها في اطعامهم ثم ودعتها على أمل زيارتها في مساء اليوم التالي وفي الصباح أخذت السيدة تطوف من بيت الى بيت تبحث عن حبة الخردل وللأسف لم تجد ذلك البيت الذي لم يعرف الحزن مطلقاً لكي تأخذ من أهله حبة الخردل .
ولأنها كانت طيبة القلب فقد كانت تحاول مساعدة كل بيت تدخله في حلّ مشاكله ، وبمرور الايام اصبحت السيدة صديقة لكل بيت في القرية تساعدهم وتحل مشاكلهم ونسيت تماماً أنها كانت تبحث في الأصل عن حبة خردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً ولم تدرك قطّ أن حكيم القرية قد منحها أفضل وصفة سحرية للقضاء على الحزن .
لست وحدك .. إذا كنت حزينا ومهموما ومهما أصابك فتذكر أن غيرك قد يكون في وضع أسوأ بكثير..
وصفة الحكيم ليست مجرد وصفة اجتماعية لخلق جو من الألفة والاندماج بين الناس ..
إنما هي دعوة لكي يخرج كل واحد
من عالمه الخاص ليحاول أن يهب لمن حوله بعض المشاركة .. التي تزيد من البهجة في وقت الفرح والتعازي في وقت الحزن .
جَهَلَت عيونُ الناسِ ما في داخلي
.. فوجدتُ ربّي بالفؤادِ بصيرا
يا أيّها الحزنُ المسافرُ في دمي
.. دعني, فقلبي لن يكون أسيرا
ربّي معي, فمَنْ الذي أخشى إذا
.. مادام ربّي يُحسِنُ التدبيرا
وهو الذي قد قال في قرآنه
.. وكفى بربّك هاديًا ونصيرا