لكنك لم ترد على سؤالي: ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء. كيف تفسر هده الاية ؟
أما الاية الكريمة: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ... معناها ان الله يظهر بعض الغيب لرسله وهدا مما لا خلاف فيه فلا نقول أن الرسول يعلم الغيب كله
واقرأ الاية كاملة: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا
ولكن فكما ترى اختلفنا في تفسير الاية فانتم تقولون ان معناها ان بعض الرسل يعلمون كل الغيب ونحن نقول لا ليست صريحة
ولكن مادا نفعل في الايات الصريحة المحكمة ؟ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
هده اية صريحة ان الله وحده من يعلم الغيب فهل غفل الله عن قول الا في هده الاية ؟
ثم كلامنا حول معرفة المنافقين وقلنا ان النبي لا يعلمهم ويعلم بعضهم فقط بدليل صريح الاية: وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم.
حتى لا تقل لم تجبني و تقول الكلام طويل لا استطع الاستخلاص نعطيك الخلاصة
قوله ( وما أدري مايفعل بي ولابكم ) نفي لعلم الغيب عن نفسه فهو نظير قوله ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ) والفرق بين الايتين أن قوله ( ولو كنت اعلم الغيب ) نفي للعلم بمطلق الغيب واستشهاد له بمسّ السوء وعدم الاستكثار من الخير ، وقوله ( وما أدري مايفعل بي ولا بكم ) نفي للعلم بغيب خاص وهو مايفعل به وبهم من الحوادث التي يواجهونها جميعاً ، وذلك أنهم كانوا يزعمون أن المتلبس بالنبوة لو كان هناك نبي يجب أن يكون عالماً في نفسه بالغيوب ذا قدرة مطلقة غيبية كما يظهر من اقتراحاتهم المحكية في القران ، فأمر صلى الله عليه واله ان يعترف ـ مصرحاً به ـ أنه لايدري مايفعل به ولابهم فينفي عن نفسه العلم بالغيب ، وأن ما يجري عليه وعليهم من الحوادث خارج عن ارادته واختياره وليس له في شيء منها صنع بل يفعله به وبهم غيره وهو الله سبحانه .
فقوله ( وما ادري مايفعل بي ولا بكم ) كما ينفي عنه العلم بالغيب ينفي عنه القدرة على شيء مما يصيبه ويصيبهم مما هو تحت أستار الغيب . ونفي الاية العلم بالغيب عنه صلى الله عليه واله لاينافي علمه بالغيب من طريق الوحي كما يصرح تعالى به في مواضع من كلامه كقوله ( ذلك من انباء الغيب نوحيه إليك ) وقوله ( تلك من انباء الغيب نوحيها إليك )
وجه عدم المنافاة أن الايات النافية للعلم بالغيب عنه وعن سائر الانبياء عليهم السلام إنما تنفيه عن طبيعتهم البشرية بمعنى أن تكون لهم طبيعة بشرية أو طبيعة هي أعلى من طبيعة البشر من خاصتها العلم بالغيب بحيث يستعمله في جلب كل نفع ودفع كل شر كما نستعمل مايحصل لنا من طريق الاسباب ، وهذا لاينافي انكشاف الغيب لهم بتعليم إلهي من طريق الوحي كما أن إتيانهم بالمعجزات فيما اتوا بها ليس عن قدرة نفسية فيهم يملكونها لانفسهم بل بإذن من الله وأمر ، قال تعالى ( قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولا ) جواباً عما اقترحوا عليه من الايات ، وقال ( قل إنما الايات عند الله وإنما أنا نذير مبين ) وقال ( ومكان لرسول أن يأتي بآية إلا باذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق ) .