|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
نماذج من المسائل الكلاميـّة
بتاريخ : 14-04-2013 الساعة : 12:45 PM
نماذج من المسائل الكلاميـّة
1 ـ مسألة التحكيم
إنّ أوّل خلافٍ ظهر بين المسلمين، وصيّـرهم فرقتين، هو مسألة التحكيم في وقعة صفّين. والمسألة يوم ذاك، وإن اصطبغت بصبغةٍ سياسيةٍ، لكنها كانت على أساسٍ دينيّ، وهو أنّ الخوارج خالفوا علياً عليه السلام وانشقّوا عن جيشه، بحجّة أنّ حكم الله في الباغي، هو مواصلة الحرب والجهاد حتّى يفيء إلى حكم الله، لا التصالح وإيقاف الحرب. وحجّتهم وإن كانت مردودةً؛ لأجل أنّ التحكيم إنّما فُرِض على الإمام عليه السلام ، لا أنّه قبله عن اختيارٍ وحريّةٍ، والخوارج هم الذين فرضوه عليه، ولم يكتفوا بذلك حتّى فرضوا عليه صيغة التحكيم ووثيقته، وحتى المُحكِّم الذي يشارك فيه مع مندوب معاوية، إلّا أنّ هذا الإعوجاج الفكريّ صار سبباً لتشكّل فرقتين متخاصمتين إلى عهودٍ وقرونٍ. وبذلك يفترق اختلافهم عن اختلاف أمثال طلحة والزبير ومعاوية؛ إذ لم يكن اختلافهم حول المبادئ، وإنّما طمعوا في أن يكونوا خلفاء وحكّاماً، ولذلك لم يثيروا إلّا مشاكل سياسيّةً دمويّةً، بخلاف اختلاف الخوارج، فإنّ اختلافهم كان حول المبادئ، وكانوا يردّدون كلمة لا حكم إلّا لله ، وكان علي عليه السلام وحواريّه الجليل ابن عباس يحتجّان عليهم بالقرآن والسنّة. وبظهور الخوارج على الصعيد الإسلاميّ، ورفضهم التحكيم، طُرحت مسائل أُخرى بين المسلمين شكّلت مسائل كلاميّةً عبر القرون، وهي:
2 ـ مرتكب الكبيرة
إنّ الخوارج كانوا يحبّون الخليفتين الأوّل والثاني، ويوافقون عثمان في سنيّ خلافته إلى ستّ سنين. ولكن عندما ظهر منه التطرّف إلى النزعة الأمويّة، والإستئثار بالأموال أبغضوه. وأمّا عليّ عليه السلام فقد كانوا مصدّقيه إلى قضية التحكيم، إلّا أنّهم لمّا فُرض عليه التحكيم، وقبل اضطراراً بذلك المخطّط لا عن رغبةٍ فيه، خالفوه ووصفوه باقتراف الكبيرة. وعندها طُرحت أوّل مسألةٍ كلاميّةٍ؛ وهي: ما حكم مرتكب الكبيرة؟ وكثر الكلام فيها أيّام محاربة الخوارج مع الأمويين المعروفين بالفسق والفجور، وسفك الدماء وغصب الأموال، فحاربهم الخوارج بحجّة أنّهم كفرةٌ؛ لا حرمة لدمائهم، ولا أعراضهم، ولا نفوسهم لاقترافهم الكبائر. وقد تشعّبت الآراء في حكم مرتكب الكبيرة:
1 ـ فالخوارج قالوا: إنّه كافرٌ.
2 ـ وأبو الحسن البصريّ قال: إنّه فاسقٌ منافقٌ.
3 ـ والمعتزلة ذهبوا إلى أنّه لا مؤمنٌ ولا فاسقٌ، بل منزلةٌ بينهما.
4 ـ والشيعة وتبعهم الأشاعرة قالوا: إنّه مؤمنٌ لكنّه فاسقٌ.
3 ـ مفهوم الإيمان
وقد انبثق من النزاع في مرتكب الكبيرة نزاعٌ كلاميٌّ آخر وهو: تحديد مفهوم الإيمان، وهل العمل داخل في حقيقة الإيمان أو لا ؟ فعلى قول الخوارج والمعتزلة، العمل مقوّم للإيمان، بخلافه على القول الآخر. وقد صارت تلك المسألة ذات أهميّة في الأوساط الإسلاميّة وانتهت إلى مسألة أُخرى، وهي زيادة الإيمان ونقصه بصالح الأعمال وعدمها.
4 ـ الإرجاء والمرجئة
كان هناك رجال يعانون من سفك الدماء، والحروب الدامية، فالتجؤوا إلى فرضيّةٍ كلاميّةٍ وهي إرجاء حكم مرتكب الكبيرة إلى الله سبحانه تعالى، أو إرجاء حكم الخليفة الثالث عثمان وحكم أمير المؤمنين عليه السلام إلى الله سبحانه، حتّى لا ينبس فيهما المسلم ببنت شفة. وأخذت تلك الفكرة تنمو حتّى تحوّلت إلى الإباحيّة التي تنزع التقوى من المسلم، وتفتح في وجهه أبواب المعاصي، فطرحت فكرة تقديم الإيمان وتأخير العمل، وإنّ المهمّ هو الاعتقاد القلبيّ، والعمل ليس شيئاً يعتدّ به، وإنّ التعذيب على الكفر، وأمّا التعذيب على اقتراف المعاصي فغير معلوم. وقد اشتهر عنهم قولهم:"لا تضرّ مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة".
5 ـ القضاء والقدر
إنّ مسألة القضاء والقدر وإن كان لها جذور قبل بزوغ نجم الإسلام وبعده، لكنّها كانت مطروحة بصورة فرديّة، ولم تشكّل تيّاراً فكرياً ولا مذهباً كلاميّاً، ثمّ أخذت لنفسها أهميّةً خاصّةً في عصر الأمويين، حيث كانوا يبرّرون استئثارهم وأعمالهم الإجراميّة بالقضاء والقدر، فصار ذلك سبباً لوقوع المسألة مثاراً للبحث والنقاش بين أهل الفكر من المسلمين.
روى الواقدي في مغازيه عن أُمّ الحارث الأنصاريّة وهي تُحدّث عن فرار المسلمين يوم حنين قالت: "مرّ بي عمر بن الخطاب منهزماً فقلت: ما هذا؟ فقال عمر: أمر الله.
وقد كانت تلك الفكرة سائدة حتّى بعد رحيل النبيّ صلى الله عليه وآله ، فقد روى عبد الله بن عمر أنّه جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا بقدر؟
قال: نعم.
قال: الله قدّره عليّ ثم يعذّبني؟
قال: نعم يابن اللخناء، أما والله لو كان عندي إنسانٌ، أمرته أن يجأ أنفك" .
6 ـ التشبيه والتنزيه
هناك جهة التقاء بين اليهوديّة والإسلام في التوحيد والنبوّة، لكنهما يفترقان في أوصاف الربّ. فالتوراة يصف الإله بصورة بشرٍ وله صورة ويقول: "خلق الله آدم على صورته" ، وإذا عمل يتعب فيحتاج إلى الاستراحة، ويقول: "فرغ الله في اليوم السادس من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع ، وأنّه يمشي بين رياض الجنّة وله نداء" ، إلى غير ذلك ممّا ورد في العهد القديم من التشبيه والتجسيم والتمثيل. وقد دسّت الأحبار كثيراً من البدع بين الأحاديث، لاعتماد الرواة على أُناس نظراء: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وتميم الداري وغيرهم. فأصبحت مسألة التشبيه والصفات ذات أهميّةٍ كبرى، فرّقت المسلمين إلى طوائف، واستفحل أمرها بوجود روايات التشبيه والتجسيم في الصحاح والمسانيد، التي عكف على روايتها المحدّثون السُذّج، غير العارفين بدسائس اليهود ومكرهم، فحسبوها حقائق راهنة. والخلاف في تفسير الصفات ما زال باقياً إلى يومنا هذا.
7 ـ النسخ في الشريعة
اكتسبت مسألة إمكان النسخ في مجال التشريع مكانةً بين المسائل الكلاميّة.وبما أنّ اليهود كانت منكرة لنبوة المسيح والنبيّ صلى الله عليه وآله الخاتم، عادت تنكر إمكان النسخ، متمسّكةً بما في التوراة: "إنّ هذه الشريعة مؤبّدة عليكم، ولازمة لكم ما دامت السموات، لا نسخ لها ولا تبديل" مستدلة بأنّ النسخ مستلزم للبداء أي الظهور بعد الخفاء. فصارت تلك الفكرة سبباً لطرح تلك المسألة على الصعيد الإسلاميّ، وأخذ المتكلّمون بالبحث والنقد، ليقولوا إنّ النصّ في التوراة إمّا منحول أو مؤوّل، والنسخ لا يستلزم البداء المستحيل، وإنّما هو إظهار بعد إخفاء, وأنّه من قبيل الدفع لا الرفع.
8 ـ عصمة الأنبياء
إنّ أبرز ما يفترق فيه القرآن عن العهدين القديم والجديد هو مسألة حياة الأنبياء عليهم السلام ، الذين وصفهم الله سبحانه بقوله ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ . وقد ذكر من قصصهم الشيء الكثير، ومع ذلك لا تجد فيه شيئاً يمسّ كرامتهم أو يحطّ من مقامهم. وأمّا التوراة والإنجيل المحرّفان ، فقد جاءا بأساطير خياليّةٍ، تمسّ بكرامة الله أوّلاً، وكرامة أنبيائه ثانياً، فالأنبياء فيهما يشربون الخمر ويمكرون ويقترفون الزنا إلى غير ذلك ممّا يندى لذكره الجبين، فصار ذلك سبباً لطرح مسألة العصمة بين المسلمين، وانقسموا بين مثبتٍ ونافٍ ومفصّلٍ، وإن كان النافي بينهم أقلّ.
9 ـ حدوث القرآن وقدمه
كان أهل الحديث ملتزمين بعدم اتخاذ موقف خاص فيما لم يرد فيه نص عن رسول الله صلى الله عليه وآله و عهد من الصحابة. إلّا أنّـهم خالفوا منهجهم في هذه المسألة بسبب بعض ألاعيب الأيادي الخارجة عن الإسلام. فقد طرح هذه المسألة يوحنّا الدمشقيّ في كتابه، وعلّم أتباعه المسيحيّين أن يسألوا المسلمين عن السيد المسيح عليه السلام ، فإذا أجابوهم بنصّ قرآنهم ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ قالوا: هل كلمة الله وروحه مخلوقةٌ أم غير مخلوقةٍ؟ فإن قالوا مخلوقةً، فألزموهم بأنّ معناه أنّ الله كان ولم تكن له كلمةٌ ولا روحٌ، وإن قالوا قديمةً يثبت قدم المسيح، وكونه ابن الله وأحد الثلاثة.
فأوجدت تلك المسألة ضجّةً كبيرةً بين المسلمين، فالمحدّثون اختاروا عدم كونه مخلوقاً، والمتفكّرون كالشيعة والمعتزلة اعتقدوا بالحدوث. ولم تزل المسائل تطرح واحدةً بعد الأُخرى حسب امتداد الصراع الفكريّ بين المسلمين وسائر الشعوب؛ من مسيحيّةٍ ويهوديّةٍ ومجوسيّةٍ وبوذيّةٍ. فقد دفعت هذه الاتصالات الفكريّة عجلةَ علم الكلام إلى الأمام، فأصبح المتكلّمون يبحثون عن مسائل أُخرى، ربما تقع ذريعةً للردّ على الإسلام، إلى أن صار علم الكلام علماً متكامل الأركان متشعّب الفنون ناضج الثمار داني القطوف.
خلاصة الدرس:
إنّ أوّل خلافٍ ظهر بين المسلمين، وصيّـرهم فرقتين، هو مسألة التحكيم في وقعة صفين. والمسألة يوم ذاك، وإن اصطبغت بصبغةٍ سياسيّةٍ، لكنها كانت على أساسٍ دينيّ، وهو أنّ الخوارج خالفوا عليّاً وانشقّوا عن جيشه، بحجّة أنّ حكم الله في الباغي، هو مواصلة الحرب والجهاد حتّى يفيء إلى حكم الله.
وكانوا يصدّقون عليّا في قضية التحكيم، إلّا أنّهم لمّا فُرض عليه التحكيم، وقبل اضطراراً بذلك المخطّط لا عن رغبةٍ فيه، خالفوه ووصفوه باقتراف الكبيرة. وعندها طُرحت أوّل مسألةٍ كلاميّةٍ؛ وهي ما حكم مرتكب الكبيرة؟ وكثر الكلام فيها.
وقد انبثق من النزاع في مرتكب الكبيرة نزاعٌ كلاميٌّ آخر وهو: تحديد مفهوم الإيمان، وهل أنّ العمل داخل في حقيقة الإيمان أو لا.
كان هناك رجال يعانون من سفك الدماء، والحروب الدامية، فالتجؤوا إلى فرضيّةٍ كلاميّةٍ وهي إرجاء حكم مرتكب الكبيرة إلى الله سبحانه تعالى، أو إرجاء حكم الخليفة الثالث عثمان وحكم أمير المؤمنين إلى الله سبحانه، حتّى لا ينبس فيهما المسلم ببنت شفة.
وأمّا مسألة القضاء والقدر، وإن كان لها جذور قبل بزوغ نجم الإسلام وبعده، لكنّها كانت مطروحة بصورة فردية ولم تشكّل تيّاراً فكريّاً ولا مذهباً كلاميّاً، ثمّ أخذت لنفسها أهميّةً خاصّةً في عصر الأمويين، حيث كانوا يبرّرون استئثارهم وأعمالهم الإجراميّة بالقضاء والقدر.
هناك جهة التقاء بين اليهوديّة والإسلام في التوحيد والنبّوة، لكنهما يفترقان في أوصاف الربّ، فأصبحت مسألة التشبيه والصفات ذات أهميّةٍ كبرى، فرّقت المسلمين إلى طوائف.
واكتسبت مسألة إمكان النسخ في مجال التشريع مكانةً بين المسائل الكلامية.وبما أنّ اليهود كانت منكرة لنبوة المسيح عليه السلام والنبيّ الخاتم صلى الله عليه و آله وسلم، عادت تنكر إمكان النسخ، متمسّكةً بما في التوراة، مستدلة بأنّ النسخ مستلزم للبداء أي الظهور بعد الخفاء، فصارت تلك الفكرة سبباً لطرح تلك المسألة على الصعيد الإسلاميّ، وأخذ المتكلّمون بالبحث والنقد.
|
|
|
|
|