اللهم صلي على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر العظيم المستودع فيها عدد ما أحاط به علمك .
اللهم صلي على مُحمد وآل مُحمد وعجل فرجهم واهلك عدوهم من الجن والإنس من الأولين والآخرين
الروايات حول خصوص نور فاطمة الزهراء (ع)
حيث أن ما كان قبل خلق الخلق مما جرى في عالم الغيب مما يعد من عالم الغيب الذي لايمكن أن نكتشفه إلا من خلال ما جاء ممن أطلعهم الله على الغيب وهم النبي (ص) والأئمة من بعده (ع)، ومن ثم فلا سبيل لنا لمعرفة ما يتعلق بنور فاطمة الزهراء (ع) الذي يعد من عالم الغيب بغير الرجوع إلى من كان كلامهم نورا وكما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة.
والروايات الواردة عن أهل البيت (ع) عن موقع فاطمة الزهراء (ع) في عالم الأنوار متعددة وكثيرة، وسأكتفي بذكر ثلاثة روايات فقط مع شيء من التعليق عليها.
الرواية الأولى المعتبرة
ومن أهم تلك الروايات ما رواه الشيخ الصدوق بسند صحيح قال: حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد، قال: حدثنا الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن سدير الصيرفي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«خلق نور فاطمة عليها السلام قبل أن يخلق الأرض والسماء، فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟ فقال: فاطمة حوراء إنسية، قالوا: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم.
قيل يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش، قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟ قال: التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد، ... ». (معاني الأخبار باب نوادر المعاني ص396 ح53)
استنتاجات من الرواية المعتبرة
ونستفيد من هذا الحديث المعتبر عدة أمور:
منها: تقدم خلقتها النورية على ولادتها في عالم الدنيا.
ومنها: إنها لم تكن مشغولة في ذلك العالم إلا بما يكون أحب شيء إلى الله سبحانه وتعالى من الوحدانية والحمد والتنزيه، ووجه التعبير عن تلك الأمور بالطعام من جهة أن بقاء الإنسان يكون عبر الطعام، وبقاء فاطمة (ع) في عالم الأنوار قائم على أساس ما صدر منها من ذلك التهليل والثناء والتسبيح.
ومنها: أنها (ع) عرضت على آدم، وهذا يعني أن آدم كان مأمورا بالتصديق والإيمان بهذا النور ومنزلته عند الله تعالى كما كان مأمورا بالإيمان والتصديق بنور النبي (ص)، وفي الحقيقة فهذه الفقرة قد تكون إشارة إلى قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لاتعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ﴾ (البقرة/ 30-33)
فالآية تتحدث عن جعل إلهي للخليفة، وهذا الجعل مرتبط بمعرفة الأسماء أي الحقائق، وتلك الحقائق من العلو بحيث لم تقدر الملائكة على معرفتها عندما عرضت عليها، ولكن آدم (ع) استطاع أن يعرفها بتعليم من الله سبحانه وتعالى له، ولكن ما هي تلك الحقائق؟
يروي الشيخ الصدوق بسند يمكن تصحيحه عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
«إن الله تبارك وتعالى علم آدم (ع) أسماء حجج الله تعالى كلها، ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة، فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال الله تبارك وتعالى:﴿ يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم ﴾ وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله – تعالى ذكره – فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته» . (كمال الدين ص13، وفي السند أيمن بن محرز وهو ثقة عند السيد الخوئي للتفسير، وجعفر بن عبد الله الكوفي، ويمكن حمله على جعفر المحمدي رأس المذري، ولكن لم يعهد أن لقب بالكوفي)
شبهة إيجاب معرفة الزهراء (ع) مع أنها ليست بنبي ولا إمام
وقد يقال: إن فاطمة الزهراء (ع) لم تكن خليفة فليست هي بنبي ولا إمام فكيف يوجب الله عز وجل على آدم معرفتها؟
والجواب:
أولا: إنه لا دليل على أن ما يجب على آدم (ع) تعلمه ليكون خليفة هو خصوص معرفة الخلفاء دون غيرهم، ولايوجد فيما بين أيدينا ما ينفي معرفة غير النبي (ص) والأئمة (ع).
ثانيا: إن الخلافة الإلهية مرتبطة بعالم الدنيا والطبيعة، وفاطمة الزهراء (ع) لم تكن خليفة في عالم الدنيا لحكمة ربانية اقتضت أن لاتكون المرأة نبيا أو إماما، ولكن لا مانع أن يعرض نور الزهراء (ع) مع الخلفاء باعتبار ما لها من التميز الذي يجعلها في مصاف النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) وكما يشير إلى ذلك بعض علمائنا. (راجع ما قاله السيد الخميني (رض) في مكانة المرأة في فكر الإمام الخميني ص23 و21)
وفاطمة الزهراء (ع) في عالم الأنوار لم تكن في عالم المادة بحيث تكون امرأة أو رجلا، فالتلبس بالذكورة والأنوثة من مقتضيات عالم الطبيعة لا عالم الأنوار.
ومما يعضد هذا المعنى ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن الإمام الصادق (ع): «وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى» . (أمالي الطوسي ص668 ح6 المجلس36)
الرواية الثانية
وروى العلامة المجلسي عن كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الطاهرة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله (ص) قال له:
«يا ابن مسعود إن الله تعالى خلقني وخلق عليا والحسن والحسين من نور قدسه، فلما أراد أن ينشئ خلقه فتق نوري وخلق منه السماوات والأرض، وأنا والله أجل من السماوات والأرض، وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي، وعلي والله أجل من العرش والكرسي، وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العين والملائكة، والحسن والله أجل من الحور العين والملائكة، وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم، والحسين والله أجل من اللوح والقلم، فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب.
فضجت الملائكة ونادت: إلهنا وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما فرجت عنا هذه الظلمة، فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحا، فاحتمل النور الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق والمغارب، فلأجل ذلك سميت الزهراء ».
(البحار ج36 ص74)
الرواية الثالثة
وروى الشيخ الصدوق ووالده بسندهما عن جابر الجعفي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء؟
فقال: « لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السموات والأرض بنورها، و غشيت أبصار الملائكة، وخرّت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيّدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبيّ من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري، ويهدون إلى حقّي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي ». (الإمامة والتبصرة ص133 ح144، وعلل الشرائع ج1 ص180 ح1، ومعاني الأخبار ص64 ح16، وراجع أيضا ما رواه الطبري الإمامي في دلائل الإمامة ص149 ح60 ونوادر المعجزات ص82 ح3، والحلي في المحتضر ص234 ح310)
والأحاديث السابقة ترشدنا إلى أن الله عز وجل قد من علينا إذ تنزلت علينا تلك الأنوار الإلهية من تلك العوالم التي لم يكن لهم شغل فيها غير التقديس والتنزيه إلى هذا العالم حيث يواجهون الجهلة ليرشدوهم ويواجهون الظالمين ليعذروا إلى الله فيهم مع ما يلقونه من الأذى ومن البعد عن ذلك العالم الذي كانوا مستأنسين فيه.
كلام الشيخ الصدوق في مقام النبي (ص) وأهل بيته (ع)
وأخيرا فإننا مدعوون لمعرفة أكثر وأتم في أهل البيت متناسبة مع ما قاله كبار علماء الإمامية في هذا الشأن، مع اعترافهم بعجزهم عن إدراك ما لهم من المقام والفضل عند الله تعالى.
قال الشيخ الصدوق في كتابه الهداية فيما يجب على المؤمن اعتقاده:
"ويجب أن يعتقد أن الله تعالى لم يخلق خلقاً أفضل من محمد (ص) ومن بعده الأئمة صلوات الله عليهم، وأنهم أحب الخلق إلى الله عز وجل وأكرمهم عليه، وأولهم إقراراً به، لما أخذ الله ميثاق النبيين في عالم الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وبعدهم الأنبياء.
وأن الله بعث نبيه (ص) إلى الأنبياء (ع) في عالم الذر، وأن الله أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته نبينا (ص) وسبقه إلى الإقرار به.
ويعتقد أن الله تبارك وتعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته صلوات الله عليهم، وأنه لولاهم ما خلق الله السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة ولا شيئاً مما خلق صلوات الله عليهم أجمعين". (الهداية في الأصول والفروع ص23)
كلام العلامة المجلسي (رض) في مقام النبي (ص) وأهل بيته (ع)
للعلامة المجلسي رسالة اسمها رسالة "العقائد"، وهي رسالة مختصرة ألفها خلال ليلة واحدة في مشهد الإمام الرضا (ع) في أواخر شهر محرم من عام 1087هـ، ولهذا تسمى الرسالة الليلية، وميزة هذه الرسالة أنه ألفها بعد تأليفه لموسوعته الحديثية "بحار الأنوار" وبعد اطلاعه الواسع على أحاديث أهل البيت (ع) والتحقيق فيها، وقد أكد العلامة المجلسي في وصيته على أهمية هذه الرسالة، وقال (قدس سره) في بداية رسالته:
"يا أخواني لاتذهبوا يمينا ولا شمالا، واعلموا يقينا أن الله تعالى أكرم نبيه محمدا (ص) وأهل بيته سلام الله عليهم أجمعين، ففضلهم على جميع خلقه، وجعلهم معادن رحمته وعلمه وحكمته، فهم المقصودون في إيجاد عالم الوجود، والمخصوصون بالشفاعة الكبرى والمقام المحمود، ومعنى الشفاعة الكبرى أنهم وسائط فيوض الله تعالى في هذه النشأة والنشأة الأخرى، إذ هم القابلون للفيوض الإلهية والرحمات القدسية، وبتلطفهم تفيض الرحمة على سائر الموجودات،.....وأيضا لما كنا في غاية البعد عن جناب قدسه تعالى، وحريم ملكوته، وما كنا مرتبطين بساحة عزه وجبروته، فلابد أن يكون بيننا وبين ربنا سفراء وحجب ذوو جهات قدسية وحالات بشرية، يكون لهم بالجهات الأولى ارتباط بالجانب الأعلى، بها يأخذون عنه الأحكام والحكم، ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق يلقون إليهم ما أخذوا عن ربهم.
فلذا جعل الله تعالى سفراءه وأنبياءه ظاهرا من جنس البشر وباطنا متباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم ونفوسهم وقابلياتهم، فهم مقدسون روحانيون قائلون: ﴿ إنما أنا بشر مثلكم ﴾(الكهف/110) لئلا تنفر عنهم أمتهم، ويقبلوا عليهم، قال تعالى: ﴿ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ﴾ (الأنعام/9).
وبه يمكن تفسير الخبر المشهور في العقل بأن يكون المراد بالعقل نفس النبي (ص)، وأمره بالإقبال عبارة عن طلبه إلى مراتب الفضل والكمال والقرب والوصال، وإدباره عن التوجه بعد وصوله إلى أقصى مراتب الكمال إلى التنزل عن تلك المرتبة والتوجه إلى تكميل الخلق.
ويمكن أن يكون قوله تعالى: ﴿ قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا ﴾ (الطلاق/10-11) مشيرا إليه بأن يكون إنزال الرسول كناية عن تنزله عن تلك الدرجة القصوى التي لايسعها ملك مقرب ولانبي مرسل إلى معاشرة الخلق وهدايتهم ومؤانستهم.
فكذلك في إفاضة سائر الفيوض والكمالات، هم وسائط بين ربهم وبين سائر الموجودات، فكل فيض وجود يبتدأ بهم صلوات الله عليهم، ثم ينقسم على سائر الخلق، ففي الصلاة عليهم استجلاب للرحمة إلى معدنها، وللفيوض إلى مقسمها، لتنقسم على سائر البرايا". (العقائد ص16 – 22)
ويقصد العلامة المجلسي من الخبر المشهور في العقل ما رواه جمع من كبار علمائنا ومنهم الكليني بسند صحيح عن الإمام الباقر (ع) أنه قال:« لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك» (الكافي ج1 ص10 كتاب العقل والجهل ح1)