لكل منا عالم افتراضي يعيش بداخله , يسيّره على هواه ويحقق فيه من الانجازات ما يعجز عن تحقيقه على أرض الواقع . ربما كان هذا العالم كتاباً نقرأه ونتوحد مع أبطاله نبكي لبكائهم ونفرح لفرحهم ويملؤنا الفخر لإنجازاتهم , ويكسرنا حزنهم وفشلهم .
وربما كان عالمنا الافتراضي لعبة نكون فيها من الأبطال الخارقين , نحقق الأحلام ونفعل العجائب ونحارب الأشرار ونملأ الأرض عدلاً وسلاماً , أو لعبةً أخرى نبني فيها مدناً ونزيّنها ونزرع الحقول ونربي الحيوانات ونكون من رجال المال والأعمال ونحقق الثروة التي نحلم بها . نبني بيوتاً جميلة ذات حدائق غنّاء تتناثر فيها الزهور والأشجار وتسكنها أجمل الطيور , بيوتاً بعيدة عن الزحام وضيق المكان لا تعترف بثمن قطعة الأرض ولا أسعار البناء .
قد يكون عالمنا الإفتراضي هو شخصية خيالية ننتحلها على مواقع التواصل الاجتماعي , ليس من أجل الخداع أو التزييف , ولكن لمجرد أن هذا ما نتمنّى أن نكونه , أو ربما ما نعتقد أننا لو كناه لأصبحنا محبوبين أكثر - طبعاً مع اعتراضي الشديد على هذا العالم الافتراضي -
بعضنا عالمه الافتراضي هو الأحلام وعادةً ما تكون أحلام اليقظة التي يستغرق فيها وتستغرقه , يتصور نفسه كيف يشاء , يتصور غده وما بعد الغد , ويخطط لأشياء جميلة وعظيمة .
أما من يمتلك موهبة الكتابة فهو يحول عالمه الافتراضي إلى قصص وروايات , تتكلم أبطالها بكل ما يعجز عن البوح به , وتقوم بكل ما يحلم به ولا يجرؤ على تنفيذه , أو ما يريده وتقف ملايين العقبات في طريق تحقيقه .
بالطبع تختلف قيمة هذه العوالم الافتراضية كما تختلف مميزاتها وسلبياتها , وتعتبر القراءة والكتابة هما أفضل العوالم الإفتراضية التي يمكن أن يحيا فيها الإنسان بدون التأثير السلبي على حياته , بل ربما يكون لها أفضل التأثير على مسار الحياة والتقدم بها .
كل منا يحتاج إلى عالم إفتراضي خيالي جميل نلجأ إليه بين الحين والآخر, قد يكون عالمنا الافتراضي هذا أو ذاك أو تلك ولكن المحصلة أننا جميعاً لنا عالم إفتراضي نحبّه ونتمناه ونقضي فيه الساعات والأيام ونشتاق إليه إذا ابتعدنا عنه , عالم يشعرنا بقيمتنا المفقودة , ونجد فيه كل ما نحتاجه من حب واهتمام وتميز وقوة وعبقرية , ولكننا يجب أن نحذر من أن يستهلكنا هذا العالم ويمنعنا من الحياة في الواقع وتطويره وتحويله إلى عالمنا الذي نريد .