ليلة الهرير هي ليلة الجمعة من ليالي صفين وهي من أعظم الليالي شرا بين المسلمين (1) ، قتل فيهما سبعون ألف قتيل 45 ألفا من أهل الشام و 25 ألفا من أهل العراق (2) ، وفي صباحها رفعت المصاحف على الرماح . أي أنها استمرت اليل كله الى صباح اليوم التالي (3)
قيــــــــــل سميت بالهرير لأنهم لما عجزوا عن القتال صار بعضهم يهر على بعض (4) وقيـــل ايضا سميت بذلك لكثرة ما كان الفرسان يهرون فيها (5) وقيـــل ايضا انها سميت بذلك لتركهم الكلام إنما كانوا يهرون هريرا (6)
قال ابن الاثير : فتطاعنوا حتى تقصفت الرماح وتراموا حتى نفد النبل وأخذوا السيوف وعلي يسير فيما بين الميمنة والميسرة ويأمر كل كتيبة أن تقدم علي التي تليها فلم يزل يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة كلها خلف ظهره والأشتر في الميمنة وابن عباس في الميسرة وعلي في القلب والناس يقتتلون من كل جانب وذلك يوم الجمعة (7)
من الذين استشهدوا في هذه اليلة هو الراهب صاحب الصومعة التي مر عليها جيش الامام عليه السلام وهم متجهين نحو صفين
نقل الشريف المرتضى في كتابه رسائل المرتضى ج4 صفحة رقم 85 عن عبد الله البرقي :- خرجنا مع أمير المؤمنين نريد صفين ، فمررنا بكربلا فقال عليه السلام : أتدرون أين نحن ؟ ههنا مصرع الحسين وأصحابه . ثم سرنا يسيرا فانتهينا إلى راهب في صومعة ، وقد انقطع الناس من العطش ، فشكوا ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وذلك لأنه أخذ بنا على طريق البر وترك الفرات عيانا . فدنا من الراهب فهتف به فأشرف من صومعته ، فقال : يا راهب هل قرب صومعتك من ماء ؟ قال : لا فسار قليلا حتى نزل بموضع فيه رمل ، فأمر الناس فنزلوا ، فأمرهم أن يبحثوا عن ذلك الرمل ، فأصابوا تحت ذلك الرمل صخرة بيضاء ، فاقتلعها أمير المؤمنين عليه السلام بيده ونحاها فإذا تحتها ماء أرق من الزلال وأعذب من كل ماء ، فشرب الناس وارتووا وحملوا منه ، ورد الصخرة والرمل كما كان .
قال : فسرنا قليلا وقد علم كل واحد من الناس مكان العين ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : بحقي عليكم ألا رجعتم إلى موضع العين فنظرتم هل تقفون عليها ؟ فرجع الناس يقفون الأثر إلى موضع الرمل ، فبحثوا ذلك الرمل فلم يصيبوا العين فقالوا : يا أمير المؤمنين لا والله ما أصبناها ، ولا ندري أين هي . قال : فأقبل الراهب فقال : أشهد يا أمير المؤمنين إن أبي أخبرني عن جدي - وكان من حواريي عيسى عليه السلام - أنه قال : إن تحت هذا الرمل عينا من ماء أبرد من الثلج وأعذب من كل ماء عذب ، وإنه لا يقع عليها إلا نبي أو وصي نبي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك وصي رسول الله وخليفته والمؤدي عنه ، وقد رأيت أن أصحبك في سفرك فيصيبني ما أصابك من خير وشر فقال له خيرا ودعا له بالخير ، وقال عليه السلام : يا راهب الزمني وكن قريبا مني ففعل .
فلما كانت ليلة الهرير والتقى الجمعان واضطرب الناس فيما بينهم قتل الراهب فلما أصبح أمير المؤمنين عليه السلام قال لأصحابه : انهضوا بنا فادفنوا قتلاكم . وأقبل أمير المؤمنين يطلب الراهب حتى وجده فصلى عليه ودفنه بيده في لحده ، ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام : والله لكأني أنظر إليه وإلى زوجته وإلى منزلته ودرجته التي أكرمه الله بها .
الهامش :----------------------------------
(1) المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج11 هامش صفحة رقم 34
(2) الغدير ج9 صفحة رقم 371
(3) الكامل في التاريخ لابن الاثير ج3 صفحة رقم 315
(4) السنن الكبرى للبيهقي ج3 هامش صفحة رقم 252
(5) فتح الباري ج11 صفحة رقم 105
(6) البداية والنهاية لابن كثير ج7 هامش صفحة رقم 51
(7) الكامل في التاريخ لابن الاثير ج3 صفحة رقم 315