كان عليه أن يندمج بحياة الحضر ، رويداً رويداً ، وان يحاكي أسلوب الحياة فيها شيئاً فشيئاً ، عندما التحق بالإعدادية في مركز المدينة ، بعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة القرية المجاورة لقريتهم .
اتقن على عجل طريقة مسك الشوكة ، والملعقة في تناوله الطعام ،ثم نجح في شرب الماء بالقدح من دون عب كما كان قد اعتاد ، وتمكن من لثم قدح الشاي من دون شفط ، وألف قرع باب الدار بالثقالة عند الدخول دون ان يتنحنح .
ظل يفضل عب الماء من الطاسة ، وتناول الثريد باليد ، ولعق اطراف أنامله من اثار الطعام عندما يشبع ، ويتنحنح عند وصول الدار ، ولا يتردد بارتجال العتابة كلما خلا بنفسه ، وعنّ بباله ، خيال قريته الجميلة ، بفضاءاتها البهية ، وسراح ألانعام في الغداة ، ورواحها بالمساء ، فهو ما برح يستذكر كيف كانت تعاف نفسه زحمة المدينة ، واكتضاضها بالناس ، فكان ينتظر بشوق غامر عودته الى القرية في عطلة نهاية الاسبوع ، اذ تكتنفه رغبة جامحة لتناول السمن الحر ، وخبز التنور الحار .
استقرت في اعماق ذاكرته إرهاصات نشأته الأولى ، فحمل معه الى المدينة ارثه من تقاليد الأجداد الذي تعايش معه بوئام ، لكنه مع ذلك قرر ان يندمج بتمهل مع حياة المدينة ، ويتكيف مع الحداثة بوعي ، دون أن يسمح لها أن تلغي أصالة موروثه الريفي بوسائل العصرنة ، فقد بات التراث جزءً من ملامح هويته الشخصية التي تأبى الضياع .