الثورة الحسينية حملت كل المعاني والقيم الانسانية النبيلة،ووضعت طريق متكامل لكل القلوب الوالهة للتغيير والمتطلعة للحياة الكريمة،هذه الثورة رسمت مسار الامم التي تعاني من الانحراف والتسلط ومصادرة كل مقدراتها بيد حفنه من اشباه الرجال،وعلى هذا ثار الحسين ليضع الحل الانجع والاصح امام الامة المنكسره في حينها والتي تتعرض لحالها في كل حين بسبب تسلط رهط بني امية على كل مقدراتها،وغذى جسد هذه الامة بدماء الكرامة والعزة والاباء فتوالت بعده الثورات الى يومنا هذا وستستمر الى حين ظهور الامل المنتظر ليملئها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا،والثورة الحسينية كما معروف في سيرتها واحداثها قانون حياة متكامل يحوي كل جوانبها حيث تجتمع فيها كل المتناقضات في تناسق عجيب يصعب على كل كل انسان استيعابه،ففي هذه الثورة تجد السياسة والاجتماع والاقتصاد،وتلحظ السمو والرفعة في اشد حالات الانكسار وتشهد القوة والشجاعة في اوج الطغيان والتجبر،تجد البلاغة والحكمة وقوة الدليل في مجلس الطاغي ووسط زبانيته،تجد الرقة والرأفة في اوج المعركة،قلنا انها حياة متكاملة بكل مافي الحياة من تناقض،وعلى هذا من يريد ان يستوعب هذه الثورة عليه ان يفكك مفرداتها ويتناولها كلا على انفراد،ليستوعب كيف انها حياة،وعلى هذا وصفت بلسان المعصوم انها عِبرة وعَبره،ولكي نجسد الاثنين عمليا ليكن يوم تاسوعا يوم النصرة والبيعة والولاء واثبات الهوية من خلال اقامة المهرجانات والمسيرات والتجمعات التي تحيي الذكرى ونسخر هذا اليوم لايصال مانريد ايصاله لاسلاف بني اميه ممن تعددت وتلونت اشكالهم في يومنا هذا خاصة وان في مثل هذا اليوم وفي كربلاء كان الامام الحسين يأخذ البيعة من اصحابة الغر الميامين حيث تعاهدوا معه(عليه السلام) على نصرته بالانفس والمال والولد،فلنتأسى بهؤلاء الذي هم خير الاصحاب على مر العصور كما يصفهم امامهم وسيدهم الامام الحسين،وقد درج ابناء بغداد على ممارسة هذا الشعيرة قبل تسلط البعث الصدامي على مقدرات الامة حيث منع اقامتها كبقية الشعائر الحسينية،حيث كان يتعاهد الحسينيون في تاسوعا ويبايعوا امامهم في مناطق سكناهم وبعدها يتوجهوا الى ارض المعركة كربلاء لاتمال شعائرهم،وهناك تتجسد امامهم صور الحادثة،يتخيلوا استشهاد علي الاكبر والحسين يجثوا على ركبتيه عند محل مصرعه يعيشوا لحظات قطع كفي ابا الفضل العباس ونداء الحسين(اخي الان انكسر ظهري وقلت حيلتي) يسمعوا صراخ وعويل الاطفال(العطش، العطش)،يشهدوا على بشاعة بني امية ووحشيتهم عندما ينحروا الرضيع ويمد يده ليشرب متخيلا ان دمائه التي سالت ماء، يتصوروا لحظات احراق الخيام من قبل جيش يزيد وخروج بنات الرسالة المحمدية واطفال العترة هائمين في الصحراء،يتعايشوا مع مصيبة الحوراء زينب بين اخوتها المجزرين وعيالهم ونسائهم المسبيين حائرة بين الاجساد المقطعة وجمع شتات الاطفال والنساء وبين ابن اخيها امام الامة العليل،وبين جيش يحمل صورة البشر في ظاهرة لكن وحش في كل ماعداه،هناك في كربلاء يتجمع الحسينيون ليؤدوا مراسم ركضة طويريج وعند الضريح المطهر للامام الحسين واخيه العباس تسيل الدموع وتلطم الصدور على اعظم مأساة انسانية في التاريخ،وعلى ابشع امة تقتل خير مافيها ابن بنت منقذها وسيدها،وتدعي الانتماء له ولدينه،امة انحرفت وهانت حتى مل الهوان من هوانها،وهكذا تحيى عاشوراء بالعَبرة،ويقينا ان هذا الاحياء سيكون اكثر تنظيما وافضل تعبير ولايعني اختصار الامر في اليومين على ذلك ففي كل ارض كربلاء وفي كل يوم عاشورا،وكما درجنا عليه بان نقسم العشرة الاوائل على شهداء كربلاء في توزيع افتراضي فكان السابع للامام العباس والتاسع لعلي الاكبر وهكذا رغم انهم صلوات عليهم استشهدوا في يوم واحد، لكن كي نستفيد من هذه الثورة ونجعلها برنامج حي لحياتنا نسلكه مادام الحياة فينا ونستقي الدروس منها لنعالج الامراض التي نصاب او تصاب بها امتنا بمصل الثورة الحسينية فهو الدواء الامثل لامراض الامم وكل العوق والشلل فيها جسد وروح،وعليه لتكن تاسوعا عِبرة وعاشورا عَبره...
بقلم عبدالله الجيزاني