وردت عندنا رواياتٌ يظهر منها أفضلية كربلاء على مكة، بل على الكعبة أيضاً، ومن هذه الروايات كما في (كامل الزيارات: 444):
1- حدّثني أبي وعليّ بن الحسين وجماعة مشايخي (رحمهم الله)، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي سعيد القماط قال: حدّثني عبد الله بن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لرجل من مواليه: «يا فلان، أتزور قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام)؟» إلى أن يقول: «ويحك، أما تعلم أنَّ الله اتّخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتّخذ مكّة حرماً؟ ».
2- حدثني محمّد بن جعفر القرشي الرزاز، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن أبي سعيد القماط، عن عمر بن يزيد بياع السابري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ أرض الكعبة قالت: مَن مثلي وقد بُني بيت الله على ظهري، ويأتيني الناس من كلّ فجٍّ عميق، وجُعلت حرمَ الله وأمنه، فأوحى الله إليها أن كفّي وقرّي، فوعزّتي وجلالي، ما فضل ما فُضّلتِ به فيما أُعطيَت به أرضُ كربلاء إلّا بمنزلة الإبرة غُمست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضّلتك، ولولا ما تضمّنت أرض كربلاء ما خلقتُك ولا خلقتُ البيت الذي افتخرتِ به، فقرّي واستقرّي، وكوني دنيا متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلّا سختُ بكِ وهويت بك في نار جهنم».
وفي طريق آخر قال: حدثني أبي وعليّ بن الحسين، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن علي قال: حدّثنا عبّاد أبو سعيد العصفري، عن عمر بن يزيد بياع السابري، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، وذكر مثله.
3- حدثني أبو العباس الكوفي، عن محمّد بن الحسين بن الخطاب، عن أبي سعيد العصفري، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «خلق الله (تبارك وتعالى) أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلْقِ الله الخلقَ مقدّمة مباركة، ولا تزال كذلك حتّى يجعلها الله أفضل أرضٍ في الجنّة وأفضل منزل ومسكن يُسكن الله فيه أوليائه في الجنة».
4- حدثني أبي (رحمه الله)، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن علي قال: حدّثنا عبّاد أبو سعيد العصفري، عن صفوان الجمال قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ الله (تبارك وتعالى) فضّل الأرضين والمياه بعضها على بعض، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت، فما مِن ماءٍ ولا أرضٍ إلّا عوقبت لتركها التواضع لله، حتى سلّط الله المشركين على الكعبة، وأرسل إلى زمزم ماءً مالحاً حتى فسد طعمه، وإنّ أرض كربلاء وماء الفرات أوّل أرضٍ وأوّل ماءٍ قدّس اللهَ (تبارك وتعالى) وبارك اللهُ عليهما، فقال لها: تكلّمي بما فضّلك الله تعالى، فقد تفاخرت الأرض والمياه بعضها على بعض، قالت: أنا أرض الله المقدسة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي، ولا فخر، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، ولا فخر على مَن دوني، بل شكراً لله. فاكرَمَها وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين (عليه السلام) وأصحابه»، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): «مَن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبّر وضعه الله تعالى».
وفي (مستدرك الوسائل: 10 / 225)، في رواية مسندةٍ عن أمّ أيمن، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديثٍ طويلٍ يقول فيه: «وهي أطهر [أطيب] بقاع الأرض وأعظمها حرمة، وإنّها لَمِن بطحاء الجنّة».
وذُكر عن هذا الأخبار في تفضيل كربلاء أنّ قسماً منها صحيح بالإتفاق، والقسم الآخر يصحّ على بعض المباني لا بالإتفاق.
قال السيّد هاشم الهاشمي في كتابه (حوار مع فضل الله حول الزهراء: 87): هذا وقد أورد ابن قولويه رواية بسندَين؛ أحدهما صحيح بالاتفاق، والآخر صحيح على مبنى من يوثّق محمّد بن سنان.
وهناك روايات يظهر منها أفضلية مكّة على غيرها من البقاع، ففي (الفقيه) عن سنان، عن سعيد بن عبد الله الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أحبّ الأرض إلى الله مكّة، وما تربة أحبّ إلى الله من تربتها، ولا حجر أحبّ إلى الله من حجرها، ولا جبل أحب إلى الله من جبلها، ولا ماء أحبّ إلى الله من مائها».
ويختلف العلماء بناءاً للاختلاف في الروايتين في أيّتهما الأفضل، فذهب البعض إلى أفضلية مكّة، والبعض الآخر إلى أفضليّة كربلاء، ويذهب البعض إلى أفضليّة مكة على سائر البقاع عدا قبور النبيّ والأئمة (عليهم السلام).