بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
مقال رائع: الشيخ ياسر الحبيب رضي الله عنه وارضاه !!!
بقلم: منسي الطيب ( كاتب سوداني - سني المذهب).
ليس من عادتي (كما يفعل الشيوخ) أن أترضى على أحدٍ مهما كان ، فمَن رضيَ الله عنه فقد رضى وانتهت الحكاية ولا تحتاج إلى روحه للقاضي ، ومَن لم يرضَ عنه فعساه لن يرضى عنه أبدا. ثم مَن أنا حتى أطلب من الله أن يرضى عن هذا الشخص وأن لا يرضى عن ذاك؟ خاصة وإن السلف الارهابي الطالح قد علمنا أن لا نترضى إلا على الطواغيت وأبناء البغايا فزرع فينا عقدة نفسية من الترضي والترحم على أحد من العربان ، لكنني في هذه المرّة كسرت قاعدة الترضّي وقعدت على تـلّها لأجدني وانا في كامل قواي العقلية أترضى ومن كل قلبي وأترحم من صميم فؤادي (إي والله) وأحيي الشيخ الجليل الشاب الفاضل المفضل ياسر الحبيب حفظه الله ورعاه وأحبه وأدناه ورضيَ عنه وأرضاه ، وذلك لسبب واحد لا ثاني ولا ثالث ولا رابع له:
ان هذا الشيخ الشاب لا يشبه بأي حال من الأحوال شيوخ الفضائيات ونجوم شاشتها الصغيرة المتطفلة ، والذين أصبحوا بقدرة قادر متخصصين في شتى مجالات العلوم والمعرفة وأسرار الكون ، ولم يَدَعوا شيئا إلا وقالوا كلمتهم فيه وأعلنوها لأتباعهم على شكل فتاوى معلبة تنبعث منها رائحة الجهل والتخلف والقذارة ، حتى صاروا في يوم من الأيام القليلة الماضية وفي أحد برامجهم الدينية المضحكة روّادا للفلك يفتون بحكم التيمم بتراب القمر وكيفية إقامة الصلاة على ذلك الكوكب! وكأنهم مسوينها خرّي مرّي أولاد النعل يوم صاعدين للقمر ويوم نازلين على المريخ وهم أصلا لا يؤمنون بكروية الأرض ويعتبرونها واقفة على قرن ثور ، ويكفرون كل من يقول بكرويتها ، وفتوى الشيخ الأعور ابن باز ما زالت شاهدة على ذلك.
ويوم تجدهم على نفس تلك الشاشات القبيحة وقد أصبحوا بين ليلة وضحاها أطباء بارعين في العمليات الجراحية التي يُخرجون في غرفها المغلقة وعلى الهواء مباشرة جنيّا مسكينا من فرج إمرأة مسكينة ، وقد كسروا خشمه وأدموا وجهه وهو يتحدث العربية باللهجة اليمنية ويشكر الشيخ الخليجي على إخراجه ذليلا صاغرا من ذلك الدهليز البنفسجي ، ثم يقر ويعترف هذا الجني المسكين تحت التعذيب انه قد دخل ذلك الفرج وهو ظالم لنفسه! وموقع اليوتوب يعج بهذه العمليات الجراحية لهؤلاء الشيوخ والتي تعتبر بحق الأولى من نوعها في عالم الجراحة الفرجية وكسر خشم الجن اليمني وإذلاله بهذه الطريقة الوهابية العربية العجيبة!
ويوم تجد نفس هؤلاء الشيوخ وقد أصبحوا خبراء عالميين في الرجيم والدايت وتخفيف الوزن وشفط الدهون المتكدسة على مؤخرات أتباعهم من الجهلة ، وذلك عن طريق لطع ومص أصابع اليد بعد الإنتهاء من ضربهم لصحون المفطـّح وصواني الكبسة! ويا ساتر استر حينما يكون تخفيف الوزن مقرونا بالمفطح ومصمصة الأصابع!
وكلها في كفة وأشكال هؤلاء الشيوخ النوابغ في كفةٍ أخرى ، وكأن بينهم وبين الوسامة عداوة قديمة لا يعلم تأريخها إلا الله والراسخون في العلم! ولست أدري من أين يأتوننا بهذه البعابع ليجعلوا منهم نجوما تلفزيونية للهداية ، لكننا ويا لسوء حظنا لا نهتدي من أشكالهم الذميمة إلا سبل التقؤ ومغص الأمعاء!
ولو توقف الأمر عند هذه المهزلة ، لهانت معها مهازل الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم. فالإسلام العظيم عند هؤلاء الأخابنة لا يستقيم إلا بشتم الناس المختلفين عنهم مذهبيا وسبّهم على الهواء الطلق وتحقير معتقداتهم واهانة رموزهم الدينية ولعنهم وتكفيرهم على الملأ والدعاء عليهم أن يصيبهم الله بأمرض السرطان وتخثر الدماء في عروقهم. وكأن الله يعمل صبّاب قهوة في مضارب آل يعرب ، فالعن هذا يا الله ولا تلعن ذاك ، وانتقم من هذا ولا تنتقم من ذاك ، وارحم هؤلاء ولا ترحم أولئك ، واهدنا ولا تهدِ غيرنا ، وأدخلنا الجنة التي عرضها السماوات والأرض واغلق الباب خلفنا ولا تدخل أحدا معنا!
لقد صغر الله تعالى في عقول هؤلاء البدو فصغرت معه أمنياتهم وتطلعاتهم وتعاملهم مع الآخرين ونظرتهم إلى الأشياء ، فأصبحوا لا يرون الإيمان إلا دشداشة قصيرة ولحية طويلة وفما نتنا يزبد برذاذ الشتم واللعن والمسبة وتكفير الناس والتحريض على قتلهم.
وكل هذا الحقد والكراهية والإرهاب والطائفية والعنصرية وقتل الناس وإراقة دمائهم تتم باسم دين محمد بن عبد الله وعلى سنته النبوية الشريفة ، وكأن الله يخلق هذه الحثالات ومحمد بن عبد الله يبتلي. فالإرهابي الاردني المعروف بالزرقاوي حينما كان يصور عمليات ذبح الناس في العراق وقطع رؤوسهم بسكينته الحادة على الفضائيات كان أول ما يبتدأ به من كلام هو: "الحمد لله والصلاة والسلام على النبي الذباح القائل لقد جئتكم بشريعة الذبح". فالنبي الكريم الذي يصفه القرآن بأنه رحمة للعالمين لا يعتبره الإرهابيون إلا نبيا جاء لذبح الناس ، وهذا ما يفسر احتقارهم لأرواح الآخرين وتطاولهم على النفس البشرية في العراق وازهاقها بابشع صور القتل. وهذا النبي المظلوم القائل "ما أوذيَ نبيٌ مثلما أوذيت" ليس له قدسية ولا كرامة ولا احترام ولا تقدير في قلوب هؤلاء الإرهابيين وشيوخ الفتنة إلا إذا تعلق الأمر بشخص السيدة عائشة! أما غير ذلك فهم ليسوا معنيين بأمره. فلم نر لهم مظاهرة ولم نسمع لهم همسا ولم نقرأ لهم مقالة يطالبون فيها بقتل الناس في شوارعهم (كما يفعلون الآن) عندما أحرق مجموعة من الزعران قرآن المسلمين في أمريكا وبريطانيا وسحقوا رماد آياته بأقدامهم. لم نسمع لشيوخ البترول صوتا واحدا يشجب الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول ، ولم نقرأ لهم كلمة واحدة تستنكر رواية سلمان رشدي الإباحية (وهو مسلم سني) وهتكه لستر السيدة عائشة في تلك الرواية وتصويرها بأفحش ما لصور الإباحة من معنى. بل على العكس فقد شنّعوا على فتوى الإمام الخميني ضد سلمان رشدي واستنكروها واعتبروها تضخيما ودعاية إعلامية لكاتب مغمور! فلماذا لم يتعاملوا بنفس هذه الأريحية والحكمة مع قضية الشيخ ياسر الحبيب؟ علما ان هذا الشيخ الشاب لم يتجاوز على عرض أحدٍ كما يروّج ويشيع أصحاب الفتن بقدر ما تجاوز على خطوط الإرهاب الحمراء وذلك بفتح الدفاتر العتيقة لأصحاب هذه الخطوط وقراءتها على مسامع الناس بصوت عالي وهو يعلم علم اليقين ان القراءة بصوت عالي في بلدان هياف الهداني وبطيحان تستوجب قص اللسان. كما ان هذا الشيخ لم يأتِ بشيء جديد في قراءته للكتب التأريخية المقدسة ، فكل ما اقترفه هو انه رفع صوته متمردا بالقراءة وقال هذه رموزكم المقدسة وهذه كتبكم الدينية والتأريخية ، اقرأوها يا مسلمين واطلعوا على ما فيها من ارهاب واجرام وسفك دماء ولا تخافوا فأما انا مجنون وأما أنتم مجانين!!! فلم يرد عليه أحد في ساعتها بغير اللعن والشتائم وإرسال الأوامر المستعجلة إلى الله أن يعاقبه ويدخله النار بأسرع وقت. كما ان انتفاضة هذا الشيخ (كما احب ان اسميها) على الرموز الإرهابية منشورة بالصوت والصورة على الانترنت منذ زمن بعيد وان احدث تسجيل له على اليوتوب كان منذ عام 2008. فما الذي استجد في الموضوع؟ ومن الذي اثار هذه الزوبعة الآن؟ وهل هي مشكلة تستحق كل هذا التباكي الكاذب والنواح والولولة؟
المشكلة الحقيقية بدأت عندما بدأ هذا الشيخ الثائر بالتظاهر من بريطانيا ضد مملكة آل سعود واتهامها بالارهاب وتشويه سمعة الاسلام والمسلمين ، واستمر بالمظاهرات والمطالبة باسقاط حكومتهم ، حتى انه صار يطارد افراد العائلة السعودية الحاكمة وسفرائها في بريطانيا من وكر الى وكر مطاردة الكلاب وفي يديه وايدي اتباعه من الحجر ما يكفي لرجم عائلة ال سعود باكملها. لهذا السبب فقط وليس لأي سبب آخر انتفض شارب الحاكم العربي فاهتزت معه لحايا شيوخ الرضاعة وبدأت الفضائيات الخليجية الجاهزة للتشويش بالبكاء والنياحة على شرف السيدة عائشة زوج الرسول وعرضه ، متجاهلين ان للرسول الكريم اثنتا عشر زوجة غير السيد عائشة لم يتجرأ أحد في العالمين على ذكرهن بسوء. فلماذا كل هذا التركيز ولفت الإنتباه إلى السيدة عائشة دون سواها من أمهات المؤمنين؟ ما الذي يميزها عن غيرها؟ لماذا كل هذه الأضواء المسلطة من قبل علماء السلطان على السيدة عائشة فقط بأنها أم المؤمنين وقديسة وصدّيقة ومنزّهة واشرف الخلق ومعصومة وأفضل من السيدة مريم وان الله معجب بها كثيرا وجبريل يغازلها وميكائيل يتمثل بصورتها وعزائيل يستحي منها أن يقبض روحها وغيرها من صفات التقديس وهي واحدة من زوجات الرسول الكثيرات اللواتي لا يذكرهن الشيوخ كما يذكرون السيدة عائشة؟
أين السيدة خديجة السيدة الطاهرة الأولى في الإسلام والتي لولا تضحياتها لما انتصر الإسلام وأصبح هؤلاء المناكيد المتكلمين الرسميين باسمه؟ أين السيدة أم سلمة التي أفنت حياتها تبكي على الحسين؟ هل كانت رافضية؟ هل كانت مشركة بالله ولا تعرف أن البكاء على الميتين حرام كما يدعي الشيوخ؟ لماذا لا يذكرونها ولو بحديث واحد؟ ألم تعاشر الرسول كما عاشرته السيدة عائشة؟ أين السيدة ماريا القبطية التي اتـُهِمتْ بالإفك وبرأها الله في كتابه؟ لماذا كل هذا التركيز فقط على السيدة عائشة؟ هل لأنها بكل هذه المواصفات والمزايا؟ أم ان في الأمر ضميرا مستترا لا يُظهره ويُجهر في إعرابه إلا أمثال الشيخ ياسر الحبيب؟
ثم إذا كان شيوخ الفتنة وأتباعهم لديهم كل هذه الغيرة والحمية على شرف الرسول الكريم وعرضه ، فلماذا لا يتبرأون من الذين أبادوا ذرية الرسول عن بكرة أبيهم وسَبوا بنات الرسول وحفيداته وراحوا يطوفون بهن من بلدٍ إلى بلد؟ لماذا نراهم يترضون ويترحمون على قتلة آل بيت الرسول ويعتبرونهم أمراء المؤمنين وأولياء المسلمين؟ لماذا عندما يشتمون الشيعة يسمونهم بأبناء الزينبيات نسبة إلى السيدة زينب؟ وهذه الشتيمة أصبحت شائعة جدا اليوم حتى شيوخ الفضائيات ونجومها لا يتورعون عن التلفظ بها؟ ألم تكن السيدة زينب حفيدة الرسول وهي بالتالي شرفه وعرضه؟ لا أدري كم رسول لدى المسلمين؟ وكم زينب لديهم وعائشة؟ لكن الذي أدركه جيدا هو ان لكل فعل ردة فعل ، وردود أفعال من انتسبوا إلى هذا الدين ومن الطرفين لا تقع إلا على رؤوس المسلمين جميعا.
فحينما يرى شخص مثل ياسر الحبيب أبناء طائفته في العراق يُقتلون ويُشردون ويُذبحون كالنعاج وتهدم على رؤوسهم أضرحتهم ومراقدهم المقدسة ، ثم بعد ذلك يأتي الإعلام العربي المغرض بكل شبكاته الفضائية والعنكبوتية والورقية ليزيف الحقائق ويقلب الواقع ليجعل من المقتول قاتلا ومن المظلوم ظالما ومن الوطني خائنا ومن العراقيين الشيعة شيعة وصفويين ومجوس وأبناء متعة وزرادشتية. ووالله لو ان ربع الظلم الذي وقع على شيعة العراق قد وقع على أبناء طائفة أخرى غيرهم لأحرقوا الدنيا بما فيها بردود افعالهم الإنتقامية ، لكن مذهب التشيع والقائم اساسا على الإقتداء والتأسي بالرسول الكريم وبأئمة آل البيت من بعده والذين هم رمز للمظلومية والإضطهاد هو ما يمنع الشيعة من ارتكاب ما يفعله غيرهم بحقهم ، وكأنهم يستأنسون بالظلم الواقع عليهم ويعتبرونه اقتداء وتأسي بأئمة آل البيت ومشاركة ومواساة للنبي وآل بيته المظلومين في مصائبهم ، وكأن لسان حال الشيعة يقول: اللهم اجعلنا مظلومين ولا تجعلنا ظالمين.
فياسر الحبيب إذن لم يأتِ من فراغ ، ولم يكن لصوته المتمرد ان يعلو بهذا الشكل لولا أن أصوات غيره قد علت بالتكفير وتفجير السيارات وإزهاق النفوس البريئة. ولو كان احد غير الشيخ ياسر لرد على هؤلاء بنفس سياراتهم المفخخة ونفس إعلامهم المغرض ولجعل اشلاء الناس تتناثر في أكثر من عاصمة عربية كما هو الحال في عاصمة العراق والتي تنفجر فيها كل يوم أكثر من سيارة عربية مفخخة لا تحصد إلا أرواح الشيعة الفقراء.
ولهذا نرى ان الشيخ ياسر لا يشبه هؤلاء الشيوخ الوحوش بأي حال من الأحوال .. فهو رجل مسالم لا يؤمن بالعنف ولا يدعو للإرهاب ولا يفتي بقتل الناس وذبح المخالفين له وسفك دمائهم ، وإن كل ما لدى هذا الشيخ هو الصوت العالي والحجة والدليل والثورة على الحاكم الظالم وعلى كل رموز الإرهاب. فردّوا عليه يا وعاظ السلاطين ان استطعتم بغير اسقاط الجنسية وفتاوى القتل وكونوا متحضرين ولو لمرة واحدة.
ولأن هذا الشيخ قد آمن بثقافة وحرية التعبير والتزم بها ولم يؤمن بثقافة الذبح والتفجير ولم يلجأ إلى أساليب العنف في ردود أفعاله ، فقد نال اعجابنا واستحق تقديرنا ، وبالتالي لا يسعنا إلا ان نقول "رضي الله تعالى عنه وارضاه". وهذه العبارة هي ليست بالضرورة تعبيرا عن مشاعر الرضا عن هذا الشخص أو ذاك بقدر ما هي إشعار لأولئك الذين يترحمون ويترضون على قتلة أبناء الشعب العراقي ويعتبرونهم شهداء أمة وشهداء حج أكبر ويبنون لهم التماثيل ويرفعون لهم الصور نكاية بنا وبجراحاتنا النازفة. فنقول لهم: مثلما تترحمون وتترضون على أولئك القتلة والطواغيت ، سنترحم ونترضى من الآن وصاعدا على كل مَن يهينكم ويذلكم ويستصغر قدركم ويعريكم ويفضحكم أمام العالمين. وقد قالوها قديما ان البادئ بالظلم أظلم.
ونسألكم الدعاء...~