بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد و آل محمد
ذكر الشيخ القاضي الكراجكي المتوفى سنة 449 هـ. في كتابه التعجب من أغلاط العامة في مسألة الإمامة أبيات شعرية رواها ابن اسحاق في السيرة لأبي بكر و هو يقر بأن حزنه في الغار كان إثماً و فتنةً.
و هذا نص ما ذكره الشيخ الكراجكي:
ومن عجيب أمرهم، وظاهر عنادهم: افتخارهم لأبي بكر بآية الغار، وإكثارهم من ذكرها، ولا يذكرون مبيت أمير المؤمنين (عليه السلام) تلك الليلة على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث بذل مهجته دونه، وفداه بنفسه، واضطجع في موضعه الذي يقصده إليه أعداؤه، حتى تعجبت من ذلك الملائكة، وأنزل الله في مبيته:
( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد) ، هنالك قالت الملائكة: هنيئا لك يا بن أبي طالب وأنت الحبيب المواسي ، فما انصراف القوم عن هذه الفضيلة العظيمة، ولهجهم بذكر آية الغار، إلا معاندة في الدين، وبغضة قد خالطت لحومهم لأمير المؤمنين (عليه السلام)!
ومن العجب: أن يفتخر أمير المؤمنين (عليه السلام) بمبيته على الفراش فلا يعدونه له فخرا، ويعترف أبو بكر بأن حزنه في الغار معصية، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبره أن حزنه إثم وفتنة، فيخالفونه ويعدونه فخرا، وقد نظم كل واحد منها في ذلك شعرا، فروي أن أمير المؤمنين قال في مبيته:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى ********** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله الخلق أن مكروا به *********** فنجاه ذو الطول الكريم من المكر
وبت أراعيهم وما يثبتونني ************ وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
وقال أبو بكر في أبيات له رواها ابن إسحاق في السيرة، وهو عند القوم أمين، ثقة : (هو: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، من أقدم مؤرخي العرب. (الأعلام للزركلي: 6 / 28). )
و لما ولجت الغار قال محمد ********** أمنت فثق في كل ممسي و مولج
بربــك إن الله بالغــك الذي ********** تنوء به في كل مثوى و مخرج
و لا تحزنن فالحزن إثم و فتنة ************* يكون على ذي البهجة المتحرج
فيقر الرجل في شعره بأن النبي أخبره أن حزنه في تلك الحال فتنة وإثم، فالفتنة الكفر، قال الله تعالى: (والفتنة أكبر من القتل) ، ولا صرفها في هذا المكان إلى بعض محتملاتها من غير هذا الوجه لما قد قارنها من الإثم الذي لا يكون إلا في معصية الله عز وجل وشيعة الرجل يكذبونه فيما أخبر به، ويعدون معصيته حسنة، وحزنه مسرة، ويجعلون له ببغداد عيدا في كل سنة يظهرون فيه الفرح والمسرة، فيفرحون يوم إثمه، ويسرون يوم حزنه، وقد كان يجب أن يحزنوا كما حزن، ويغتموا بما جنى وأثم، بل يبكون لبكائه إذا كانوا من شيعته وأوليائه، لكن قصوراتهم واضحة، ومناقضاتهم فاضحة!