|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 30365
|
الإنتساب : Feb 2009
|
المشاركات : 1,092
|
بمعدل : 0.19 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
الامام علي عليه السلام في غار حراء
بتاريخ : 07-08-2012 الساعة : 11:58 PM
كان النبي -حتى قبل أن يبعث بالرسالة والنبوّة -يعتكف ويتعبّد في غار حراء شهراً من كل سنة، فإذا انقضى الشهر وقضى جواره من حراء انحدر من الجبل، وتوجّه إلى المسجد الحرام رأساً وطاف بالبيت سبعاً، ثمّ عاد إلى منزله. وهنا يطرح سؤال: وماذا كان شأن علي _ عليه السلام _ في تلك الأيام التي كان يتعبّد ويعتكف فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المكان مع ما عرفنا من حبّ الرسول الأكرم له؟ هل كان يأخذ صلى الله عليه وآله وسلم علياً معه إلى ذلك المكان العجيب أم كان يتركه ويفارقه؟
إنّ القرائن الكثيرة تدل على أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ أن أخذ علياً لم يفارقه يوماً أبداً فهاهم المؤرّخون يقولون:
كان علي يرافق النبي دائماً ولا يفارقه أبداً حتى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا خرج إلى الصحراء أو الجبل أخذ علياً معه(ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 208.).
يقول ابن أبي الحديد:
وقد ذكر علي (ع) هذا الأمر في الخطبة القاصعة اذ قال:
«ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري»(نهج البلاغة: الخطبة القاصعة الرقم 187.).
إنّ هذه العبارة وإن كانت محتملة في مرافقته للنبي في حراء بعد البعثة الشريفة إلاّ انّ القرائن السابقة وكون مجاورة النبي بحراء كانت في الأغلب قبل البعثة، تؤيّد أنّ هذه الجملة، يمكن أن تكون اشارة الى صحبة علي للنبي في حراء قبل البعثة.
إنّ طهارة النفسيّة العلوية، ونقاوة الروح التي كان علي (ع) يتحلىّ بها، والتربية المستمرّة التي كان يحظى بها في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كل ذلك كان سبباً في أن يتّصف علي (ع) _ ومنذ نعومة أظفاره _ ببصيرة نفّاذة وقلب مستنير، واُذن سميعة واعية تمكّنه من أن يرى أشياءً ويسمع امواجاً تخفى على الناس العاديين ويتعذّر عليهم سماعها ورؤيتها، كما يصرّخ نفسه بذلك اذ يقول:
«أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة»(نهج البلاغة: الخطبة القاصعة الرقم 187.).
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام):
«كان علي (ع) يرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل الرسالة، الضوء ويسمع الصوت».
وقد قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لولا أنّي خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النبوّة فإن لا تكن نبيّاً فإنّك وصيّ نبيّ ووارثه، بل أنت سيّد الاوصياء وإمام الأتقياء(ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 310.).
ويقول الإمام علي (ع) :
لقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان ايس من عبادته، ثمّ قال له:»(نهج البلاغة: الخطبة القاصعة الرقم 187).
هذا هو الرافد الثاني الذي كان يرفد الشخصية العلوية بالأخلاق والسجايا الرفيعة.
3 _ البيئة الرسالية وشخصية الإمام:
ولو أضفنا ذينك الأمرين (أي ما اكتسبه من والديه الطاهرين بالوراثة، وما تلقّاه في حجر النبي ) الى ما أخذه من بيئة الرسالة والإسلام من أفكار وآراء رفيعة، وتأثر عنها أدركنا عظمة الشخصية العلوية من هذا الجانب.
ومن هنا يحظى الإمام علي (ع) بمكانة مرموقة لدى الجميع: مسلمين وغير مسلمين، لما كان يتمتع به من شخصية سامقة، وخصوصيات خاصة يتميّز بها.
وهذا هو ما دفع بالبعيد والقريب الى ان يصف عليّاً بما لم يوصف به احد من البشر، ويخصّه بنعوت، حرم منها غيره، فهذا الدكتور شبلي شميل المتوفّى 1335 وهو من كبار الماديين في القرن الحاضر يقول:
«الإمام علي بن ابي طالب عظيم العظماء نسخة مفردة لم ير لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديماً ولا حديثاً»(الإمام علي صوت العدالة الإنسانية 1 / 37.).
وقال عمر بن الخطاب:
«عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب»(الغدير 6 / 38 طبعة النجف.).
ويقول جورج جرداق الكاتب المسيحي اللبناني المعروف:
«وماذا عليك يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كل زمن عليّاً بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره»(الإمام علي صوت العدالة الإنسانية 1 / 49.).
هذه الأبعاد التي ألمحنا اليها هي الأبعاد الطبيعية للشخصية العلوية.
البعد الرابع لشخصية الإمام (ع) :
غير أنّ أبعاد شخصية الإمام علي (ع) لا تنحصر في هذه الأبعاد الثلاثة، فإنّ لأولياء الله سبحانه بعداً رابعاً، داخلاً في هوية ذاتهم، وحقيْة شخصيتهم وهذا البعد هو الذي ميّزهم عن سائر الشخصيات وأضفى عليهمبريقاً خاصّاً ولمعاناً عظيماً.
وهذا البعد هو البعد المعنوي الذي ميّز هذه الصفوة عن الناس، وجعلهم نخبة ممتازة وثلّة مختارة من بين الناس وهو كونهم رسل الله وأنبياءه، أو خلفاءه وأوصياء أنبيائه.
نرى أنّه سبحانه يأمر رسوله أن يصف نفسه بقوله: {قُل سُبحان رَبِّي هَل كُنتُ إلاّ بَشَراً رَسُولاً}(الاسراء / 93.).
فقوله: { بَشَراً} إشارة الى الأبعاد البشرية الموجودة في كل انسان طبيعي، وإن كانوا يختلفون فيها في ما بينهم كمالاً ولمعاناً.
وقوله: { رَسُولاً} إشارة إلى ذلك البعد المعنوي الذي ميّزه صلى الله عليه وآله وسلم عن الناس وجعله معلّماً وقدوة للبشر.
فلأجل ذلك يقف المرء في تحديد الشخصيات الإلهية على شخصية مركّبة من بعدين: طبيعي وإلهي ولا يقدر على توصيفها إلاّ بنفس ما وصفهم الله به سبحانه مثل قوله في شأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
{ الِّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاُمِيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوباً عِندَهُم فيِ التَّوراةِ وَالإنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمعرُوفِ وَيَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحرّمُ عَلَيِهمُ الخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إصرَهُم وَالأغلالَ الَّتِي كانَت عَلَيهِم}(الأعراف / 57.) وقد نزلت في حق الإمام أمير المؤمنين (ع) آيات ووردت روايات.
كيف وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن ابي طالب (ع) »(أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه 4 / 410.).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
«من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوال عليّاً بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذّبين بفضلهم من اُمتّي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي»(أخرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 1 / 86.).
وقال الإمام أحمد بن حنبل:
ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي -رضي الله عنه -(مناقب أحمد لابن الجوزي الحنبلي 163.).
وقال الإمام الفخر الرازي:
من اتّخذ عليّاً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه(تفسير مفاتيح الغيب 1 / 205.).
وقال أيضاً:
من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللّهم أدر الحقّ مع علي حيث دار (المصدر نفسه 204.).
تسليط الضوء على شخصيته السامية :
لا عتب على اليراع لو وقف عند تحديد شخصية كريمة معنوية خصّها الله تعالى بمواهب وفضائل، وكفى في ذلك ما رواه طارق بن شهاب، قال: كنت عند عبد الله بن عباس فجاء اُناس من أبناء المهاجرين فقالوا له: يا بن عباس أي رجل كان علي بن أبي طالب؟.
قال: ملئ جوفه حكماً وعلماً وبأساً ونجدة وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(شواهد التنزيل 1 / 108 ح 153.).
روى عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزل في القرآن : {يَا أَيِّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلاّ وعلي _ عليه السلام _ رأسها وأميرها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان، وما ذكر عليّاً إلاّ بخير(مسند أحمد 1 / 190، تاريخ الخلفاء 171.).
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي(الصواعق المحرقة، الباب التاسع، الفصل الثالث 76.).
وقال ابن عباس: نزلت في علي أكثر من ثلاثمائة آية في مدحه (تاريخ الخلفاء 172.).
ونكتفي في ترجمة علي (ع) بكلمتين عن تلميذيه اللذين كانا معه سرّاً وجهراً:
1 _ قال ابن عباس -عندما سئل عن علي فقال - :
رحمة الله على أبي الحسن كان والله علم الهدى وكهف التقى وطود النهى ومحل الحجى وغيث الندى، ومنتهى العلم للورى، ونوراً أسفر في الدجى، وداعياً إلى المحجّة العظمى ومستمسكاً بالعروة الوثقى، أتقى من تقمّص وارتدى، وأكرم من شهد النجوى بعد محمد المصطفى، وصاحب القبلتين، وابو السبطين، وزوجته خير النساء فما يفوقه احد، لم تر عيناي مثله، ولم أسمع بمثله، فعلى من أبغضه لعنة الله ولعنة العباد الى يوم التناد .(ميزان الإعتدال 1 / 484).
2 _ إنّ معاوية سأل ضراراً بن حمزة بعد موت علي عنه، فقال: صف لي عليّاً، فقال: اوتعفيني؟ قال: صفه، قال: اوتعفيني؟ قال: لا أعفيك، قال: أما إذ لابدّ فأقول ما أعلمه منه:
والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلّب كفّيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.
كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا اذا اتيناه، ويأتينا اذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه هيبة، ولا نبتدئه عظمة، إن تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأنّي أسمعه وهو يقول: يا دنيا أبي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ هيهات، هيهات غرّي غيري قد باينتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير، وخطرك كثير، آه من قلّة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. قال: فذرفت دموع معاوية على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمّه وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال معاوية: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها .(ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 18 / 225 وغيره.).
|
|
|
|
|