يعتبر علم الكلام من أهمّ العلوم الإسلاميّة، وأقدمها تاريخاً، وأشدّها حساسيّةً، حيث إنّه لا بدّ لكلّ مسلمٍ أن يتخذ موقفاً واضحاً من أصول الاعتقادات، ويبني عليها عقيدته الإسلاميّة. فعليه أن يتحرّى في الأصول الدليل الصحيح والمقنع، كما وعليه أن يسأل حتّى يصل إلى ما يطمئنّ له باله وقلبه. وقد تعرّض القرآن الكريم، والنبيّ صلى الله عليه وآله ، والأئمّة المعصومون عليهم السلام من بعده وكذا المسلمون الأوائل لكثيرٍ من الأدلّة الفطريّة والعقليّة الداخلة في ضمن المسائل الاعتقاديّة، لا سيّما الأصول منها. وهذا ممّا يدلّل على عمق هذه الأبحاث في تاريخ العلوم الإسلاميّة، وعلى شدّة أهميّتها، وحساسيّتها. وإنّ اختلاف الفرق الإسلاميّة ـ منذ العصر الأوّل الإسلاميّ، حتّى العصر الحاضر ـ وتمسّك كلّ فرقةٍ بأدلّتها، ومحاولة الردّ على أدلّة باقي الفرق، وغير ذلك من الأسباب، أدّى إلى تطوّر هذا العلم، واتساع مسائله، وجعله من أكثر العلوم الإسلاميّة حيويّةً.
تعريف علم الكلام
لم يكن القدماء من علماء الكلام يولون اهتماماً بتعريف علم الكلام، وذلك لوضوح مفهومه عندهم، وعدم جريان عادتهم في تلك الآونة على التقيّد بما جرى عليه أرباب العلوم فيما بعد من ذكر أمّهات المسائل في بداية كلّ علمٍ؛ من تعريفٍ وموضوعٍ وغايةٍ وأسلوبٍ أو منهجٍ، وغيره ممّا يعرف بالرؤوس الثمانية.
وقد ذُكرت عدّة تعاريف لعلم الكلام، ولكنّها بحسب الظاهر لم يكن بينها ذلك البون الشاسع، حيث يمكن استخلاص أهمّ النقاط التي تتمحور حولها هذه التعاريف، والتي كانت محطّ نظر العلماء في التعريف. ورغم وضوح المفهوم من هذا العلم سوف نذكر ثلاثة تعاريف أساسيّة لتكون الصورة عن هذا العلم أكثر وضوحاً وجلاءً:
أ ـ "الكلام علمٌ يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة، بإيراد الحجج، ودفع الشبهة" . والمراد بالعقائد: ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينيّة: المنسوبة إلى دين النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله .
ب ـ يقول ابن خلدون في مقدّمته: "هو علمٌ يتضمّن الحجاج عن العقائد الإيمانيّة، بالأدلّة العقليّة، والردّ على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنّة" .
ج ـ وعرّفه الجرجانيّ بأنّه: "علمٌ يُبحث فيه عن ذات الله تعالى، وصفاته، وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام" . وقد أُدخل قيد قانون الإسلام لإخراج الفلسفة الإلهيّة من التعريف، فإنّها تبحث عن ذلك معتمدة على القواعد العقليّة الفلسفيّة.
والملاحظ في هذه التعاريف، أنّ بعضها ناظرٌ إلى المواضيع التي يدور البحث عنها في هذا العلم، وبعضاً آخر ناظرٌ إلى الغاية المرجوّة منه. والجامع بين هذه التعاريف ما ذكر في ضمنه المسائل والغاية والأسلوب، فعُرّف بأنّه: "العلم الذي يبحث عن أصول العقائد المذهبيّة، مستعيناً بالأدلّة العقليّة والنقليّة، خلوصاً من العقائد الكافرة الضالّة، والتزاماً بالعقيدة الحقّة" .
محاور في تعريف علم الكلام
ويمكن أن نستفيد من هذه التعاريف عدّة أمورٍ وهي أنّ علم الكلام:
1 ـ موضوعاً: يهتمّ بدراسة العقائد الإسلاميّة الحقّة والدفاع عنها، مقابل آراء أهل البدع والشبهات.
2 ـ أسلوباً: يستخدم أسلوب المحاججة الكلاميّة، التي تعتمد على الأدلّة والبراهين العقليّة والنقليّة لأجل الكشف عن الواقع وإثباته.
3 ـ منهجاً: يعتمد على المنهج الجدليّ، وهو يعني إسكات الخصم وإفحامه، لا البرهنة لكشف الواقع وإثباته. وهذا يُفهم من كلمة المحاججة المذكورة في التعريف.
موضوع علم الكلام
الموضوع في كلّ علم هو المحور الأساس الذي تدور حوله مسائل العلم. والملاحظ من خلال تعريف علم الكلام، وممّا سيأتي عند الحديث عن تسميته ونشأته، أنّ موضوع علم الكلام هو أصول الدين، وسائر المسائل الاعتقاديّة، وقد ذكرت عدّة مواضيع لهذا العلم، ذكرها الإيجي في المواقف فقال:
"قيل: هو ذات الله تعالى، إذ يبحث فيه عن صفاته وأفعاله في الدنيا كحدوث العالم، وفي الآخرة كالحشر، وأحكامه فيهما كبعث الرسول ونصب الإمام، والثواب والعقاب. وفيه نظرٌ .... وقيل: هو الموجود بما هو موجود، ويمتاز عن الإلهيّ أي الفلسفة الإلهيّة باعتبار؛ وهو أنّ البحث ههنا على قانون الإسلام بينما في الفلسفة فالبحث على قانون الفلسفة بشكلٍ عام . وفيه أيضاً نظرٌ ..." .
ويمكن الجمع بين كلّ التعاريف المذكورة لعلم الكلام، بأنّه العلم الباحث عن العقائد. ومن هنا كان من الضروريّ معرفة معنى العقائد.
تعريف العقيدة
"العقائد: جمع عقيدة، وهي المعتَقَدَة، والمراد بالاعتقاد هنا، الأمر الجازم الثابت، المطابق للواقع أي لما في نفس الأمر ، غير ممكن الزوال" . ولعلّ هذا التعريف للعقائد يحتاج إلى بعض التوضيح، وهو أنّه:
ـ لا بدّ في الأمر المعتقد به أن يكون جازماً يقينيّاً، أي غير مظنونٍ به، ولا محتمل.
ـ وأن يكون ثابتاً بالدليل لا أن يكون ثبوته من خلال التقليد.
ـ وأن يكون مطابقاً للواقع، لا كالجهل المركّب الذي هو علمٌ بنظر المدّعي، لكنّه جهلٌ بحسب الواقع.
ـ وأن يكون حاصلاً من خلال دليلٍ وحجّةٍ قويّة خاليةٍ عن المعارض، وبذلك لا يمكن زوال هذا المعتقد.
ومن الواضح أنّ المراد بالعقيدة هو نفس الاعتقاد لا العمل به.
خلاصة الدرس:
لقد ذُكرت عدّة تعاريف لعلم الكلام، ولكنّها بحسب الظاهر لم يكن بينها ذلك البون الشاسع. وقد ذكرنا ثلاثة تعاريف أساسيّة لتكون الصورة عن هذا العلم أكثر وضوحاً وجلاءً. ونحن نذكر في المطالعة أبرز التعاريف: «الكلام علمٌ يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة، بإيراد الحجج، ودفع الشبهة».
وأمّا موضوع علم الكلام فهو أصول الدين، وسائر المسائل الاعتقاديّة. وقد ذُكرت عدّة مواضيع لهذا العلم، جامعها العلم الباحث عن العقائد .
تحيتي