قال سفيان الثوري:أحد السنين , في أول أيام الحج خرجت من مدينتي , أريد بيت الله الحرام ,
 
فلما وصلت المدينة المنورة , ذهبت الى مرقد الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم لأجل
 
الزيارة .
 
عند الضريح الشريف رأيت شابا جميلا عليه آثار الصلاح والتقوى يدور حول الضريح و لا 
 
 
يقول شيئا سوى الصلوات على محمد و آل محمد صلى الله عليه و آله , أردت الذهاب اليه 
 
لأقول له توجد الكثير من الأدعية و الزيارات الواردة عن المعصومين عليهم السلام من الأولى
 
لك قراءتها و أنت عند مرقد النبي صلى الله عليه و آله , و لكن شدة الأزدحام حال بيني وبينه , 
 
فبقي الكلام في قلبي .
 
جئت الى مكة المكرمة , رأيت الشاب يطوف حول الكعبة الشريفة ولا يقول سوى :
 
 
(اللهم صل على محمد وآل محمد) بدل التلبية و الأذكار الأخرى حاولت التقرب اليه لأتحدث 
 
معه , ما استطعت الأزدحام حال بيننا أيضا , و بقيت حسرة التكلم معه في صدري.
 
يوم عرفة ذهبت الى عرفات , رأيت الناس مشغولين بأذكار و زيارات شتى , و رأيت الشاب 
 
 
أيضا وليس على شفتيه سوى الصلوات في جميع الحالاته.
 
ذهبت اليه , سلمت عليه أولا ثم قلت له :
 
 
رأيتك في المدينة عند قبر الرسول صل الله عليه وآله و رأيتك تطوف حول الكعبة الشريفة , و 
 
هنا و ليس على لسانك سوى الصلوات على محمد و آل محمد , أنا متعجب منك , أراك على 
 
ذكر واحد دائما في جميع الأمكنة و الأزمنة , بينما الأذكار والزيارات تختلف من مكان لآخر ,
 
والناس يدعون لقضاء حوائجهم و آخرون يبكون ويطلبون المغفرة وبعض يكثر من الصلوات
 
والسجود وبعض يزور الأمام الحسين عليه السلام وهو من المستحبات الأكيدة يوم عرفة , 
 
وحضرتك كأنك لا تعرف شيئا سوى الصلاة على محمد وآل محمد , فهل رأيت شيئا من هذا 
 
 
يا هذا إني رأيت الكثير الكثير من هذه الصلوات , ولهذا صار ذكري الوحيد , أحد الأمور التي 
 
رأيتها هذه الحادثة التي جرت في السنة الماضية وقبل موسم الحج بقليل .
 
خرجت مع المرحوم والدي نريد حج بيت الله الحرام , منتصف الطريق تمرض والدي كثيرا , 
 
 
فاضطررنا البقاء في أحد المدن القريبة حتى يشفى وتعود اليه الصحة .
 
استأجرت بيتا , أخذت والدي الى ذلك البيت , فلما دخلنا استلقى أبي على فراش قد هيئ له , ثم 
 
 
أشعلت السراج وجلست عند رأسه أنظر اليه , بعد مدة نظرت الى ابي وكأن أجله قد أقترب , و 
 
أنه في الساعة الأخيرة من حياته , وبينما أنظر اليه , رأيت وجهه أخذ يتغير لونه , حتى أسود 
 
كاملا , فتألمت كثيرا لهذا الأمر , لا أدري ماذا أفعل , مصيبتان نزلت علي في وقت واحد ,
 
مصيبة والدي ومصيبة اسوداد وجهه وأنا في بلد غريب , فقلت (إنا لله وإنا إليه راجعون).
 
بعد قليل سوف يصبح الصباح و يأتون الناس الى أبي بعد ما يسمعون بوفاته وسيرون وجهه الأ
 
 
سود فلا شك سيحكمون عليه بالباطل ويقولون أنه بعيد عن الإيمان وصاحب ذنوب كبيرة .
 
غطيت وجه أبي وجلست أبكي بكاء شديدا لعظم ما نزل بي , بعد البكاء الكثير أخذني النعاس 
 
 
ونمت , في عالم المنام رأيت رجلا نورانيا جميلا , على رأسه عمامة بيضاء , تفوح منه رائحة 
 
عطرة , أقبل نحو أبي حتى جلس عند رأسه .
 
رفع الغطاء الذي وضعته على وجهه , ثم مسح بيده الشريفة على وجهه فتغير لونه حتى صار
 
 
أبيضا وجميلا , من شدة فرحي وتعجبي وقعت على قدميه , قلت: 
 
سيدي من أنت؟ أنقذتني من هم كبير . قال:
 
أنا صاحب القرآن , أنا محمد بن عبد الله . فقلت له : ماذا كانت جناية أبي يموت مسود الوجه ؟
 
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: 
 
 
إن أباك كان يظلم نفسه بارتكاب الذنوب والمعاصي , ولكنه كان يذكرني كثيرا بالصلوات , لهذا 
 
السبب جئت إليه في هذه الساعة الشديدة لأكون له معينا وشفيعا , وهذا حق كل من يذكرني 
 
بالصلوات , قمت من نومي , نظرت الى وجه أبي وأذا به كوجه القمر يتلألأ , غطيته وحمدت
 
الله سبحانه وتعالى , منذ ذلك الوقت لازمت ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم 
 
وفضلته على سائر الأذكار والأدعية , لهذا السبب رأيتني دائم الصلوات في مواقف الحج وعند 
 
ضريح الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة .
 
 
 
(اللهم صل على محمد و آل محمد).