للشاعرالراحل : عبد الحسين الجاسم
في مدح النبي الأعظم
ألقاها في الحفل الذي أُقيم في سوق الشيوخ
لمناسبة المولد النبوي الشريف في 17 ربيع الأول 1365
الموافق لشهر شباط من العام 1946
أعجوبةَ الكون في خَلقٍ وفي شِيَمِ
كن شافعي عند لحظ قد أطلَّ دمي
هبطتَ من قدسك الأعلى لفتنتنا
أني أُعيذك من ظلمي ومن ألمي
أنت الأمين على الأرواح تحفظها
هل فيك يجمل أن تُدعى بمتـَّهَمِ
صُفَّتْ صفات كمال فيك أحمدها
يا مفرد الحسن من عرب ومن عجمِ
حملت تاجاً به معنى الجمال وما
صيد الملوك سوى بعض من الخدم
بهرت عقليَ حتى كدتُ من شغفي
لو لم تكن مولداً أدعوك يا صنمي
أحكمت بيعة حب في الرقاب ولمْ
تُنكثْ فَلِمْ لَمْ نجدك الراعيَ الذممِ
أعجزتَ بالغنج لما ماس قدك لي
يا سافر الليل عما فيه برء عمي
هذي حرارة وجدي لا تبارحني
يا أعذب الريق هلا رشفة بفمي
أُعطيتَ كوثرَهُ بـلّاً لغلّتنا
فلم نُرد منك إلا نهلةً لظمي
خدّاك عدلان في شرع الهوى شهدا
ما حمرة فيهما إلا سَنا ضرمي
إن أنكر الجفن سهماً منه في كبدي
هوّنْ عليَّ بثغرٍ منك مبتسمِ
ولا تحرك عليّ الجيد توعدني
وبالفؤاد برفقٍ ما تشا احتكمِ
فهزّة الجيد فعل لا تقاومه
قوىً لأهل كمالٍ أو ذوي فِهَمِ
لا يَعرف الحسنَ إلّا عينُ ذي أدبٍ
والحبّ يدخل إلا قلبَ ذي كرمِ
يا غيرة العاشقين الأبرياء على
صبٍّ أسير غرام غير مجترمِ
أُهيلَ ودّي رموا قلبي بمحنته
وقلّبوني على جمرٍ بصدِّهِمِ
الأعينُ الدُعج منهم لُبـّيَ اعتقلت
لا فدية قبلوا عني بغير دمي
رقّت طِباعُهُمُ لكنْ قلوبُهمُ
صَلْدٌ وهتْ عندها في عذلهم هممي
كم استجرت بهم منهم إذا هجعوا
واُرسلتْ أدمعي الحرى ولم أنمِ
حامت على حيّهم روحي تناشدهم
هل ذمة عندهم تُرعى لصَبـِّهِمِ
ما كان أعدلهم حكماً وأكرمهم
إلا بأحكامهم في نيل وصلِهِمِ
يا نسمةً للحشا قد روّحت سَحَراً
لو تقرأين سلامي ساكني إضَمِ
ما طاب لي بعدهم عيشٌ ولا طربت
نفسي بأعذب إيقاعٍ من النغمِ
ما مرّ يومٌ مدى عمْري سُررتُ به
كيومِ مولد (طه) سيد الأممِ
سرُّ الخليقة قد أفشاه مولده
فلمْ يَعُدْ سائلٌ عنها لِمَنْ و لِمِ
وشفَّ ثوب الدجى من نور طلعته
وأشرقت غُرّةٌ في جبهة الدُهَمِ
شمس المعارف ذرّتْ بعدما خبطوا
في جهلهم خَبْطَ عشواءٍ دجى الظُلَمِ
نور البصائر والأبصار مرشدها
وللقلوب جلاء الهمِّ والغممِ
سيف له آي إنجيلٍ به نُسِخَتْ
وعَطَّلَ الآيَ من توراة ذي الكلمِ
كم أبرأت يده من لا يرى رشُداً
فلم يعد في ظلامِ الغيِّ بعدُ عمي
لطفٌ من الله كم أحيى بنفحته
والروح ينفخها في دارس الرمم
يمناه إذ حملت صمصامةً ذكراً
إيماضها الموت يعرو قلب كلَّ كمي
ما تضحك البيض إلا افترَّ مبسمه
والصيد كالطير من بتّاره الخَذِمِ
يلهى رحى الحرب هاماً وهو محورها
ما رافق السعد إلا حظ منهزمِ
طارت قلوب العِدا يوم الوغى فَرَقاً
همُ الظبا أبصرت ضرغامة الأجمِ
منزه القدر عن تشبيه منزلةٍ
للرُسْلِ خاتمهم إشعاع نورهمِ
أكرم به من نبيٍّ طاب مغرسُهُ
أتتْ خلائقه من أكمل الشيمِ
نفسي لَتوّاقةٌ يا لائميَّ الى
ترابِ طيبةً لو عفّرتُ فيه فمي
أستاف بالأنف مسكاً حين أرغمه
إذْ أنّ إرغامه من أشرف الشممِ
صلى الإله على (طه) وعترته
أئمة الخلق نصّاً في كتابهمِ
(بالنجم) و(النور) و(الأحزاب) قد ذُكرت
مع (الحواميم) آياتٌ لفضلِهِمِ
ذرية في رقاب الخلق بيعتُهمْ
ومنهج الدين مقرونٌ بحبِّهمِ
كَفَتْهُمُ (هل أتى) آياتُها مِدَحاً
وأفصحت (عمَّ) عن إعلاءِ شأنِهِمِ
هم للهداية نجمٌ والنجا سفنٌ
لو لا وجودهمُ الإسلامُ لمْ يَقُمِ
غُرُّ اُباةٌ ميامين بدورُ دُجىً
أمسى التغابن فينا ضارباً طنباً
حتى بدا بيننا ناراً على عَلَمِ
تلك السيادة لم نُمسكْ لها رسناً
والبغض ألجمَ منا موضع اللجمِ
طابت فروعهمُ من طيبِ أصلهمِ
أكارمٌ كُرِّموا خلقاً وطهّرهمْ
وأذهب الرجسَ عنهم بارئُ النسمِ
نما الولاء لهم والجسمَ من صِغَري
كذاك يصحبني إن صرت للعدمِ
والَيْتُهُمْ حين لم أعرفْ عذابَ لظى
ولم أكن طامعا في راحة الرجمِ
وصحبَهُ الطيبين الطاهرين همو
للدين إخلاصهم من أرسخ الدِعَمِ
فخذ بكفي رسولَ اللهِ وا خجلي
من سيئاتٍ بدتْ مني و واندمي
نشكو إليك قد اسودّتْ ضمائرنا
والحقد يقرعُ فينا سنّ منتقمِ
الى الورا للورا دون الورى سَرَعاً
نمشي وقائدنا الأعمى وذو الصممِ
مات التآزر منا ما له أثرٌ
إلا بقايا جُمَيْعٍ غيرِ منتظمِ
فالغير يطرب من تجديد نغمته